حزب الله كان أول من دعا إلى طاولة الحوار، ففكرة الحوار حول الإستراتيجية الدفاعية وحول كيفية مواجهة إسرائيل كانت فكرة الحزب، تلقفها الآخرون ورأوا فيها فكرة جديدة، لكن البعض اعتقد أن الحوار متلازم مع إنهاء المقاومة وهذا خطأ، الحوار يعني أن نجلس مع بعضنا، ونقدم وجهة نظرنا، ويقدم كل فريق وجهة نظره، ثم نناقش فإذا استطعنا أن نقنع بعضنا بكل شيء تكون القواسم المشتركة هي التي نلجأ إليها بالاتفاق، وإذا اختلفنا على بعض الأشياء واتفقنا على أشياء أخرى نحاول أن ننظم الخلاف بطريقة تحمي البلد وتعمره وتواجه المشروع الإسرائيلي حتى لا يتحكم بنا، هذا هو معنى الحوار، لا يعني الحوار إسقاط الحوار، ولا يعني الحوار عدم سماع وجهة نظر الآخرين المعارضة لأداء المقاومة، نحن حاضرون أن نسمع.
هذا الحوار يحصَّن بالمصالحات الثنائية والثلاثية والرباعية، وعندما ندعو إلى المصالحة، هذا لأننا نريد إخراج الخلاف من الشارع وجعله في غرفة مغلقة اسمها غرفة الحوار، لأن النقاش داخل غرفة الحوار يتَّسم بشيء من الهدوء والموضوعية لا يتسم بهما التراشق في الشارع، فتصوروا خطيباً على منبر، الانتخابات بعد ثمانية أشهر ويرى الجماهير أمامه، أكيد أنه سيستخدم كلاماً يثير مشاعر وعصبيات الجمهور ، وبالتالي كل تحدٍّ وكل محاولة إيذاء للطرف الآخر، كل فضائح يمكن أن يطرحها على المنبر تشكل جاذبية للجمهور، فإذاً مخاطبة الجمهور في هذه الحالة لا يكون مبنياً على قواعد صحيحة ، نحن نريد من المصالحات أن ننزعها من الشارع لمصلحة الحوار الهادئ، والمصالحة لا تعني إنهاء الخلافات أبداً، يمكن أن نتصالح وتبقى الخلافات ولكن الفرق أن المصالحة تحوِّل الخلاف إلى خلاف سياسي وتبعده عن الإثارة الذهبية وعن التحريض وعن محاولة إيجاد المشاكل والتعبئة في الوسط العام وهذه فائدة المصالحة.
وليكن معلوماً، المصالحة ليست مرتبطة بالتحالفات الانتخابية، فيمكن أن نتصالح مع بعض الأفرقاء ولكن لا نكون حلفاء معهم في الانتخابات، حتى لو كانت المصالحة قبل الانتخابات،لا يربطنَّ أحد بين الأمرين، المصالحة تستهدف المسار السياسي العام، والانتخابات لها شكلها، نحن لنا تحالفاتنا والآخرين لهم تحالفاتهم، وبالتالي هذه التحالفات مبنية على أسس متينة وليس على مصالحة لم يمضِ عليها أشهر قبل الانتخابات.
وهنا أريد أن أؤكد لبعض من يتساءل: بالنسبة إلينا شهداؤنا الذين قدموا في هذه المسيرة وعرجوا إلى السماء، هم شهداء المقاومة الإسلامية في أي موقع كان، ولا نميِّز بين شهيد وشهيد، لأن شهداءنا إنما يدافعون عن المسيرة، والمسيرة مرة تتطلب قتالاً على الحدود في مواجهة إسرائيل ومرة تتطلب دفاعاً عن المشروع في وجه بعض المعتدين، في كل الأحوال الموقع الذي يقاتل فيه الشهداء هو موقع المقاومة، وإذا أردنا أن نعرف أننا حفظنا دماء الشهداء أم لا! فلنرى النتائج على المسيرة، لسنا جماعة يأخذون كل شهيد على حدا، نحن جماعة تعمل كمسيرة، السؤال الذي يجب أن يُطرح: هل أنجزت مسيرة حزب الله إنجازات أم لا؟ هل أدَّى هؤلاء الشهداء دوراً في الانتصارات أم لا؟ عندما نستعرض وضع حزب الله نرى انتصارات في مواجهة إسرائيل توِّجت في عدوان تموز ، وتوِّجت في عملية الرضوان، وتوِّجت أيضاً في اتفاق الدوحة وبالرئيس التوافقي وفي حكومة الوحدة الوطنية وفي قانون الانتخابات، كلها إنجازات في مراحل مختلفة ببركة دماء الشهداء الذين صمدوا وأعطوا وضحوا وكانوا نموذجاً للثبات أمام التحديات، لطالما قال العالم بأننا سنخضع، وأننا سنتعب، وكنا نقول لهم: نحن قومٌ لا نتعب ولا نستسلم، ما دام فينا شهداء ومجاهدون ومجاهدات باعوا أنفسهم لله تعالى ويريدون العزة والكرامة للأمة.
من هنا عندما ندعو إلى الحوار وإلى المصالحة إنما نحفظ دماء الشهداء في انتصار جديد، كلما أخرجنا البلد من المأزق الطائفي والمذهبي والتحريضي، كلما يعني أننا حقَّقنا إنجازاً إضافياً.
وليكن معلوماً في هذا البلد رغم كل الضوضاء الطائفية والمذهبية لا يوجد لا خلاف طائفي ولا خلاف مذهبي، لأن الموالاة فيها من كل الطوائف والمعارضة فيها من كل الطوائف، إذاً ما هو الخلاف؟ الخلاف على المشروع، نعم البعض يحاول أن يستغل موقعه في طائفته من أجل الإثارة المذهبية ليعوض النقص الموجود عنده في إقناع القاعدة بسلامة خطه وسلامة مسيرة، سيأتي إلى التشويه من خلال التحريض المذهبي، هذا لا يُعتبر خلافاً مذهبياً ، كيف يوجد خلاف مذهبي بين السنة والشيعة وطالما كانوا في عيشهم جنباً إلى جنب كل هذه السنوات بل مئات السنين وهم مع بعضهم، وأين الخلاف الطائفي؟ ومن يطرح أنه يريد أن تكون طائفة على حساب طائفة؟ هذا غير مطروح، كلنا نعمل على أساس أننا نريد الوطن. وبالطبع الوضع الاقتصادي سيتأثر بالوضع السياسي، والوضع الأمني سيتأثر بالسياسي، إذا لم يستقر الوضع السياسي، هذا يعني أن الاقتصاد والأمن لن يستقرا لأن عملاء إسرائيل وخفافيش الليل تحاول أن تثير القلاقل هنا وهناك، وأنتم تسمعون ما يحصل من إلقاء للقنابل أو مشاكل في مناطق متنقلة، كل هذه المشاكل تحصل من المتضررين الذين لا يريدون للحوار أن يتم، والذين لا يريدون اتفاق بين اللبنانيين أن يحصل، بمعنى آخر إسرائيل لا تقبل بأن يلتئم الجرح في لبنان وهذا هو المشروع الإسرائيلي، وكل من عمل على عدم التئام الجرح هو إسرائيلي في الهدف حتى ولو لم يكن إسرائيلياً في الهوية، هذا أمر واضح بالنسبة إلينا.
الأمر الثاني: المقاومة في لبنان قدَّمت نموذجاً رائداً وعظيماً، ومهما تكلمنا عن المقاومة لا يستطيع أحد أن يفي المقاومة حقها، هذه المقاومة لا تُقاس بما جرى خلال 33 يوم، هذه المقاومة تُقاس بالآثار التي تركتها وبالتداعيات التي نشأت عن مواجهتها لإسرائيل وصمودها وإسقاط مشروع إسرائيل في ضرب المقاومة في لبنان. المقاومة الإسلامية حولت الضعف إلى قوة، وجعلت من الاستضعاف عزة، وكسرت شوكة إسرائيل، وأسقطت مشروع الشرق الأوسط الجديد الأمريكي من بوابة لبنان، وأعطت الأمل للشعب الفلسطيني والشعب العراقي ولكل المقاومين في منطقتنا بأن بإمكانهم أن يتحرروا وأن يستقلوا، وقدَّمت نموذجاً بالتضحية والعطاء والإنجازات في داخل الوطن لم يسمع بها الناس منذ أمد طويل في هذا التاريخ، ثم أرادت أمريكا أن تلتف على هذا الانتصار فعملت على الإساءة بعد عدوان تموز على المستوى السياسي ، وأخلفت اللبنانيين مع بعضهم، ثم فشلت مرة جديدة فنتج اتفاق الدوحة وما بعده رداً على المشروع الأمريكي المغتاظ من هذه الانجازات التي أتت ببركة المقاومة والمعارضة والصمود لمصلحة لبنان وليس لمصلحة أي مشروع آخر.
بعد عدوان تموز بإمكاننا القول: بأن قدرة المقاومة لم تعد طموحاً نريد أن نصل إليه، بل أصبحت واقعاً يُثبت نفسه في كل يوم بتمثيله للقوة القادرة الجاهزة على مواجهة إسرائيل في أي وقتٍ وفي أي لحظة بكل شجاعة وجرأة نستمد ذلك من المجاهدين والشهداء. وما وصلنا إليه من ردعٍ لإسرائيل وحماية للبنان إنجازٌ لا يمكن أن نفرط فيه مهما علت الصيحات والصراخ، فهل يعقل أن نجعل بلدنا ضعيفاً بعد أن ذاق معنى القوة! وهل يمكن أن نقبل باستسلامه بعد أن عاش العزة! وهل يمكن أن نمنح إسرائيل معنويات جديدة بعد أن أسقطناها في عدوان تموز فسقطت معنوياتها وهي تعاني سياسياً وشعبياً وعسكرياً ولا تستطيع أن تلملم جراحاتها، وعلى رأي أحد أعضاء فينوغراد: إلى الآن رمموا 40% من خسارتهم في حرب تموز، ويحتاجونمن ثلاثة إلى خمس سنوات حتى يكملوا الترميم، وأنا أقول لكم: هم بحاجة إلى عشرة وعشرين سنة ومع ذلك لن يرمموا حالة الإحباط الموجودة عند الإسرائيليين لأنه عند أول مواجهة إذا سمعوا اسم حزب الله واسم التكبير فسيسقطون نفسياً ومعنوياً ويخسرون نصف الحرب قبل أن تبدأ .
النقطة الأخيرة: كنا نقول بأننا نطالب على طاولة الحوار بأن نرسخ المعنى الأساس وهو أن إسرائيل عدو فجاءنا من يقول لسنا بحاجة إلى أن نكرر كل يوم بأن إسرائيل عدو، فمنذ عشرين سنة قال أن إسرائيل عدو! فإذا حصلت حادثة صغيرة في مكان ما يعلوا صراخهم ويعيدونها مائة مرة ، ويركِّبوا عليها المؤامرات المحلية والدولية وكأنها ستؤدي إلى حرب عالمية، وهو يكون خلافاً بين شخصين، لكن إسرائيل كل يوم تخترق الأجواء اللبنانية. فلا يسمعون، إسرائيل كل يوم عشرين مرة تعتدي على الأجواء اللبنانية فلا يرون ، لا نريد منكم بيان كل يوم ، كل أسبوع قولوا مرة: نعترض على اختراق إسرائيل للأجواء اللبنانية، نرفض أن ينتهك العدو الإسرائيلي أجوائنا اللبنانية، هي الأمم المتحدة قالت بأن إسرائيل تنتهك القرار 1701، وقد كان يجب أن نسمع صراخ واجتماعات في البلد بأن إسرائيل تنتهك القرار 1701، لا أن يفتش البعض أين لدى حزب الله مشكلة بالقرار 1701، يا أخي الأمم المتحدة تقول بأن حزب الله ملتزم في جنوب نهر الليطاني ولم يخرق القرار 1701 فعلى ماذا تفتش؟ الذي يريد أن يقول بأن إسرائيل عدو ولم يكن مقتنعاً أو غير قادر على حمل البندقية لقتال إسرائيل لألف سببٍ وسبب فليصرخ وليقل أمام العالم ولو في الأسبوع مرة بأن إسرائيل عدو وأنها تنتهك الأجواء، فلا نريد أن نسمع الاتهامات والنصائح من الآخرين لنا ونسكت أو نكرر هذه الاتهامات، على كل حال تحولت المقاومة إلى شمسٍ مضيئة والشمس إذا أشرقت لا تحجبها أوراق الأشجار ولا إغماض العيون ولا كثرة لقلقة اللسان فبالحد الأدنى من لا يرى سطوع ضوئها سيشعر بحرارتها ، والأعظم أن تكون هذه الحرارة عزة لبنان وكرامة لبنان حيث سندافع عنهما إلى آخر قطرة دم وسنبقى الصوت الهادر بالبندقية الهادرة التي ترفض إعطاء مكتسبات لإسرائيل مهما كانت الصعوبات والعقبات.