حصل في لبنان تعقيدات كثيرة ولَّدت أزمة استمرت حوالي ثلاث سنوات، هذه الأزمة بلغت قمتها في السنة والنصف الأخيرة إبتداءً من انسحاب الوزراء من الحكومة ومن بداية عهد الحكومة غير الدستورية وغير الشرعية، إلى أن حصلت المفاجأة فاتخذ قرار شبكة الاتصالات ونتج عن هذا القرار مشكلة كبيرة أمنية كانت جزء من المؤامرة على المقاومة انتهت بحمد الله تعالى باتفاق الدوحة، ونحن نعتبر أن اتفاق الدوحة طوى مرحلة قاسمة وفتح المجال أمام مرحلة جديدة توافقية علينا جميعاً استثمارها.
بعد اتفاق الدوحة حصل أمران: الأول المشاكل الأمنية المتنقلة بين المناطق. والثاني تأخير تشكيل الحكومة لأسباب مختلفة.
أمَّا المشاكل الأمنية المتفرقة فمصدرها واحد ومعروف، لاحظوا المناطق التي حصلت فيها هذه المشاكل ستجدون أن تياراً سياسياً محدداً هو الذي يفتعلها أو بالحد الأدنى لا يتمكن من ضبط عناصره أو مؤيديه أو من يخبئون تحت عبائته، فلو افترضنا أنهم يستنكرون هذه الأحداث، من المفروض أن يعملوا على معالجتها، والمعالجة تكون أولاً برفع الغطاء عن المرتكبين والمعتدين.
ثانياً ترك القوى الأمنية تأخذ دورها ، والقضاء اللبناني يحاسب المجرمين الذين يسيؤون إلى الناس.
ثالثاً: أن لا تصدر بيانات عن هذه الجهة تقلب الحقائق وتوتر الأجواء وتفتعل المشكلة من جديد أو تكبرها.
رابعاً: أن لا تكون هناك تغطية لهؤلاء الذين أساؤوا إلى المواطنين اللبنانيين في مناطق مختلفة.
لكننا لا نلاحظ أن هذا التيار وملحقاته يتصرفون بهذه الروحية، بل نسمع منهم تصريحات موتورة وشتائم متتالية، ويجمعون مجموعة من الكلمات - وأظن أن عددها عشرة تقريباً- ويصيغونها في جمل غير مفيدة بحيث لا تفهم البداية من النهاية سوى أنها مجموعة شتائم رُكِّبت في خطاب أو بيان. هل هكذا نتفاهم كلبنانيين؟ وعلى كل حال كل هذه البيانات التي تصدر وتعتدي وتوتر لن تغير من الحقائق شيئاً، لأن الحق مع أصحابه، ولأن المقاومة شريفة وعزيزة ولها مكانتها، ولأن موازين القوى لا يمكن أن تتأثر بهذا الصراخ، ولأن تغيير المعادلات لا يكون بهذا التلفيق.
أمَّا بالنسبة لتشكيل الحكومة فمن المعروف أن رئيس الحكومة هو المسؤول عن تشكيل الحكومة، وعليه أن يقدم اقتراحات متعددة للمعالجة، رأينا أن رئيس الحكومة المكلف السيد السنيورة طرح اقتراحات محددة ولم يعد يتزحزح عنها منذ طرحها حتى الآن، بينما قدمت المعارضة بجهاتها المختلفة مجموعة من الاقتراحات وصلت إلى خمسة اقتراحات مختلفة من أجل فتح باب للحل، وكان دائماً يأتي الجواب من الرئيس المكلف الرفض والتمسك بتركيبة وحقائب تُبرز الرغبة بعدم التجاوب وعدم إنصاف المعارضة بالحقائب التي تحدث توازناً طبيعياً بين الأفرقاء المختلفين في هذا البلد.
نحن نحمِّل رئيس الحكومة المسؤولية الكاملة في كل تأخير، وفي النهاية هو الذي يجب أن يصارح الرأي العام ويتحدث عن أسباب التعطيل، لماذا لا يتكلم عن الأسباب؟ ولماذا لا يقول للناس ما هي اقتراحاته وما هي اقتراحات الآخرين بشكل واضح؟ لأنه يعلم بأن وقوفه عند اقتراحات محددة ورفضه لتبديل بعض الوزارات وإعطاء المعارضة ما يتناسب معها هو الذي يسبب هذا التأخير.
نحن في الواقع سنعمل كما عودناكم بمنطق من لا يخشى من الحق، ومن يثابر على إيمانه، ولذا مهما كثر صراخ المتوترين من جوقة المتوترين، ومهما اتهمونا وشتمونا ورفعوا من مستوى خطاباتهم التحريضية المذهبية المكشوفة فإننا سنبادل التحريض المذهبي بتعزيز الوحدة الإسلامية والوحدة الوطنية، وسنبقى في لغتنا ومنطقنا نعمل على التوافق لا على التفرقة. وبالتالي سنبادل شتائمهم بالموقف الأصيل، وسُنبقى الخلاف في دائرته السياسية، وإذا كان البعض يتوقع أن شد العصب المذهبي يمكن أن يعطيه منحة لموقع أفضل في الانتخابات فهو مخطئ، لأن هذا المنطق أصبح بالياً ولم يعد قابلاً للتسويق إلاَّ عند المتوترين وهؤلاء قلَّة، فالشعب اللبناني يريد حلولاً توافقية، ويريد أن يخرج من الأزمة التي عاشها واعتبر أن اتفاق الدوحة هو مخرج لائق للجميع حتى ننتقل إلى مرحلة أخرى ببناء لبنان، ولمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتعقيدات التي تلم بحياة المواطنين في الماء والكهرباء والإمكانات وما شابه، هذا الذي يجب أن يكون محل الاتجاه، وإلاَّ بعض الذين يصرخون ويعتبرون أنهم من حماة الدين والمذهب، ضد من يصرخون؟ ومن يأتي إليهم؟ ومن يتحدث معهم؟ ومن يوترهم؟ هم يفتعلون أحداثاً يتحملون مسؤوليتها بالكامل وسترتد عليهم لأنها مخالفة تماماً لما يريده اللبنانيون.
علينا أن نصبر وأن نتحمل، ولكل نهاية منهج الحق سيواجه بالكثير من الأباطيل، لولا المواجهة بين الحق والباطل لما برز الحق بنوره وعظمته.