احدثت غيبة الامام المهدي (عج) حيرة كبيرة في كيفية الظهور وتوقيته ، وتحدثت الروايات عن علامات عامة اجمالية تنطبق على أحداث متشابهة ، إذ لم يكن الهدف من هذه الروايات تحديد التوقيت بدقة ، بل " كذب الوقاتون " . بناء عليه فإن إزالة الالتباس عن أحداث الظهور يتطلب حالة إعجازية ، تزيل الحيرة والشك ، وتبيِّن الحقيقة ناصعة ، وهذا ما نفهمه من "النداء من السماء" الذي يُعتبر من العلامات المباشرة ، وقد عبَّرت عنه الروايات بأسماء مختلفة ، فهو النداء الذي يسمعه كل العالم ويأتي من السماء ، فعن أبي عبد الله (ع) : "إنَّ القائم لا يقوم حتى ينادي منادٍ من السماء ، تسمع الفتاة في خدرها ، ويسمع أهل المشرق والمغرب ، وفيه نزلت هذه الآية : إن نشأ ننزل عليهم آية من السماء فظلَّت أعناقهم لها خاضعين"(1) .
يحتوي النداء على ذكر اسم القائم ، فهو ليس مجرَّد صوت أو صرخة ، بل اعلان إلى العالم باسم صاحب العصر والزمان ، فعن أبي عبد الله عند سؤاله عن السفياني بأنه من المحتوم ، قال :" نعم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، والقائم من المحتوم ، وخسف البيداء من المحتوم ، وكفٌّ تطلع من السماء من المحتوم ، والنداء . فسئل : وأي شيء يكون النداء؟ فقال :" منادٍ ينادي باسم القائم واسم أبيه "(2) .
النداء هو الصيحة أيضاً ، والتي تصدر عن جبرائيل (ع) ، في شهر رمضان المبارك ، فعن الباقر (ع) : "الصيحة لا تكون إلاَّ في شهر رمضان شهر الله ، هي صيحة جبرائيل (ع) إلى هذا الخلق ، ثم قال : "ينادي منادٍ من السماء باسم القائم ، فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب ، لا يبقى راقد إلاَّ استيقظ ، ولا قائم إلاَّ قعد ، ولا قاعد إلاَّ قام على رجليه فزعاً من هذا الصوت ، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب ، ... ثم قال :"يكون الصوت في شهر رمضان ، في ليلة جمعة ، ليلة ثلاث وعشرين ، فلا تشكّوا في ذلك ، واسمعوا وأطيعوا .. "(3) .
والنداء هو الفزعة ، التي تُحدث خوفاً من هذا الحدث الاستثنائي غير المألوف ، ففي حديث أمير المؤمنين (ع) عن علامات الفرج ، ذكر الفزعة في شهر رمضان ، فقيل له : وما الفزعة في شهر رمضان ؟ فقال : أو ما سمعتم قول الله عزَّ وجل في القرآن : إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين ، هي آية تُخرِج الفتاة من خدرها ، وتوقظ النائم ، وتُفزع اليقظان "(4) .
كما عبَّرت عنه رواية أخرى بالهدَّة ، التي تُفاجئ العالم ، وتُحدث لديهم تساؤلات كثيرة، يبادرون إلى ذكر الله تعالى والسجود له ، فهم مهيّأون لها ومتشوِّقون إليها بفارغ الصبر . سئل رسول الله (ص) عن الصيحة ، فقال :"هدَّةٌ في النصف من رمضان ، ليلة جمعة ، فتكون هدَّةٌ توقظ النائم ، وتُقعد القائم ، وتُخرج العواتق من خدورهن في ليلة جمعة ، في سنة كثيرة الزلازل ، فإذا صلَّيتم الفجر من يوم الجمعة ، فادخلوا بيوتكم ، وأغلقوا أبوابكم ، وسدوا كواكم، ودثروا أنفسكم ، وسدُّوا آذانكم ، فإذا أحسستم بالصيحة ، فخرُّوا للّه سجَّدا ، وقولوا سبحان القدوس ، ربَّنا القدوس ، فإنَّ من فعل ذلك نجا ، ومن لم يفعل ذلك هلك "(5) . والظاهر أنَّ القصد بملازمة البيوت مرتبط بتهدئة النفس وتسكينها بالطاعة لله ، بانتظار أوامر الامام المهدي (عج) لقادة جنده تمهيداً لالتحاق الناس بهم ، للقيام بوظيفتهم الالهية في نصرة دولة الحق . ولا نتوقف عند اختلاف الروايات في اليوم المحدد في شهر رمضان ، فقد اتجهت بالاجمال إلى الحديث عن النداء في شهر رمضان شهر الله تعالى ، ورجح أغلبها حصوله في ليلة القدر ، والله أعلم .
لم يعد خافياً بأنَّ النداء إعلامٌ يشير إلى القائم (عج) ، حيث يكون الأمر صريحاً ليكون ذلك حجة واضحة على العالم ، يتفاعل معه المؤمنون ، ويترجمون نهجهم بانتظاره وذكره ، حباً وتفاعلاً وذكراً لاسمه في حياتهم وجهادهم . عن الامام علي (ع) :"إذا نادى منادٍ من السماء أن الحقَّ في آل محمد ، فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس ، ويشربون حبَّه ، ولا يكون لهم ذكرٌ غيره "(6) . بل تشير بعض الروايات إلى اسمه بتحديد أكبر ، فعن الامام الصادق (ع) :"ينادي منادٍ من السماء باسم القائم واسم أبيه . فسأله أحد أصحابه عن الاسم ، فقال : اسمه اسم نبي ، واسم أبيه اسم وصي"(7).
تحصَّل لدينا أن النداء والصيحة والفزعة والهدَّة أسماءٌ مترادفة لامرٍ واحد هو النداء باسم قائم آل محمد (عج) ، تصاحبه حالة اعلامية عالمية لأهل الأرض ، وعندها يُمحَّص المؤمن من الكافر ، وتتتالى العلامات مع بعضها إيذاناً بظهور الحجة ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً . ويبقى الأهم ، أن نتعلٌّق دائماً بالظهور وندعو بالفرج، ولا تكون العلامات همنا ، فهي كيفما ظهرت أو تغيَّرت بعض تفاصيلها ، فلا شيء يقف أمام حتمية الظهور .
نعيم قاسم
الهوامش :
(1) الشيخ الطوسي ، الغيبة ، ص : 177 .
(2) النعماني ، كتاب الغيبة ، ص : 257 .
(3) المصدر نفسه ، ص : 253 .
(4) المصدر نفسه ، ص : 251 .
(5) المرزوي ، كتاب الفتن ، ص : 132 .
(6) الشيخ الكوراني ، معجم أحاديث الامام المهدي (عج) ، ج 3 ، ص : 35 .
(7) النعماني ، كتاب الغيبة ، ص : 181 .