جدَّد الإمام الخميني(قده) حضور الإسلام في حياة الأُمَّة، وكان لانتصار الثَّورة الإسلامية المباركة في إيران الأثر الكبير في إعادة طرح الإسلام كخيار عقائدي وثقافي وسياسي في المجتمع، وكبديلٍ لإقامة نظام الدولة ودستورها على أساسه، وتكمُنُ أهمية حركة الإمام الخميني(قده) أنها جاءت بعد انحسار دور الإسلام وإقصائه عن نظام الدولة مع بداية القرن العشرين وسقوط الدولة العثمانية وتجزئة البلدان الإسلامية، وفي ظلِّ معادلة تقاسم النفوذ الدولي سياسيًّا وثقافيًّا بين الشرق السوفياتي والغرب الأمريكي، أي بين أُطروحتي الشيوعية والرأسمالية، حيث بذل أنصارهما أقصى الجهود للإقصاء الكامل للإسلام عن مسرح الحياة، تحت عناوين ظالمة, كالرَّجعية والتخلف وأفيون الشعوب وعدم ملاءمته للحياة العصرية...
إنَّ إقامة الدولة الإسلامية في إيران عام 1979، وعدم تبعيتها للشرق أو الغرب، وصياغتها لدستورٍ إسلاميٍّ متين، وموافقة الشَّعب عليها باستفتاءٍ شفَّاف، ثَبَّتَ الإسلام كأطروحةٍ منافِسة، وأعادَهَ كخيارٍ عصري، بِحُلَّةٍ جديدة، تتفيأ بظلالِ الوليّ الفقيه، وتُعيد طرح الثوابت الإسلامية كمنطلقات أساسية في حياة الشَّعب، وتستفيد من المرونة التشريعية التي تواكب المتغيرات, وتُجيب عن كلّ الأسئلة المستجدَّة خلال التطبيق.
كان إنجازُ الجمهورية الإسلامية الإيرانية كالمعجزة والمفاجأة والمنعطف، وقد أيقظ المسلمين على عظمة دينهم وشموليته وكماله وقدرته على تلبية احتياجات البشر في كلّ زمانٍ ومكان. من هنا بدأت الصَّحوة الإسلامية الحديثة، حيث انطلق المسلمون يبحثون ويسألون ويتعلمون ويستحضرون تعاليم الدِّينِ في حياتهم من جديد، وانطلقت الحركات الإسلامية بنشاطٍ أكبر في التبليغ, والدعوة إلى الله تعإلى, واستحضار الأوامر والنواهي الإلهية في مجتمعاتها، وعادت الشعائر الإسلامية إلى البروز في المواسم والمناسبات الدِّينية، وأعلن الكثيرون من المثقَّفين والناشطين تبنِّيهم للإسلام كمنهجٍ للحياة، كما حصل إقبالٌ شعبي كبير على عبادات ومعاملات الإسلام، فانتشر الحجابُ مجددًا، وعَمُرت المساجد بالمصلِّين، وتصدّرَ مثقفون وإعلاميون القنوات الفضائية والإذاعات ووسائل الاتصال طارحين فهمهم للإسلام, ومدافعين عنه في مواجهة الآخرين وتحدياتهم، وبدأنا نتلمَّس في الانتخابات والتظاهرات والمطالب الشَّعبية والاجتماعية حضور المفردات الإسلامية في القول والعمل، إلى أن رأينا شوارع مصر وتونس واليمن والبحرين وغيرها مليئةً بالمصلِّين ما يُعبِّرُ عن مكانة الإسلام في نفوسهم الثائرة على الظلم.
سلَّط الإمام الخامنئي(دام ظله) الضوء على أنَّ الصَّحوة الإسلامية انطلقت, وقد عرَّفها بقوله: "حالةُ تَنبُّهٍ وثقةٍ بالذات، واعتمادٍ على الإسلام"، وهي : "أن الإسلام اليوم قد خرج من هامش المعادلات الاجتماعية والسياسية في العالم، واتَّخذَ مكانةً بارزةً وماثلةً في مركز العناصر الفاعلة لحوادث العالم، ليقدِّم رؤيةً جديدةً على ساحة الحياة والسياسة والحُكم والتطورات الاجتماعية"(36).
الصَّحوةُ الإسلامية هي هذا الحِراك الإسلامي داخل الأُمَّة بمظاهره المختلفة، وهي التي تتضمَّنُ العودة إلى الدِّين بمراتب متفاوتة، بين من يتبنَّى الإسلام بكامله في حياته، وبين من يتفاعل مع بعض تعاليمه بما يشكلّ مظهرًا من مظاهر الاهتمام بالاتجاه الإسلامي.