الوليُّ المجدِّد

الملتقى الثاني: العدالة

الملتقى الثاني: العدالة

أمَّا الملتقى الثاني للأفكار الاستراتيجية، فكان مخصصًا لموضوع العدالة، وهو موضوع كلّ المبادئ والأنظمة في العالم، والتي تعتبر منهجها ورؤاها هي التي تجسِّد العدالة. وكما هو معروف, فالصفة اللازمة للإسلام هي أنَّه دين العدل، وقد أمرنا الله تعإلى بالعدل: "إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ"(13)، وقال: "وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاس أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ"(14)، وتحدَّث رسول الله(ص) عن العدل فقال: "العدل جنة واقية، وجنة باقية"(15)، واشتهر أمير المؤمنين علي(ع) بحكمه العادل, وهو الذي أوصى مالكًا الأشتر عندما ولَّاه على مصر فقال: "ولْيَكُنْ أَحَبَّ الأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ, وأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ, وأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ"(16).

تكتسب العدالة أهمية عملية في حياة النَّاس, وإدارة الدولة, والفصل في النزاعات, وحُكم الحاكم، وفي كلّ الشؤون العامة، فكيف تُترجم العدالة بخطةٍ عملية تسري على المؤسسات؟. انعقد الملتقى الثاني للأفكار الاستراتيجية حول موضوع العدالة, لوضع الخطة المناسبة للدولة, فتحدث الإمام الخامنئي(دام ظله) قائلًا:

"1- الدور الاستثنائي للأديان في مجال العدالة
أ- العدالة هدف الأديان النهائي: الميزة الأولى أنَّ الأديان جعلت العدالة هدفها بشهادة القرآن, ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاس بِالْقِسْطِ﴾(17).
ب- الأنبياء إلى جانب المظلوم في وجه الظالم: فالمترفون يقفون مقابل الأنبياء، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ﴾(18). فما نجد من نبيٍّ إلَّا وكان في مقابله مُترَفون وكان النبيُّ يُحاربهم، وهكذا كان حال الممسكين بالقدرة وأصحاب السلطة. والطاغوت له معنى يشمل جميع هؤلاء. لهذا فإنَّ الأنبياء كانوا دائمًا إلى جانب المظلوم في الصراع بين الظالم والمظلوم.
ج- الخاتمة خاتمة العادلة: الخاصيّة الثالثة هي أنَّ جميع الأديان تتّفق على أنَّ نهاية هذه الحركة التاريخية العظيمة هي نهاية مليئة بالأمل بالعدل. إنَّها تقول بشكلّ قاطع: إنَّه سيأتي عصرٌ يكون عصر العدل, وهو عصرُ استقرار الدِّين الكامل. وقد جاء في الدعاء الذي يُقرأ بعد زيارة آل ياسين: "يَملأ اللهُ بِهِ الأَرضَ قِسطًا وَعَدلًا" أو "عَدلًا وَقِسطًا", حيث تختلف في مواضع عديدة, "كَمَا مُلِئَت ظُلمًا وَجَورًا".

2- الموقع المُميّز للعدالة في الثَّورة الإسلامية الإيرانية: النقطة الثانية هي أنّ العدالة في ثورتنا الإسلامية التي كانت حركة دينية, كانت بشكلّ طبيعي في موقعٍ ممتاز، والآن هي كذلك. وهذه الموقعية المميّزة مشهودة في الشعارات الشَّعبية، وفي الدستور، وفي كلّمات الإمام الراحل(قده)، وفي الخطابات المقطعية، وفي الأزمنة المختلفة، وفي المواقف المختلفة التي أعلنتها الجمهورية الإسلامية. والهدف من طرح موضوع العدالة:
أ- إحياء مقولة العدالة.
ب- تجاوز مرحلة التجربة والخطأ.
ج- تشخيص العلاقة بين التَّقدُّم والعدالة.

3- استخراج النظرية الإسلامية في باب العدالة: النقطة الثالثة هي أنّ ما نريد أن نصل إليه في المرحلة النظرية هو النظرية الإسلامية في باب العدالة. بالطبع، ينبغي أن يكون ذلك برؤية تجديدية ابتكارية تُراجَع فيها المصادر الإسلامية, وتُستخرج من متن المصادر الإسلامية، في أُطُرها العلمية والفنية التي أشار إليها بعض الأصدقاء. إنَّنا نمتلك المناهج والأساليب العلمية والمجرّبة والمحسوبة بدقّة للاستنباط، يجب أن نستفيد منها. لهذا في المرحلة النظرية والتنظير يجب أن نتوجّه إلى المصادر الإسلامية ونحصل على النظرية الأصيلة في باب العدالة من المتون الإسلامية. ومستندي في هذه النكتة هو أنّه لا نريد أن نستخرج نظرية أو أن نُنتجها من خلال التجميع والتركيب من النظريات المختلفة للمفكّرين والحكماء الذين تحدثوا في هذا المجال. إننا في هذه القضية يجب أن نحترز تمامًا من الالتقاط. ففي موارد متعدّدة وقعنا في الخطأ. ودون أن نريد ذلك، زلّت أقدامنا في مستنقع الالتقاط..
المكمّل لهذه النقطة: أنَّ توجّه الرؤية الإسلامية إلى العدالة يختلف مع توجّه النُّظُم والنظريات الغربية. ففي الإسلام تنشأ العدالة من الحق. ... وبالإضافة إلى هذا يوجد في العدالة "الوجوب"، أي أنَّ التوجّه نحو العدالة في الإسلام يُعدُّ وظيفةً إلهية، في حين أنَّ الأمر في المذاهب الغربية ليس كذلك. في المذاهب الغربية تُطرح العدالة بأشكالٍ مختلفة, ففي الاشتراكية بنحو, وفي الليبرالية بنحو آخر, مع كلّ التطوّرات والأشكال المختلفة لهذه المذاهب. وفي جميع هذه المذاهب لم يكن النظر إلى العدالة نظرًا بنيويًّا وأساسيًّا ومبنيًّا على القِيَم الأصولية كما هو الحال في الدِّين والإسلام.

4- النقطة الرابعة هي أنَّنا نحتاج في ميدان الفكر والتنظير إلى تعدّد الآراء وتضاربها. أي عندما نقول يجب أن نصل إلى نظرية ونكشف عن النظرية الإسلامية الأصيلة، فإنَّ هذا مبنيٌّ على مقدّمات طويلة نسبيًّا وواسعة, حيث إنَّ من أهمّ هذه المقدّمات هو أن تتضارب آراء المفكّرين وتُطرح الآراء المختلفة، فهذا أمرٌ ضروري وهذا هو النشاط العلمي. وبعد وصولنا إلى نظرية مُتقنة ومستجمعة في باب العدالة، تظهر الحاجة من جديد لاكتشاف أساليب إجرائية وتنفيذية في المجتمع، من خلال الأبحاث التطبيقية، وهو ما يستتبع بذاته أبحاثًا كثيرة. وهناك يمكننا أن نستفيد من تجارب البشر"(19).


13- سورة النحل, من الآية:90.
14- سورة النساء, من الآية: 58.
15- عوالي اللآلي : 1 / 293 / 177 - بحار الأنوار ج 74/ 165.
16- نهج البلاغة, ص: 429.
17- سورة الحديد، الآية: 25.
18- سورة سبأ، الآية: 34.
19- خطاب الولي 2011, ص: 151 - 156.