التصدي للتعليم مسؤولية كبيرة ومهمَّة جليلة، تستلزم الاستعداد الجيد لها، وتوفير المقومات اللازمة لنجاحها. ومن الخطأ التعاطي مع التعليم كمهنة - وإن كانت سبباً للمعاش- فهذه بداية الانحدار والفشل، أمَّا وقد سلك المعلم هذا الدرب، بمحض إرادته، أو بسبب ظروفه التي ساقته إلى هذه المهمة، فليعمل على أن يُحسن في أدائها، وأن يُمسك زمامها، ليقدّم مساهمته الإيجابية في بناء أجيالنا الصاعدة، تأسيساً وتقويماً وصيانة وتقوية...ليكونوا قادرين على مواجهة التحديات، والثبات أمام ما يعصف بأمتنا من أخطار، للتقدم نحو غدٍ أفضل.
باسمه تعالى
مقالة لمجلة التعبئة التربوية عن المعلم.
المسؤولية كبيرة
التصدي للتعليم مسؤولية كبيرة ومهمَّة جليلة، تستلزم الاستعداد الجيد لها، وتوفير المقومات اللازمة لنجاحها. ومن الخطأ التعاطي مع التعليم كمهنة - وإن كانت سبباً للمعاش- فهذه بداية الانحدار والفشل، أمَّا وقد سلك المعلم هذا الدرب، بمحض إرادته، أو بسبب ظروفه التي ساقته إلى هذه المهمة، فليعمل على أن يُحسن في أدائها، وأن يُمسك زمامها، ليقدّم مساهمته الإيجابية في بناء أجيالنا الصاعدة، تأسيساً وتقويماً وصيانة وتقوية...ليكونوا قادرين على مواجهة التحديات، والثبات أمام ما يعصف بأمتنا من أخطار، للتقدم نحو غدٍ أفضل.
وأعلم أنَّ التعليم والتربية متلازمان، وعلى المعلم أن يكون مربياً ملتفتاً إلى الأهداف التي يريد الوصول إليها مع تلامذته، فلا يمكنه الاستقالة من هذه المهمة التربوية، ولا من انعكاس شخصيته وتصرفاته وطريقته وأهدافه التي ستؤثر بشكل طبيعي أثناء تعليمه، وستترك آثارها على تلامذته ، وهو يتحمَّل مسؤوليتها لأنها من إنتاجه، فالمعلم مربٍ شاء أم أبى ، أكان ذلك بتصميم وإرادة منه أو من دون إرادته، بصرف النظر عن مستوى التأثير وفعاليته.وهنا لا نتحدث عن تأثيرٍ كامل لمعلم واحد، بل عن تأثيرٍ ما لكل معلم، بتفاوتٍ بين المعلمين.
وما يدَّعيه البعض من وجود تعليم مجرد عن التربية، قد ينطلق في بعض الأحيان من الرغبة بإعطاء صفةٍ موضوعيةٍ ظاهريةٍ لتعليم المعلم، ليسهل عليه النفاذ إلى المسألة التربوية التي يريدها، من دون إثارة المتعلم أو أولياء أمره حول الأهداف التي يريدها، والتي تخفي حقيقتها أغلب المؤسسات التعليمية خلف العناوين البرَّاقة التي تطرحها، وتأكيدها الدائم على موضوعية التعليم لديها ، وأنها تعلم التلامذة المادة الدراسية المقررة بمعزل عن أي هدف تربوي خاص؟! وهذا ما تدحضه الوقائع والدراسات التربوية، وذلك في كل العلوم التي يتلقاها المتعلم. فالتلميذ يتأثر بمعلمته في المدرسة، سواءً علمته اللغة العربية أو العلوم أو الدين أو اللغة الأجنبية...الخ، فإذا أحبَّها أطاعها وأحبَّ مادتها وقلَّد تصرفاتها، وانطبعت شخصيته بما تريده من أهداف. وإذا نفر منها تجنَّب ضغطها، وقد ينفر من مادتها فلا يتفاعل معها، أو يحفظها خوفاً منها، كما تتأثر نفسيته بأدائها، فيتصرف بردة فعل، أو بتسليم المتصنع الخائف، بحسب شخصيته وما أثَّر في بنائها من ظروف وأجواء تربوية مختلفة، في البيت والمدرسة والمجتمع.
فالمعلم مربٍ، وهو محورٌ أساس في العملية التربوية، فعليه التحلي بأفضل صفات القدوة، قال أمير المؤمنين علي(ع):"من نصَّب نفسه للناس إماماً، فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلمُ نفسه ومؤدبها أحقُّ بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم"، وكلما نشأت علاقة من المودة والمحبة بينه وبين تلامذته، وتعززت الثقة المتبادلة معهم، استطاع توجيههم والتأثير في سلوكهم، فالمحبة تولد الحافز للطاعة والتقليد لإرضاء المحبوب. عندها يمتلك المربي زمام المبادرة، ما يوجب عليه مواكبة حاجات التلميذ ومتطلباته، وأن يعمل لتقديم الحلول المناسبة لها، فهو بمثابة معالج نفسي شاء أم أبى، وهو في هذا الأمر أكثر تأثيراً من البيت، وليس حيادياً في العملية التربوية كل هذا يستلزم الأمانة والمسؤولية في تقديم النصح للتلميذ، وأن لا يعكس مشاكله وقلقه في حياته الخاصة أو المدرسية عليه، وأن لا يصدمه بتصرفات مخالفة للانطباع المتكوِّن لديه، كي لا ينعكس الأمر سلباً بسقوط القدوة في نظره. إنَّ التصدي لهذه المهمة تستلزم دقة وانتباهاً شديدين في التعامل مع صفحة النفس البيضاء عند التلميذ، وفي رعاية حساسيتها من سلوك المعلم.
الشيخ نعيم قاسم
28/2/2005