مقالات

الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب الإسلامية

أول ما يتبادر الى الذهن عندما نتحدث عن الصحوة الإسلامية في العالم المعاصر، هو ذاك التوجه الواحد لملايين المسلمين بجماعاتهم وبلدانهم، بحيث يشعر الجميع من الأصدقاء والأعداء أنهم أمام تيار واحد له عناوينه العامة المشتركة، وإن اختلفت التفاصيل والجزئيات؛ ويتوجه أنصار هذا التيار لمواجهة الكفر والإنحراف، مع تجنّب أي إثارات داخلة تعيق وتؤثر أو تفرّق وتمزّق، فنحن أمام تعاون وتناغم لا يكون بالضرورة منظَّماً أو منسَّقاً بالكامل، لكنها النتيجة الطبيعية لسلامة الإلتزام بالمبادئ العامة والعناوين المشتركة.

أول ما يتبادر الى الذهن عندما نتحدث عن الصحوة الإسلامية في العالم المعاصر، هو ذاك التوجه الواحد لملايين المسلمين بجماعاتهم وبلدانهم، بحيث يشعر الجميع من الأصدقاء والأعداء أنهم أمام تيار واحد له عناوينه العامة المشتركة، وإن اختلفت التفاصيل والجزئيات؛ ويتوجه أنصار هذا التيار لمواجهة الكفر والإنحراف، مع تجنّب أي إثارات داخلة تعيق وتؤثر أو تفرّق وتمزّق، فنحن أمام تعاون وتناغم لا يكون بالضرورة منظَّماً أو منسَّقاً بالكامل، لكنها النتيجة الطبيعية لسلامة الإلتزام بالمبادئ العامة والعناوين المشتركة.

مقالة لمجلة الهادي‏

باسمه تعالى‏

الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب الإسلامية‏

أول ما يتبادر الى الذهن عندما نتحدث عن الصحوة الإسلامية في العالم المعاصر، هو ذاك التوجه الواحد لملايين المسلمين بجماعاتهم وبلدانهم، بحيث يشعر الجميع من الأصدقاء والأعداء أنهم أمام تيار واحد له عناوينه العامة المشتركة، وإن اختلفت التفاصيل والجزئيات؛ ويتوجه أنصار هذا التيار لمواجهة الكفر والإنحراف، مع تجنّب أي إثارات داخلة تعيق وتؤثر أو تفرّق وتمزّق، فنحن أمام تعاون وتناغم لا يكون بالضرورة منظَّماً أو منسَّقاً بالكامل، لكنها النتيجة الطبيعية لسلامة الإلتزام بالمبادئ العامة والعناوين المشتركة.‏

ولا تخفى الصعوبات التي كانت تواجه هذه الصحوة، وخاصة بعد سقوط دولة المسلمين وكيانهم المعنون، وافتقادهم الى قدرات التواصل وفعاليتها فيما بينهم، وإثر الإحباط النفسي في صعوبة القناعة بـإمكانية عودة الإسلام مجدداً لمواكبة الحياة، وقدرة المستكبرين بـإحكام قبضتهم على بلدان المسلمين، وبث الأفكار المسمومة والمؤذية للإسلام، ووجود التقليديين الذين شوّهوا صورة الإسلام وأبعدوه عن المجتمع... إضافة الى كل هذا، وجدنا مَن يعطي الأولوية لتعزيز الصراع المذهبي وإثارة النعرات، ليشكّل الأمر انصرافاً كاملاً عن مقارعة الباطل وأعداء الإسلام.‏

لذا عندما نرى الصحوة الإسلامية الموجودة اليوم، ندرك أهمية ودور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إرفادها وتعميقها، بسبب المنهجية التي اعتمدها الإمام الخميني (قده) في المناداة بالوحدة والعمل بها، والعناية بتجاوز الحساسيات والعقبات التي واجهتها.‏

وإذا أردنا تعميق هذه الصحوة وتجذيرها، فنحن بحاجة الى مواصلة الجهود للتقريب بين المذاهب، وتثبيت الآثار العملية لها.‏

فالتقريب بين المذاهب له تأثيره الواضح على الصحوة الإسلامية، وحتى لا يبقى الأمر مجرد شعار، لا بد من توجيهات عملية له تؤدي الى تعزيز دعائم الوحدة" إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ "، وعلينا التركيز في هذا المجال على التوجيهات التالية:‏

1- القضايا المشتركة:‏

تعاني بلدان المسلمين من قضايا مشتركة، تتمثل في نهب المستكبرين لثرواتهم، والتحكم بأنظمة بلدانهم، ودعم أعدائهم. كما يواجه المسلمون قضية مركزية كبرى تتمثل في فرض الكيان الصهيوني الغاصب باحتلال فلسطين وتهويد القدس الشريف... وما من مسلم إلا ويتعاطف مع هذه القضايا السياسية المشتركة، التي لا تمسّ فريقاً أو جهة وإنما تمسّ الجميع وتؤثر عليهم. وتركيزنا على هذه القضايا يساعد في توحيد لغة الخطاب والمواجهة، والأداء العملي فيها يساعد على التفاعل والإلتحام؛ والتجربتان الكبيرتان في هذا المجال خير دليل على مقولتنا.‏

- الأولى: تتمثل في الخطر الأميركي، حيث لا تجد شعباً في عالمنا الإسلامي إلا ويُكِنّ العداء لأميركا المتسلطة والمتحيِّزة والناهبة لثروات الشعوب؛ ولا نحتاج الى أدلة وإثباتات لإبراز هذا الخطر، فآثاره واضحة في كل بلدان المسلمين. فالموقف من أميركا "الشيطان الأكبر" هو عنوان وحدوي كبير لدينا.‏

- والثانية: تتمثل في القضية الفلسطينية، حيث مشاعر المسلمين تجاه الأرض المقدسة، والتحام الدم اللبناني والفلسطيني من خلال أداء المقاومة الإسلامية في لبنان والمقاومة الإسلامية والجهاد الإسلامي في فلسطين، وكل الفصائل المجاهدة في كلا البلدين، والتناغم الذي أوجد أرضية تجاوزت الكمّ المتراكم من التعبئة المذهبية في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، بحيث تمكن عطاء الدم من إعطاء نموذج حي عن جهاد لقضية واحدة يتجاوز الحدود المصطنعة، جغرافياً وتعبوياً. فإذا نفّذت المقاومة الإسلامية في لبنان عملية ضد مواقع الإحتلال الصهيوني حصدت خسائر كبيرة، تجد الفرحة عامة في فلسطين والمنطقة؛ وإذا انطلق إستشهادي في داخل فلسطين تحسب أن العملية حصلت في لبنان، مع مشاعر السرور والشكر لله.‏

2- العناوين الثقافية المشتركة:‏

المشكلة الأكبر في القضايا الخلافية تتمثل في النظرة الى أئمة أهل البيت، وعصمتهم، وموضوع الخلافة، وبعض الأمور في تفاصيل العقيدة؛ أما الأمور الأخرى في التشريع أو تحليل التاريخ... فلا تعتبر الدافع الأساس لإثارة النعرات والتفرقة، لأنها نتائج للقضايا الخلافية الأساسية من ناحية، ولأن الإختلافات بين مجتهدي المذهب الواحد فيها أكبر من الخلافات بين المذاهب نفسها، ولا تترتب عليها مفاصل هامة ليتوقف المرء عندها.‏

وفي المقابل، هناك الإتفاق على القرآن الواحد، والرسول الواحد، وقواعد العقيدة الأساسية، ومفاهيم الإسلام عن الكون والإنسان والحياة، وتعاليم لا حصر لها في دائرة هذا الإتفاق.‏

كما أن الإتفاق قائم بأن الأعداء يشنّون حروباً ثقافية وعقائدية ومفاهيمية ضدنا، ويحاولون تشويه صورة الإسلام في أذهان الأجيال الطالعة، ويعملون على تخريب النفس الإنسانية ليسهل الدخول الشيطاني إليها.‏

هذان الأمران في دائرة الإتفاق، يتطلبان توجيهاً للمسلمين كافة، وعملاً ينعكس إيجاباً على كل مسلم، لأنهما في دائرة حياة وخصوصية الجميع، وهما يسهّلان لغة التخاطب وإمكانية التفاعل، إذ أن ملامسة هذه الحقائق لواقع المسلمين تساعد على ترويجها وتأصيلها وتثبيتها والتداول بها، والعبرة في دقة الإستفادة ومعرفة كيفية التوجيه المناسب. وما شدة الحملات الغربية وتنوّعها علينا، إلا لشعورهم بصعوبة ما يواجهون من اشتراك بين المسلمين. وما اللجوء الى أساليب التشهير والسب، إلا نتيجة العقبات التي تواجههم، إذ ليس مألوفاً أن يقف الغرب كله وراء "سلمان رشدي"، الكاتب المرتد عن الإسلام، مع إهانته لنبي الإسلام وعقيدة المسلمين، وكذا مع كل عمل ثقافي أو فني أو... فيه طعن بالرسالة الإسلامية ونبينا الأكرم، إلا على قاعدة الإنزعاج من صعوبة اختراق واقع المسلمين الثقافي؛ وهذه نقطة قوة لمصلحة الوحدة الإسلامية وتعميقها.‏

وفي هذا المجال، أتمنى لو تنعقد مؤتمراتٌ علمية وعملية للتركيز على موضوعَي القضايا المشتركة والعناوين الثقافية المشتركة، بحيث تدوَّن هذه القضايا والعناوين بعبارات مختصرة ومتفق عليها بين كل المسلمين، ثم تُطبع بصياغة شبيهة بالميثاق الإسلامي العالمي، وتُكثَّر بكميات كبيرة، وتوزَّع في أنحاء العالم كافة، ويعمل علماء المسلمين على شرحها والترويج لها، واستخدامها في مفردات الخطابة والوعظ والتوجيه، لتشكّل دستوراً موحَّداً، يؤسَّس لتوسعته وإضافة نقاط جديدة عليه، كلما عُقدت مؤتمرات للوحدة أو تم الإتفاق على مفردات أساسية، أغفلناها أو استجدت، وتحتاج الى عمل يُثبّتها في فهم وواقع المسلمين.‏

3- القضايا الخاصة:‏

من الطبيعي أن نجد لكل مجموعة إسلامية في دولتها قضايا داخلية خاصة تتعلق بها، وبعض هذه القضايا تتطلب دعماً بـإبرازها أو تأييدها، أو أي إجراء يساعد في تحقيق أهدافها؛ وقد تكون النصرة من المسلمين الآخرين مفيدة ونافعة، سواء كانت بعناوين واضحة، أو بتحريك جهات مؤثرة. وعندما يشعر المسلمون بدعم إخوانهم، تتعزز الأواصر وتزول المعوقات، والمطلوب من المسؤولين هو رصد هموم باقي المسلمين، وإيجاد التواصل مع قادتهم، وتحديد سبل التعاون والنصرة. وليس ضرورياً أن ندخل في متاهات التنسيق التفصيلي في كل شيء، حتى لا تضيع الجهود وتتعقد، مع وجود اختلافات في وجهات النظر، إنما يُكتفى - ولو كمرحلة أولى - بالحد الأدنى المتفق عليه، ولا داعي للدخول في إجراءات تنظيمية في العلاقة، حتى لا تتحمل أي جهة تبعات حركة الجهات الأخرى في كل خصوصياتها أو أزماتها، التي ربما تكون وليدة أسلوبها غير المنسجم مع نظرة باقي الإسلاميين.‏

وعلى العموم قد يتوفق الجميع لدعم خصوصية تترك بصماتِها وآثارَها، وتُشعِر باجتماع المسلمين حولها، كما حصل في الوقوف مع البوسنيين أثناء تعرضهم للمخاطر الوحشية من الصرب، الذين قتلوا واحتلّوا واغتصبوا، بخطة أرادت إبادة الوجود الإسلامي في تلك المنطقة الأوروبية.‏

4- المسائل الخلافية:‏

لا يمكن إغماض العينين عن وجود مسائل خلافية، وهي تشكّل عند كل مذهب الأساس الذي يعتمد عليه، فضلاً عن التشريعات التفصيلية التي ترفع المسؤولية عن المكلَّف بصحة الإلتزام بها. فالفرق بين عصمة الأئمة (ع) وعدمها، مما يؤثر في كل المبنى المذهبي. لكن يمكن العمل على أن تكون مناقشة المسائل الخلافية، معتمدة على النصوص والأدلة، دون اللجوء الى أساليب الإتهام والشتم، وإصدار عبارات التكفير أو الإنحراف. ولتكن الآداب الإسلامية مراعاةً عند التعرض لهذه المسائل، على قاعدة الإفهام، مع تقدير حرية الآخر في الإقتناع وسَوق الأدلة دون الرفض المسبَّق والحكم المؤبَّد، حتى ولو تحصّلت القناعة باستحالة صوابية أي رأي آخر، إذ أن الأسلوب هو الذي يوتّر الأجواء، أو يفسح في المجال لتقبّل نقاش الفكرة، مهما كانت القناعات والنتائج المحتملة. فالأسلوب الذي اعتمده الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين (قده) في كتابَيه "المراجعات" و"النص والإجتهاد"، مع اللياقة في المراسلة وسَوق الأدلة مع شيخ الجامع الأزهر الشيخ سليم البشري، جعل هذين الكتابَين مصدرَين للحوار الهادف البنّاء، دون أي إثارة للحساسيات. وهذا ينطبق على سَوق الأدلة لإثبات الأمور التشريعية عند كل مذهب ومناقشة ما هو موجود عند المذهب الآخر. ولنعوِّد قواعدنا أن مناقشة هذه المسائل العلمية تبتغي الوصول الى الحقيقة، كما يفعل أي مجتهد داخل المذهب الواحد، بدل أن تتحول الى حساسية لمجرد وجود خلاف مع الآخر. بل من المهم أن يعكس المجتهدون هذه النظرة.‏

5- مواجهة مثيـري الفتن:‏

يحاول البعض إثارة الخلافات المذهبية على المنابر وفي كل المنتديات، ويسوْقها بطريقة إستفزازية للآخرين، بل يعتبر أن تعبئته بها بهذه الطريقة تزيد من مريديه، وتحصنّهم تجاه الآراء الأخرى. ولا يمكن الإستسلام لهذا النمط، وتساهل البعض بأنها لا تمسّه ولا تؤثر عليه، بل تمسّ الآخرين وتؤثر عليهم.‏

علينا أن نواجه مثيري الفتن، على قاعدة أن يتصدى أصحاب كل مذهب للمفتنين في مذهبهم، لتتركز معالم الوحدة أكثر، إذ لا ينفع أن يردّ الآخرون التهم عنهم، حيث لا جدوى أمام التعصب إلا بعمل من داخل الفريق الواحد. بل لا بأس من الترويج والتشهير بهؤلاء - بعد إنذارهم - ليكونوا منبوذين على مستوى العالم الإسلامي، كأسلوب من الأساليب الرادعة، إذا لم تنفع أساليب الإقناع وتغليب مصلحة المسيرة الإسلامية على ما عداها.‏

كما أن من المفيد الإتفاق على رفع بعض النقاط الحساسة من التداول العام، والعمل على تعميم هذا التوجه، والإسراع للملمة الإثارات المذهبية، والإعتراض عليها بحزم وبخطة مدروسة، لإشاعة مناخ الرفض لمثل هذه الحالات:" وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" .‏

6- نقل الصراع الـى ساحة الأعداء:‏

إن أخطر ما يواجه وحدة المسلمين، هو نقل الصراع الى داخلهم، سواء اتخذ عنوان الإختلافات المذهبية، أو عنوان تضارب المصالح السياسية. والقاعدة المشهورة عند المستكبرين هي "فرّق تسد". ولا بد من الإلتفات الى أن تسعير الخلاف قد يأخذ مظاهر مبرَّرة عند الطرفين، وتجري حوادث مقنعة لخطأ الطرف الآخر. وعليه، يعتبر الإستسلام للظواهر إيغال في الفتنة وانسياق في آتونها.‏

لكن عندما يكون الأصل هو الوحدة، يبدأ البحث عن كل الأسباب المقرِّبة، وتجنّب الأسباب المفرِّقة، ويجب أن تحصل تنازلات متبادلة، لأن لا صلح ولا اتفاق بدون بعض الخسائر المادية أو المعنوية والتي يمكن تعويضها بسهولة أمام أهمية الوحدة وتجنّب الفتن، ولا أعتبر أن الأمور ممهَّدة أو سهلة كما في بعض البلدان، لكن لو سعينا لنقل التجارب الناجحة في التعاون السنّي - الشيعي، كما في لبنان، أو في الإندماج الذي يلغي الحواجز المذهبية كما في إيران. ولو خطونا خطوات باتجاه تقريب وجهات النظر، لأمكننا أن نتخلص من كثير من المشكلات الحاصلة، خاصة إذا حددناها بدقة، وتابعناها بجدية. ولنبحث عن عناوين مشتركة تنقل الصراع الى ساحة الأعداء، في أي موقع كانوا. ولنحدد ثغراتهم، ومنافذ خطرهم؛ ولنقم بأنشطة مشتركة لمواجهتها مهما كانت هذه الأنشطة محدودة. ولننبذ من بيننا دعاة التفرقة، ولنقف في مواجهة توجهاتهم الخطرة. ولا داعي للعيش في أزمة مَن يبادر أولاً، إذ يمكن تبادل المبادرات؛ ولا داعي للتوقف عند الشكلية، التي تعالَج بالتناوب. بل لسنا مضطرين أن ندخل في دائرة الوحدة دفعة واحدة، أي إما كل شيء أو لا شيء، بل نتفق فيما اتفقنا عليه بقناعة مشتركة، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه، ونحاول عدم تسليط الضوء على نقاط الخلاف بحدة، ونشيد بنقاط التوافق، ونبرزها، ويبقى الخصم واحداً، نوجه إليه الأنظار، ونجعل عواطف قواعدنا وقناعاتها تنصرف عملياً الى هذا النوع من الأداء، عندها نكون قد خطونا خطوات فعالة باتجاه الوحدة.‏

كما يجب التمييز في البلدان المختلطة بين الحاكم ومذهبه، إذ لا يعقل أن يكون الإعتراض على أسلوب وأداء الحاكم مواجهة المذهب، وهذا فخ يساعد في اجتماع العصبية المذهبية حول الحاكم ليستغلها في دائرة مواجهة الآخرين، دون أن تعني له شيئاً، لأن الأساس يرتبط بمصالحه ونفوذه ودوره. مع العلم أن ضغط الشارع قد يؤثر على المستوى العاطفي، خاصة مع توفر المناخات الإعلامية والتعبوية والتمسك بظواهر تحتمل التفسير والتأويل.‏

ولكي نتجاوز هذه المحنة، لا بد من التركيز على العلاقة بين الإسلاميين كأساس، ومناقشة هذه القضايا في لقاءات داخلية لتبيان حقيقتها، وإيجاد الخطوات الملائمة لعدم الوقوع في هذا الفخ. والخطأ الكبير الذي يقع فيه البعض هو المسارعة الى التصريح الإعلامي أو الخطبة في المسجد... بطريقة تخرج الموضوع عن دائرة السيطرة. وهذا الأمر يشكّل خدمة للأعداء للتأثير في ساحتنا الداخلية.‏

ولنتأكد أن البحث الدؤوب للمستكبرين هو تمزيق وحدة المسلمين، بل وحدتهم في مذهبهم، بل وحدتهم في جماعتهم داخل المذهب الواحد، ولن يوفر أي فرصة تفرقة للنفاذ من خلالها، والرد العملي هو قوله تعالى:" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (آل عمران، 103).‏

إننا مدعوون الى تحكيم دين الله في حياتنا، وتركيز معالم الوحدة، لأن المناخ الذي يعمّ المسلمين إذا توحدوا في قضاياهم الكبرى ومسائلهم الأساسية سيؤثر إيجاباً على المفاهيم التي يؤمنون بها، وعلى الروحية التي تُبنى حياتُهم على أساسها. ونحن معنيّون بتوفير الأجواء النظيفة لتعزيز الصحوة الإسلامية الكبرى التي اتسعت؛ وعلينا تقع مسؤولية حفظها ورعايتها في واقع الأمة.‏

نعيم قاسم‏