في مثل هذه الأيام منذ سنتين حصل عدوان كبير على لبنان في 12 تموز سنة 2006 سمّته إسرائيل حرب لبنان الثانية، وسماه حزب الله الوعد الصادق. هذا العدوان كان يراد له إنهاء جذوة المقاومة في لبنان تمهيداً لإنهاء فكرة المقاومة في المنطقة العربية والإسلامية وخاصة في فلسطين، إذ لم يكن العدوان الإسرائيلي مجرد معركة أو حرباً عابرة، وإنما كان العدوان يستهدف تغييراً في المعادلة في المنطقة لمصلحة المشروع الإسرائيلي بإنهاء العمل المقاوم الذي يعمل لعزة الناس ولاستقلال بلدنا ومنطقتنا. الحمد لله وفقنا الله تعالى للنصر، وقلنا بأنه نصر إلهي، وانزعج البعض بأنه نصر إلهي، لأنهم يعتقدون أن مددنا لا يصل إليهم لأنهم لا يؤمنون بالله حتى يعطيهم المدد فهو يعطي جماعته، ونحن نؤمن بالله تعالى فيعطينا، لم يمنعهم أحد من أن يكونوا مع الله تعالى ليكون الله تعالى معهم، لكن هذه خياراتهم. هذا العدوان الذي حصل نستنتج منه أربعة أمور: أولاً، قرار الحرب على لبنان لم يكن بسبب الأسرى الاسرائيليين، وإنما هو جزء من السياسة الاسرائيلية في فرض قراراتها ومشروعها بقوة السلاح وبالاعتداء والمجازر، ومن يراجع تاريخ إسرائيل منذ قيام الكيان الغاصب بل قبله بعشرات السنين يجد أن إسرائيل لم تقنع يوماً أحداً بحقها، وإنما استخدمت سلاحها وبشاعة اعتداءاتها لتفرض ما تريد بالقوة، وما الأسر الإسرائيلي إلا ذريعة حيث كان يمكن أن تختار ذريعة أخرى لها كما حصل في اجتياح 1982، حيث كانت الذريعة محاولة اغتيال دبلوماسي إسرائيلي في أوروبا، وهذه الذريعة لا تسحق حرباً كالاجتياح عام 82، لكن هي ذريعة لا تقدِّم ولا تؤخر، لأننا كما علمنا وعلم الناس لاحقاً أن الاستعداد للعدوان كان منذ شهر نيسان 2006، وكان يمكن أن يكون في أيلول أو تشرين الأول 2006، لكن قدّم الإسرائيليون العدوان تحت هذه الذريعة التي يمكن أن تكون أنسب من غيرها. ثانياً، شهدنا في مواجهة العدوان الإسرائيلي أول صمود عربي من نوعه، وشهدنا أول انتصار عسكري نوعي لم يسبق لأحد أن حصل عليه في مواجهة المشروع الإسرائيلي في كل القرن العشرين، في المقابل كنا أمام أكبر هزيمة إسرائيلية شاملة لأنها شملت المجتمع الإسرائيلي والجيش الإسرائيلي والسياسيين الإسرائيليين وإذا راجعتم تقرير فينوغراد ستجدون أن كلمة إحباط وفشل وهزيمة وخسارة تردّدت على كل المستويات، وتكاد لا تخلو فكرة من الحديث عن الخسارة والهزيمة الإسرائيلية، وهذا انتصار كبير للمقاومة الإسلامية وللبنان. ثالثا، ما حصل من انتصار في عدوان تموز أسّس لمنعطف كبير سينعكس على كل خيارات المنطقة من دون استثناء، وسينعكس على مستقبل هذه المنطقة أيضاً، لأنه يختلف الأمر بين منطقة فيها مقاومة تحقّق الإنجازات والانتصارات أو منطقة تستسلم للضغوطات الإسرائيلية والأمريكية وتعطيها ما تريد، نحن الآن في زمن الانتصارات وفي زمن الصمود. رابعاً، تحوّلت المقاومة الإسلامية إلى مدرسة في التحرير والسيادة، وتجذّرت كملهم للمقاومين في المنطقة وفي العالم، وأصبحت جزءاً بنيوياً أساسياً لحماية الاستقلال ومنع الوصايات الأجنبية وشروط الهيمنة الإستكبارية، وهذه انجازات عظيمة وكبيرة جعلتنا في منعطف لا يمكن معه أن نعود إلى الوراء، كل هذا بفضل توفيق الله تعالى أولاً، وجهاد المقاومين الشرفاء الذين قدّموا وضحُّوا، وجهاد الأهل من النساء والشيوخ والأطفال وصمود الشعب اللبناني ووقوف الجيش اللبناني، وكل هذا التعاون والتعاضد الذي أدى إلى هذه النتيجة العظيمة والمميزة. اليوم عندما ننظر إلى إسرائيل نراها مربكة ومحبطة، وعندما ننظر إلى أمريكا نراها تقع في عثرات وهزائم متتالية، أما عندما ننظر إلى الشرفاء وإلى المقاومين وشعبنا في لبنان وفلسطين ومناطق مختلفة في هذه المنطقة نجد أن العزة تقف قوية تشدّ العزائم للمزيد من الصمود لتحقيق المزيد من الانتصارات، اليوم مهما هدّدت إسرائيل ومهما قالت فهي لن تستطيع أن تغيِّر الحقائق ولن تستطيع أن تغيِّر المعادلة، المعادلة اليوم هي معادلة وجود المقاومة القوية، هم يريدون إلغاء المقاومة، ولكن لا يمكن بعد حرب تموز الشروع في إلغاء المقاومة، نعم نحن قلنا مراراً وتكراراً، مع أهلنا وأبناء بلدنا نحن حاضرون لنناقش كل الأساليب المناسبة لمواجهة إسرائيل والدفاع، كي نمنع إسرائيل من أن تعتدي على لبنان، فمن كان يملك فكرة أفضل من فكرة المقاومة ليأتِ بها إلى الطاولة، ولكن لا يأتينا بموضوع إنشاء مكتوب على ورق بدون ترجمة، كلا ليأتينا بحلّ يؤدي إلى منع إسرائيل من الاعتداء علينا جواًّ وبراًّ وبحراً ونحن نقبل به، نحن بانتظار الحوار حتى نقنعهم أو يقنعونها أو نصل إلى قواسم مشتركة فيما بيننا على قاعدة قوة لبنان لا على قاعدة ضعف لبنان، وعلى قاعدة استقلال لبنان لا أن يكون تابعاً أو خاضعاً للوصاية.
الأمر الآخر مسار حزب الله، اليوم أثبت حزب الله أمام العالم بالعمل لا بالقول، وبالدماء لا بالمواعظ والحكم، وبالعطاءات والتضحيات وليس بالخطب الرنانة، أثبت حزب الله أن مساره مسارٌ وطني إسلامي لا مذهبي ولا فئوي، وهذا من خلال الأدلة الموجودة أمامنا، وقد اخترت ثلاثة أدلة: الدليل الأول، تجربة الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية. كل الناس يعرفون أن عملية الأسر التي حصلت في 12 تموز 2006 عنوانها الأول والأساسي عميد الأسرى سمير القنطار مع باقي المعتقلين وجثث الشهداء المقاومين، علماً أن عميد الأسرى له آراؤه وله تنظيمه وله منطلقاته الفكرية والثقافية، لكن ما يجمعنا معه هو عنوان المقاومة، أثبتنا كحزب الله أن المقاومة جامع مشترك تتجاوز الحدود المذهبية والطائفية والإقليمية والوطنية والحزبية والفئوية لمصلحة العنوان الإنساني الجامع الذي هو مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، وبالفعل نجحت هذه المعركة وإن شاء الله نرى الأسرى والمعتقلين بيننا، وتحتضن أرضنا وأرض فلسطين جثث الشهداء من الجهات المختلفة، وهذا يدل في طريقة الأداء على مسار عام لا يتصرف بطريقة فئوية. النموذج الثاني هو ما حصل في عدوان تموز، فقد استقبلنا كل الطاقات وكل الإمكانات، وقلنا للجميع أنكم شركاء، فمن كان على الجبهة شريك ومن فتح بيته شريك، ومن عمل من أجل بلسمة الجراح شريك، ومن كتب كلمة لمصلحة المقاومة شريك، فالجميع كانوا شركاء، واعتبرنا أن النجاح والانتصار هو للجميع، لم نلتفت إلى مذهب أحد ولا إلى منطقة أحد، بل عندما قدمنا مساعدات الترميم كنّا ننظر إلى البيت المهدّم جزئياً أو كلياًّ ولم نكن ننظر إلى صاحب البيت، لأن كل صاحب بيت هو مقاوم شريف في أي موقع كان، سواءاً انتمى إلينا بالحزبية المباشرة أو لم ينتمي، فعنوان المقاومة أكبر وأهم من كل العناوين الطائفية والجزئية التي تقسِّم بين اللبنانيين، هذا هو الموقف الذي كان موجوداً. وهنا ألفت لبعض الذين يسيئون ويخطئون، أحياناً يقول البعض: فتحنا بيوتنا وقدّمنا للمقاومة، أقول لهم: اشكروا ربكم أن وفّقكم أن تستقبلوا المقاومين، فشرفكم أن بيوتكم تطهّرت بسبب المقاومين الذي دخلوا إليها، فلا منّة لأحد في معركة يعطي فيها في مواجهة العدو الاسرائيلي، وإنما المنّة للمجاهد الذي يقدّم في سبيل الله تعالى.
التجربة الثالثة تجربتنا مع الحكومة اللبنانية، قبل تشكيل الحكومة بأشهر أعلن سماحة الأمين العام بأننا مستعدون لنتخلى عن حصّتنا بحسب التشكيل الطائفي، تبيّن من خلال هذه الوزارة أن لنا ثلاثة من الوزراء، قلنا نكتفي بواحد كي يكون تعبيراً عن مشاركتنا في الحكومة، ونعطي إثنين واحد للمعارضة الدرزية وواحد للمعاضة السنية، فرفضوا مبادلتنا بمعارض سني فأخذنا معارضاً من الأحزاب لنؤكد على منهجنا بأن يتمثل المعارضون، ولو كانت حصّتنا أكبر لأحضرنا لهم جميع أطياف المعارضة إلى داخل الحكومة، أكثر من ذلك أقول لكم، لولا أنهم يخافون من كثرة زهدنا لتخلّينا عن الوزير الواحد لمصلحة معارض آخر، لكن يبدو أن هذا المستوى لا يتحمّله لبنان، وهل الدخول إلى الوزارة هو آخر الدنيا، كلا لكن هناك أناس حلمهم أن يصبحوا وزراء، أما نحن فحلمنا أن تبقى رؤوسنا شامخة دائماً بتوفيق الله تعالى وكل ما عدا هذا نحن مستعدون لنضحي به. هذا المسار أكّده حزب الله، وعلى الأقل نحن نعطي تجارب وأدلة، حتى أنني سمعت بعض جماعة الموالاة كانوا ينتقدون بعضهم : ليفعلوا كما فعل حزب الله مع المعارضين، هذا جيد أن نصبح نموذجاً.
أعطيت هذه النماذج الثلاثة لأقول أنه آن للآخرين أن يفهموا علينا، نحن لا نريد لبنان مزرعة لأحد، ولا نريد الاستئثار به وحدنا، نريده وطناً للجميع، نريده من دون فتن، نريده من دون وصاية بتطبيق القوانين المرعية الإجراء التي نتّفق عليها، لن نغصب أحد على فكرة أو رأي ولا نقبل أن يغصبنا أحد على فكرته أو رأيه، والوزارة التي سوف تتشكل نأمل أن تكون مقدمة لمعالجة القضايا التي يحتاج إليها لبنان، وأول القضايا الشأن الاجتماعي والاقتصادي، كنت أسمع بعض المستوزين أو بعض الذي يتحدثون عن التأخير في تشكيل الوزارة أنهم يربطون بين عدم تشكيل الوزارة وقضايا ربما تصل إلى ألف سنة في السابق أو ما شابه، لقد كان هناك خلاف طبيعي بين جماعة الموالاة على التوزير، قدّرنا أن من حقهم أن يأخذوا وقتهم من أجل أن يعالجوا المشاكل القائمة وليس أكثر من هذا، ولكن البعض يربطها بالصراع العربي الاسرائيلي وبالمحاور الدولية والاقليمية ووتّر الأجواء، فأصبح لدينا أناس إذا أُطلقت رصاصة بالخطأ في مكان ما من لبنان يقوم بتحليل سياسي لها يمرّ بلبنان وتصل إلى فلسطين وإلى إيران وسوريا وأمريكا والدول الأوروبية، هذا غباء وجهل سياسي، فيجب أن يطَّلع الانسان على الحقائق ويعطيها موقفاً تنسجم معه.
نحن نعتبر أن هذه الحكومة قادرة على أن تفتح الباب لثلاثة أمور كبرى: أولاً، أن تبدأ بمعالجة للشؤون الاقتصادية الاجتماعية، وهي أولوية وحاجة للناس بدل كثرة الكلام على المنابر. الأمر الثاني، تهيئ لإعادة إنتاج السلطة من خلال قانون الانتخابات، وإنجاز هذا المشروع في المجلس النيابي. الأمر الثالث، أن نجري حوارات هادئة بنّاءة لكل القضايا التي نحتاج أن نتحاور بها، اطرحوا ما ترغبون ونطرح ما نرغب، ونتقبّل بعضنا في حوار هادئ من أجل الإقناع وليس من أجل الابتزاز، لأنه من أراد أن يبتزّنا من خلال منابره نقول له: ستصرخ في الفراغ ولن تصل لشيء. لذا دعونا ندخل إلى الحكومة بطريقة هادئة، اليوم تشكّلت الحكومة فنأمل أن يذهب الجميع إلى العمل وأن لا نبقى في إطار توتير الأجواء.