ومما جاء فيها:
إنَّ الإمام الخميني(قده) هو رائد الوحدة في القرن العشرين، وهي مسؤولية ملقاة على عاتقنا كمسلمين في أي بقعة من بقاع الأرض ولا عذر لأحد أن يكون خارج هذه الدائرة مع التوجيهات الإسلامية.
لقد وجدت أن أخرج عن دائرة التنظير إلى دائرة التطبيق العملي ليكون لدينا مقياسٌ مستفاد من الإمام الخميني(قده) في تطبيق علامات الوحدة، وأعتقد أن علامات الوحدة ثلاثة، إذا لم تتوفر في أي داعية أو عالم أو جماعة فإن أحاديثهم عن الوحدة لا معنى لها على المستوى العملي:
أمَّا العنوان العملي الأول لتطبيق الوحدة فهو دعم حق الشعب الفلسطيني ومقاومته بكل أشكالها من أجل تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي، وهذا واجبٌ على كل المسلمين تأييداً ودعماً بكل أشكال الدعم، وبالتالي تعتبر القضية الفلسطينية عنواناً عملياً تطبيقياً لهذه الوحدة، فمن أدار الظهر للقضية الفلسطينية، أو من أثار المشاكل والتعقيدات لإضعافها أو إضعاف الفلسطينيين هو بعيدٌ كل البعد عن الوحدة ولو تحدث عنها بالمجلدات والخطب والمواقف المختلفة، فلسطين عنوان أول من عناوين الوحدة، يجب أن نكون معها لا بالعاطفة فقط، وإنما بالدعم العملي بكل الأشكال، وليس بالكلمة فقط وإنما بأن يشعر الفلسطينيون أننا معاً، شهادة العمل للقضية الفلسطينية تصدر من عند الفلسطينيين ولا يمكن لأحد أن يعطي الشهادة لنفسه إذا كان بعيداً عن هذا الأداء.
التطبيق الثاني من تطبيقات الوحدة الإسلامية: اجتماع الأمة على مواجهة مخططات أمريكا لمنعها من السيطرة على منطقتنا وتفتيتها، وبالتالي لا يمكن أن نكون وحدويين من دون أن نكون متراصين في موقفٍ واحد ضد مشاريع أمريكا الاستكبارية التي تريد أن تنهب ثرواتنا وتقسِّم بلداننا وتحتل عدداً من هذه البلدان كما فعلت في أفغانستان والعراق، وتدعم الإسرائيليين الذين عاثوا بالأرض الفساد، وتعمل من خلال المواقع المختلفة لتضيِّق علينا، وتحاول أن تحاصر إيران بالعقوبات وغيرها، وأن تضع حداً للموقف السوري الممانع، وكل هذه العناوين المختلفة هي عناوين تحاول أمريكا من خلالها أن تُعيق تقدمنا وتفتتنا وتُضعف مكانتنا، فإذا أردنا الوحدة الإسلامية على المستوى العملي يجب أن نترجمها اتفاقاً واضحاً في مواجهة المشروع الأمريكي الذي يعتدي علينا، فنحن في المواجهة مدافعون لا نريد منهم شيئاً، ولكن لا يجوز أن نسمح لهم أن يخترقوا حياتنا وفكرنا وسلوكنا وبلداننا وإمكاناتنا ليعيثوا فيها فساداً وهذه مسؤولية المسلمين في أن يقفوا موحدين في مواجهة المشروع الأمريكي.
ثالثاً، من تطبيقات الوحدة العملية: رفض الفتنة المذهبية، ورفض دعاته، ورفض التكفير وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وبالتالي إذ أردنا أن نكون موحدين فلننظر إلى خطابنا، كيف نخاطب جمهورنا الخاص؟ وكيف نعبئ المحازبين؟ وكيف نكون مع من ينتمون مذهبياً إلينا؟ هل نخاطبهم بإثارة النعرات أم بالدعوة إلى الوحدة؟ هل ندعوهم للحفاظ على موقعهم المذهبي أم نسعى لتثبيت موقع الأمة؟ هل نثير قضايا الخلاف الجزئية بين المسلمين أم أننا نعطي الأولوية لمواجهة الأعداء والخصوم الذين يواجهون ديننا وإسلامنا وحياتنا؟ هل نقف موقفاً يؤدي إلى التقسيم دائماً على قاعدة تنمية الخصوصية ولو على حساب الأمة أو أننا نضحي ببعض الخصوصية لمصلحة وحدة الأمة؟
نحن أمام قضية حساسة لها علاقة بفرض مجلس الأمن العقوبات على الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحت عنوان برنامجها النووي، ولكننا رأينا الانحياز الفاضح لمجلس الأمن لمصلحة إسرائيل وضد الشعوب الحرة والحكومات التي تريد أن تكون عزيزة مستقلة بعيدة عن الانقياد إلى الغرب والشرق. بكل وضوح: تحول مجلس الأمن إلى موقعٍ رسميٍ عالميٍ للظلم الدولي، ولم يعد محلاً للعدالة وليس محلاً لتسوية قضايا الشعوب بإنصافٍ وأخلاقية، وبالتالي هذا المجلس أصبح ألعوبة بيد أمريكا وأداة تنفيذية لاستعمار الشعوب المستضعفة، وبالتالي فقد معنى وجوده الذي وُجد من أجله تحت عنوان حماية السلام الدولي ورعاية السلام الدولي، أي سلام يصنعه مجلس الأمن وهو لا يقبل أن يهين إسرائيل على جرائمها العدوانية، وآخر الجرائم قتل عدد من الأتراك لأنهم جاؤوا بطريقة سلمية لفك الحصار عن غزة المجاهدة، أي موقف مشرفٍ لمجلس الأمن عندما يُستخدم فيه حق الفيتو دائماً في كل المواقع التي تهم إسرائيل ونراه مرتفعاً للضغط على الشعوب المستضعفة وعلى البلدان الحرة، مجلس الأمن فقد دوره، وبالتالي ليس ممثلاً للسلام العالمي بل هو ممثل للاستعمار العالمي بوجه آخر وبصورة أخرى مختلفة عن طرق الاستعمار التي كانت تستخدم سابقاً.
إن المشكلة مع إيران ليست في وجود النووي العسكري أو عدم وجوده، لا يريدون لإيران الاستقلال عن الشرق والغرب، ولا يريدون لإيران التطور ومساندة المستضعفين، ولأنهم عاجزون عن إيقاف عن تطور إيران وحب الشعوب لها، ولأنهم عاجزون عن سوق إيران إلى المعسكر الشرقي أو الغربي، ولأن إيران تحولت إلى دولة كبرى مهابة الجانب، ولها آفاق مستقبلية واعدة جداً، فهم يريدون ضرب إيران ولا يتحملون هذا الأمر فيدَّعون حجة اسمها النووي العسكري لينفذوا من خلالها لإيذاء إيران ووضع حدود لها والتضييق عليها.
وهنا لا بدَّ أن نطل قليلاً على التصويت الأخير الذي جرى في مجلس الأمن من قبل لبنان، حيث كان الأفضل للبنان الرسمي أن يصوت ضد العقوبات على إيران الإسلام لسببين كبيرين:
الأول: وفاءً لإيران لما قدمته من خدمات للبنان ولموقفها الشريف المؤيد للمقاومة ولاستقلالنا وحق المقاومة واستقلال الشعوب في المنطقة.
الثاني: أن هذه السابقة في مجلس الأمن ستطال في يوم من الأيام لبنان والدول المستضعفة، فالأولى بهؤلاء المستضعفين أن يقولوا: "لا" في هذه اللحظة التاريخية التي قالت فيها دول أخرى "لا"، من أجل أن نمنع التمادي الاستكباري في مواجهة شعوبنا ومنطقتنا، مع ذلك أقول لكم: كنا نتمنى أن يصوِّت لبنان إلى جانب رفض العقوبات، لكن على الرغم من صورة عدم التصويت لعدم لمصلحة رفض العقوبات فإنَّ الواقع اللبناني أقوى بكثير من هذه الصورة التي رأيناها ، فلبنان بشعبه ومقاومته وجيشه ضد فرض العقوبات على إيران، وبالتالي الواقع القوي أفضل بكثير من الصورة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، نحن لا نرى أننا خسرنا بما حصل، بل نرى أن الذين لم يصوتوا هم الذين خسروا ، أمَّا نحن فلا نحتاج إلى شهادة في الموقف المقاوم، ولا يحتاج الشرفاء إلى موقفٍ أصيل يعبِّرون من خلاله عن قناعتهم بمواجهة الاستكبار فهذا موجود بالتطبيق العملي، الواقع أقوى من الصورة ونحن نريد الواقع.