الموقف السياسي

الكلمة التي ألقاها في ذكرى اسبوع الحاج ابراهيم برجاوي في حسينية البرجاوي في 16/11/2008

نحن مع حوار الأديان لكننا لسنا مع التطبيع مع إسرائيل

بحضور نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة الشيخ عبد الأمير قبلان وممثل المرجع السيد علي السيستاني حامد خفاف والنائب علي حسن خليل وعلي عمار والنائب السابق محمد برجاوي، وحشد من الفعاليات البلدية والنقابية وأهالي المنطقة، ومما جاء فيها:

منذ أيام انعقد مؤتمر لحوار الأديان، وأثار لغطاً في العالم حول جدوى مثل هذه المؤتمرات، وليكن واضحاً: نحن مع حوار الأديان عندما يكون حواراً للتلاقي والتفاهم والعودة إلى الأصول والعقائد التي تربطنا بالله تعالى وتخدم الانسان، لكننا لسنا مع واجهة حوار يتسلَّل من خلالها مؤتمر يريد شرعنة وجود إسرائيل والتطبيع معها. تصوَّروا أن شيمون بيريز هو الذي سيحاور باسم الدين اليهودي وهو القاتل الجزار، المنتهك للحرمات والمحتل لفلسطين، هذا ليس حواراً للأديان. لماذا يعيش البعض مشكلة أو عقدة عندما يُنتقد الخطأ؟ نعم نحن مع الحوار، لكننا لسنا مع التطبيع مع إسرائيل، نحن مع الحوار لكننا لسنا مع إعطاء فرصة لإسرائيل لتلقِّن الحاضرين دروساً في كيفية التعاطي بين المسلمين. كنت أودُّ أن أسمع ردًّا على "ليفني" التي انتقدت كل البلاد العربية والاسلامية لأنها تدرِّس في المساجد دين الله تعالى الاسلام الذي يربي على كراهية إسرائيل، أين هو الرد؟ من قال كلمة في مواجهة هذه الغطرسة؟ أكثر من هذا "بوش" في المؤتمر يعتبر أنه قام بجهد كبير لحماية المسلمين في منطقة الشرق الأوسط، نعم "بوش" حمى المسلمين بأن قتل وجرح أكثر من مليون إنسان بين العراق وأفغانستان وهذه المنطقة، وأوجد إرباكاً له بداية والله أعلم بنهايته، وجعل هذه المنطقة ملتهبة ومتوترة، وهذه هي المكرمة التي يتحدث عنها "بوش" في أنه ساعد المسلمين بها، وهو الذي كان يعمل للسيطرة وخدمة إسرائيل، و"ليفني" قالت في العلن: لا عودة للفلسطينيين إلى أراضي الـ 48، وهذا أمر محسوم عندهم، إذاً أي مؤتمر هذا، هذا لم يكن مؤتمراً لحوار الأديان، بل كان مؤتمراً لعرض رؤية إسرائيل ولإيجاد خطوة متقدِّمة نحو التطبيع، وبالتالي هو جزء من فكِّ العزلة عن العدو الإسرائيلي. نحن ندعو إلى حوار للأديان يُناقش المسألة الدينية بعيداً عن المسألة السياسية التي تروِّج لإسرائيل، ونحن نقبل بكل إجراء فيه إعادة للعدل والحق بين أصحاب الرسالات السماوية وبين الناس. أما أوروبا لم تقبل في البيان ختام أن يُدرج منع الإساءة إلى الرسالات السماوية المختلفة، تحت عنوان أنه يوجد حرية رأي، لأنه عندهم يروِّجون لانتقادات وإساءات لنبي الإسلام ولزوجاته وللأئمة والصحابة بطريقة سلبية وسيئة، ولا يريدون التوقف عن هذه الإهانات المختلفة، لأنهم يعتقدون أنها الطريق لشدِّ العصب لمنع الآخرين من أن يتعرَّفوا على رسالة الإسلام، بينما لو تحدث أحد عن مجازر الهولوكوست، أو تحدث أحد بانتقاد للصهيونية لاتَّهموه بمعاداة السامية ولسجنوه وعاقبوه وتصرَّفوا معه بشكل سلبي. هذا ليس حواراً للحضارات، هذه واجهة يريدون من خلالها أن يمرِّروا أفكارهم وآراءهم، هم حائرون كيف تكون إسرائيل مقبولة في منطقتنا، فليعلموا: إسرائيل لن تكون مقبولة في منطقتنا، فلو وقَّع بعض الحكَّام مع إسرائيل عشرين ألف توقيع، وأعطوا تعهدات تبدأ ولا تنتهي، فإن شعوب منطقتنا ومقاومة منطقتنا لن تقبل بإسرائيل الغاصبة وتريد هذه الشعوب أن تعود فلسطين إلى أهلها عزيزة مكرَّمة محرَّرة من البحر إلى النهر من دون استثناء.

أما في العلاقة مع سوريا فقد احترنا، فإذا عدنا إلى الطائف والدستور اللبنانية فهو يتحدث عن علاقات مميزة مع سوريا، لا يوجد دولة ذُكر اسمها في الدستور اللبناني إلا سوريا، وفي الطائف تحت عنوان العلاقات المميزة بسبب الجوار الطبيعي الموجود بين لبنان وسوريا، لكنهم ظنُّوا أنهم سيحشرون سوريا عندما يضغطون باتجاه العلاقات الديبلوماسية، وأن سوريا ستقول "لا"، وعندها تكون المشكلة من سوريا، وأن لبنان كان يريد أن تعود العلاقات إلى مستوى رفيع لكن سوريا هي التي تمنَّعت، ففوجئوا أن سوريا قبلت بالعلاقات الديبلوماسية وتبادل السفارات، وهنا كيف يتخلَّصون من هذه السفارات؟ بدأوا بالحديث أن السفارة يمكن أن تلعب دوراً أكثر بكثير من الذي كانت تلعبه الأجهزة الأمنية في السابق. لقد حيَّرتمونا، هل تريدون سفارة أو لا تريدون؟ تريدون العلاقة مع سوريا أو لا تريدون؟ لا أحد منهم يتجرَّأ أن يقول أننا لا نريد علاقات بين لبنان وسوريا، لأنهم يعلمون أن هذا هو الأمر الطبيعي، وهذا هو الذي ينفع لبنان وسوريا، نحن لا نبني علاقات لبنانية سورية لنُعطي سوريا، إنما نبنيها ليستفيد لبنان وتستفيد سوريا، لأنه توجد مصالح مشتركة وحدود مشتركة، نحن بحاجة إلى التعامل مع بعضنا في الشؤون الأمنية والسياسية والاقتصادية وأمور أخرى بسبب الجوار. من هنا العلاقات بين لبنان وسوريا علاقات ضرورية ولا يمكن تجاوزها ولها مستلزماتها، وعلينا أن نقوم بهذه المستلزمات كما على سوريا أن تقوم بهذه المستلزمات، وهنا لا بد أن نحيِّي وزير الداخلية الاستاذ زياد بارود لموقفه الاحترافي والقانوني في متابعة قرارات مجلس الوزراء في هذه الزيارة التي أجراها لسوريا، وهو لم يقم بشيء خلافاً لقرار مجلس الوزراء، بل ثبَّت مجلس الوزراء كل الخطوات التي قام بها، وأعلنها بوضوح وتفصيل، هذا يعني أن المسار الطبيعي لا بدَّ أن يكون موجوداً بين لبنان وسوريا لمصلحة لبنان، ولا يمكن لأحد أن يضغط علينا خارج إطار مصلحة لبنان، لكن هذا التوتر الموجود من بعض الأفرقاء توتر له علاقة بعدم دراسة الواقع المتغيِّر، ومحاولة لتحصيل بعض المكتسبات السياسية، لكن هم يحصدون الخسائر السياسية المتتالية، ولا يمكن أن تنفعهم مثل هذه الأعمال.

الأمر الآخر يتعلَّق بالوضع المعيشي والغلاء المستفحل في لبنان. كانوا يقولون لنا أن الأسعار العالمية للنفط والحديد والقمح والمواد الغذائية ارتفعت فرفعوا الأسعار في لبنان، اليوم انخفض سعر برميل النفط إلى ما يعادل ثلث سعره في وقت الارتفاع، ونزلت أسعار الحديد إلى نصف ما كانت، وتراجعت أسعار القمح وغيرها، لكننا لا زلنا نجد أن الأسعار في البلد هي نفسها إن لم ترتفع في بعض الحالات وكأن شيئاً لم يكن، فإذا سألت بعض التجار المحترفين يقولون أنهم اشتروا البضاعة بسعر مرتفع، يعني بعض التجار هو شريك ربح على كل حال، فإذا ارتفعت الأسعار أكلوا الربح مهما كبُر، وإذا انخفضت الأسعار هو أيضاً على نفس الحال. على كل حال هذه مسؤولية الحكومة، فعليها أن تُحرك مصلحة حماية المستهلك، أو أن تقوم بإجراءات معينة لوضع حدّ لجشع بعض التجار، الذين يستحكمون بهذه المواد المختلفة وبالأسعار، خاصة أن مصيبة الوكالات الحصرية الموجودة عندنا تجعل صاحب كل وكالة أميراً وقائداً يصنع ما يشاء في السعر. هنا على الحكومة أن تفكر في الطريقة المناسبة ليكون هناك إنصاف بحق هذه الشعب اللبناني، كي يتمكن من أن يعيش بشكل معقول وهذه مسؤولية الحكومة. أضف إلى ذلك أننا مقبلون على انتخابات نيابية في أواخر أيار 2009، يعني بعد عدة أشهر، على الحكومة أن تقوم بواجباتها اتجاه المواطنين بمعزل عن الانتخابات النيابية، أي أن لا تُسخَّر بعض المشاريع لحسابات بعض المستنوبين أو بعض الوزراء والجهات المختلفة، لأن أموال الدولة هي أموال الناس، وليست أموالاً لبعض الذين يريدون تسلُّم مواقع في تركيبة الدولة، وللمواطنين حقوق على هذه الدولة كما يقومون بواجباتهم. وهنا أيضاً ندعو إلى أن تتحرك الحكومة لسنِّ قانون أو القيام بإجراءات توقف التعيينات العشوائية هنا وهناك، فتصبح كل هذه التعيينات عبر مجلس الخدمة المدنية، عندها من يكون متفوقاً ينال الوظيفة، لماذا نجد بعض الوظائف الدسمة التي فيها تنفيعات ومحسوبيات يتمُّ التعيين فيها استنسابياً من خلال الوزير أو من خلال المدير العام أو بعض المسؤولين، لتكن كل التعيينات في البلد عبر مجلس الخدمة المدنية أو بطريقة المباراة، كي نتخلَّص من هذه الأزمة في اختيار الأشخاص الذين لا يملكون الكفاءة، ثم نتحدث عن أن القطاع العام فيه مشكلة كفاءات، ليس عندنا مشكلة كفاءات في البلد بل عندنا مشكلة اختيار واستنسابية، وهذه أيضاً مسؤولية الحكومة، ويجب أن نعمل للوصول إلى مثل هذه النتيجة.

نحن اليوم أمام مشهد عالمي بدأ يتغيَّر بعد السقوط المدوي لبوش، فبوش دفَّعه الشعب الأمريكي ثمن الفشل الأمريكي والعالمي، وبالتالي الأهمية ليست لنجاح أوباما وإنما الأهمية لسقوط بوش، لأن بوش كان من الذين خاضوا الحروب والذين انتهكوا حرمات العالم بالطريقة التي أدَّاها أثناء ولايته. على كل حال هذا درس لأمريكا وللعالم أن الطاغية لا بدَّ أن يسقط، وأن المسار الخاطئ لا بدَّ أن ينكشف، ونحن اليوم نعيش أن العالم بأسره يدفع ثمن السياسات الخاطئة لبوش، الأزمة المالية اليوم هي أزمة في العالم، كلا إنما هي أزمة مالية أمريكية انعكست أزمة في العالم، وبالتالي اليوم يدفِّع الأمريكيون ثمن أزمتهم لكل العالم، حتى أنهم يقولون للبعض إدفعوا من دون نقاش كما يحصل في بعض البلدان المعروفة. على كل حال نحن في مستقبل الوضع مع أمريكا لا ننظر إلى بعض الشعارات التي أُطلقت خلال الحملة الانتخابية، وإنما ننتظر لنرى ما الذي سيفعله أوباما، والمقياس بالنسبة إلينا لتقييم السياسة الأمريكية هي النظرة إلى فلسطين، كيف سيتمُّ التعاطي مع القضية الفلسطينية هي التي تحكم نظرتنا إلى الرئيس الأمريكية الجديد، وبالنسبة إلينا ليس هناك أي مشكلة، على أمريكا أن تُعيد النظر في سياساتها عندها تفتح القنوات المختلفة مع الجهات المختلفة، لكن المصيبة كانت دائماً أنها في موقع المعتدي وتطلب من الباقين أن يسلِّموا باعتدائها.