قال تعالى:" يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً "(1). تُبيِّن الآية الكريمة دور أئمة وقادة المجموعات البشرية، حيث يكون الاستدعاء للحساب في يوم القيامة مقترناً بالموجِّه، الذي أعطى التعليمات، وربَّى، وثقَّف، وقادَ، وحدَّد المنهج الذي تسير عليه جماعته، وهذا ما يُبرز دور إمام كل مجموعة بشرية في تصويب مسارها أو حرفها، ومسؤولية كل واحد من البشر في اختياره لإمامه، لما يترتب على هذا الاختيار من صلاح أو فساد، وثواب أو عقاب.
ذكر العلامة السيد الطباطبائي في تفسير الميزان تفصيلاً لهذه الآية فقال:"عن الفضيل قال:
سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله : " يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ "، قال : يجيء رسول الله (ص) في قومه، وعلي (ع) في قومه، والحسن في قومه، والحسين في قومه، وكل من مات بين ظهراني إماٍم جاء معه. وفى تفسير البرهان، عن ابن شهر آشوب، عن الصادق (ع): ألا تحمدون الله؟ إنَّه إذا كان يوم القيامة، يُدعى كلُّ قوم إلى من يتولونه، وفزعنا إلى رسول الله (ص)، وفزعتم أنتم الينا. أقول : ورواه في المجمع، عنه (ع)، وفيه دلالة على أنَّ رسول الله (ص) إمامُ الأئمة، كما أنَّه شهيد الشهداء، وأنَّ حكم الدعوة بالامام جار بين الائمة أنفسهم. وفي مجمع البيان، روى الخاص والعام، عن علي بن موسى الرضا (ع)، بالاسانيد الصحيحة، أنه روى عن آبائه، عن النبي (ص) أنه قال فيه: يُدعى كلّ اناس بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم. اقول: ورواه في تفسير البرهان، عن ابن شهر آشوب، عنه، عن آبائه، عن النبي (صل) بلفظه، وقد أسنده أيضا إلى رواية الخاص والعام. وفي الدر المنثور، أخرج ابن مردويه، عن علي قال : قال رسول الله (ص): " يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ " قال : يُدعى كل قوم بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم. وفي تفسير العياشي، عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله (ع) قال : لا تترك الارض بغير امام، يحل حلال الله ويحرم حرامه، وهو قول الله : " يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ "، ثم قال: قال رسول الله (ص): من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية. الحديث . أقول: ووجه الاحتجاج بالآية، عموم الدعوة فيها لجميع الناس"(2).
إنَّ دور الإمام القائد أساسي في حياة الناس، وقد اختار الله تعالى أئمة الهدى المعصومين، " إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"(3)، ليكون التوجيه سليماً بالكامل، ويحقق الطمأنينة بنتيجة الأعمال، ذلك أن الارتباط بأفراد يجتهدون بآرائهم وتجاربهم الشخصية، ويعانون من نقص في الرؤية المتكاملة، ويكثرون من الأخطاء بسبب جهلهم، يضيِّعون من معهم، ويشتِّتون إمكاناتهم، ويحمِّلونهم تبعات الانحراف.
من هنا حثُّ المؤمن على أن يبحث عن إمام زمانه، ليعرف طريق الخلاص الحقيقي، ويستقيم مساره في الدنيا، وإلاَّ مات ميتة جاهلية، لأنَّ أي خيار لا يوصل إلى المعصوم خيارٌ ناقصٌ وخاطئ، وبالتالي فإنَّ الانحراف يتراكم بسبب العجز والجهل، فيؤدي إلى خيار مختلف عن الإسلام، وهو خيار الجاهلية.
عن الفضيل بن يسار، قال:ابتدأَنا أبو عبد الله(ع) يوماً وقال(ع): قال رسول الله(ص) من مات وليس عليه إمام، فميتته ميتة جاهلية.
فقلتُ: فكل من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية؟
قال (ص): نعم"(4).
وعن الرسول(ص):"من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية"(5).
وعن الإمام الصادق(ع)، عن آبائه(عم)، عن رسول الله(ص):"من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته(ف) مات(فقد مات) ميتة جاهلية"(6).
سُئل الإمام العسكري(ع) عن الخبر المروي عن آبائه(عم):"أنَّ الأرض لا تخلو من حجةٍ لله على خلقه إلى يوم القيامة، وأنَّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.
فقال(ع): إنَّ هذا حقٌ كما النهار حق.
فقيل له: يا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟
فقال(ع): ابني محمد، هو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية. اما أنَّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقَّاتون"(7).
لم يترك الله جلَّ وعلا الدنيا بغير إمام منذ آدم(ع)، فعن الإمام الكاظم(ع):"ما ترك الله عزَّ وجل الأرض بغير إمام قط، منذ آدم(ع)، يُهتدي به إلى الله تعالى عزَّ وجل، وهو الحجة على العباد، فمن تركه ضل، ومن لزمه نجا، حقاً على الله عزَّ وجل"(8).
ولو بقيت الأرض بغير إمام، لساخت واختلَّ التوازن البشري فيها، وحصل نقصٌ كبير بعدم توفير مقوم أساس من مقومات الهداية الإلهية. فعن أبي حمزة الثمالي يسأل الإمام الصادق(ع): أتبقى الأرض بغير إمام؟ فأجاب(ع):" لو بقيت الأرض بغير إمام ساعة لساخت"(9).
إنَّ معرفة الإمام تؤدي إلى حسم المنهج والخيار، سواءً اتصل المؤمن بإمامه مباشرة، أو اتصل بمن يحملون رايته ومنهجه ويوصلونه إلى الاقتداء به وبتوجيهاته ومواقفه، أي أنَّ الارتباط بالإمام الذي يُنقذ من الجاهلية يتحقق بمعرفته والاقتداء به، وبالتالي عندما نكون في زمن الغيبة الكبرى للإمام المهدي(عج) كما هو حالنا اليوم، فإنَّ معرفتنا بإمامته، وسيرنا على منهجه، يرسم لنا طريق النجاة، ولا يضرنا إذا تقدم الظهور وكان سريعاً وعاجلاً، أو تأخر عن زماننا وكان مؤجلاً، لأنَّ بركاته ونتائج الإيمان به تكون قد تحققت في حياتنا وأدائنا، وهذا هو الهدف الحقيقي من تحديد الإمام القدوة لإتِّباعه. عن الإمام الباقر(ع):"من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضره تقدَّم هذا الأمر أو تأخر، ومن مات وهو عارف لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه"(10).
الهوامش:
1- سورة الإسراء، الآيتان: 71-72.
2- السيد الطباطبائي، تفسير الميزان، ج13، ص:170-171.
3- سورة الأحزاب، من الآية: 33.
4- الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص:376.
5- مسند أحمد، ج4، ص:96.
6- الشيخ الصدوق، كمال الدين، ص: 413.
7- المصدر نفسه، ص:409.
8- المصدر نفس، ص:221.
9- المصدر نفسه، ص: 201.
10- الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص: 371.