مقالات

نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم نعمل تجهزاً للظهور لكن

ورد في رواياتنا بالحديث الشريف: . أي أن التوقيت لا يمكن أن يكون محسوماً من قبل أي شخص ولو أراد الله تعالى أن يعلمنا بالوقت المحدد للظهور لأعلمنا. ولعل السر الأساس هو أن الظهور مسألة من المسائل التي تشكل حافزاً للاستعداد من أجل أن يكون الإنسان إلى جانب المخلّص فإذا كان التوقيت محدداً فهذا يعني أن الإنسان يسير باتجاه أمر محسوم وقطعي في الزمان والمكان فعندها قد يقوم بأعمال صالحة كشخص متأثر بحصول المعجزة في وقت معيّن وهذا لا يعطيه فضلاً ولا يعطيه مقاماً ومكانا.

جريدة السفير
16/07/2003
ورد في رواياتنا بالحديث الشريف: <<كذب الوقّاتون>>. أي أن التوقيت لا يمكن أن يكون محسوماً من قبل أي شخص ولو أراد الله تعالى أن يعلمنا بالوقت المحدد للظهور لأعلمنا. ولعل السر الأساس هو أن الظهور مسألة من المسائل التي تشكل حافزاً للاستعداد من أجل أن يكون الإنسان إلى جانب المخلّص فإذا كان التوقيت محدداً فهذا يعني أن الإنسان يسير باتجاه أمر محسوم وقطعي في الزمان والمكان فعندها قد يقوم بأعمال صالحة كشخص متأثر بحصول المعجزة في وقت معيّن وهذا لا يعطيه فضلاً ولا يعطيه مقاماً ومكانا.

أما إذا كان توقّع الظهور توقعا غير دقيق من حيث الزمان فهذا يعني أن الإنسان إذا عمل بكل حيوية وبكل طاقة فهو يعمل من أجل الفكرة الإجمالية ولا يعمل لأن الوقت داهمه أو أصبح عنده فترة زمنية محصورة.‏

أنا لا أريد أن أبعّد الأمر ولا أريد أن أقربه لأني لا أستطيع بحسب الروايات الواردة عندنا أن أطبّق التوقيت، لكن توجد رغبة عند الناس في استحضار الغيب وفي محاولة سبر أغواره، لكن هذه الرغبة موجودة وأضرب مثالاً جرى مع بعض الأشخاص عندما حصلت حرب الخليج الثانية في 1991، وصادف حصولها في آخر يوم من جمادى الثانية وفي أول يوم من رجب.. ولدينا رواية تقول <<العجب العجب بين جمادى ورجب>>. فالبعض طبقها وقال <<هذا يعني تطبيقا عمليا>> وإن ما حصل من نيران كثيرة في هذه المنطقة يبشر بقرب الظهور وذلك الأمر حصل في 1991. جل ما في الأمر أن لا مانع من أن نعيش قناعة قرب الظهور، فكرة الانتظار بحيوية وحرارة. بل هو أمر مطلوب فقد ورد مثلاً في الحديث الشريف: <<أفضل العبادة انتظار الفرج>>. أن يعيش الإنسان حالة بأن الفرج سيحصل وأن ظور الإمام سيكون قريباً فهذا يعطي حافزاً معنوياً وتربوياً وروحياً وأخلاقياً وإيمانياً مهماً جداً وهذا أمر مشروع.‏

التذكير بقرب ظهور المهدي في خطبة السيد حسن‏

الحديث عن الإمام المهدي هو حديث دائم وحيوي وضروري. لكن هذا لا يعني التوقيت. وبطبيعة الحال، نرى أن مستوى الفساد في العالم ومستوى الظلم والجبروت هما من المستويات التي تطرقت إليها الرواية. ونحن نعلم أن منطق الأحداث هو أن تسقط أي جهة تكثر من ظلمها كما يحصل اليوم في أميركا. هناك ظلم والظلم لا قابلية له للحياة وهناك إيذاء للشعوب وللعالم وإضرار بالإنسانية وهذا سيسقط في يوم من الأيام كما سقط الاتحاد السوفياتي من قبل ولم يكن سقوطه متوقعاً وكما سقط الرومان والبيزنطيون وغيرهم من الذين كانت لهم امبراطوريات واسعة في السابق وذلك عندما ظلموا واستبدوا واستعمروا وتكبروا على الناس. فوجود هذا الظلم المميز والخاص والذي ذكرت عنه الروايات أنه سيحصل على المسلمين وأن الغرب سيهجم على بلدانهم وسيحتل أماكنهم مع إيماننا بأن الظهور سيكون المنقذ وهو المخلص في هذا الشأن فهذا يقرّب فكرة أن الظهور قد يكون قريباً. لكن كما قلت، نحن لا نوقت ولا نقبل بأن يكون هناك مطابقة حرفية للأحداث مع الروايات التي تتحمل عدة تفاسير إلا أنه لا مانع من عيش الفكرة والصورة واعتقاد قرب الظهور والتعلق النفسي والعاطفي والمعنوي لأنه أمر مشروع على قاعدة أن الأمور ستسير في هذا الاتجاه ونحن واثقون من أن الظهور سيحصل، بمعنى أن إيماننا قطعي في هذا الأمر ونجزم بأن الظلم سيسقط وأن العدل سينتشر بعد ذلك وأن الحكم سيكون لهذا القائد الملهم وسيكون معه السيد المسيح (ع) حيث سيصلي وراءه في القدس وسينضم العالم المسيحي إلى هذا الاتجاه الإسلامي وسيكون هناك تعاون وسيخرج من هذه الدائرة الظَّلَمة والمنحرفون.‏

وهناك حديث عن وجود الثلة المؤمنة التي تبرز والتي يكون لها دور في عملية الظهور لأن الإمام يحتاج إلى جند يكونون معه ولا يكون انتصاره انتصاراً إعجازياً معزولا عن مقدمات طبيعية ومادية وموجودة بين يديه. ورد أن الحالة الإيمانية ستشهد بعض الانتعاش بحيث يكون هناك ثلة قادرة على أن تحمل الهم وإذا راقبنا اليوم نلاحظ أن الاتجاه الديني يقوى ويجد له أنصاراً بعد أن خبا لفترة طويلة من الزمن خاصة في المئة سنة الأخيرة ابتداء من أول القرن العشرين وعاد التيار الإسلامي قوياً وفاعلاً ابتداء من انتصار الثورة الاسلامية المباركة في الربع الأخير من القرن العشرين مما أوجد رصيداً جديداً للمتدينين وللتيار الإسلامي. ونلاحظ اليوم كيف أن أميركا تدخل في حالة صدامية بحيث إنها تحشر المسلمين ليلتفوا مع بعضهم البعض أكثر فيعودوا إلى دينهم. فمن بقي خارج هذا الإطار بالإيمان المباشر، ربما يعود إليه بشكل غير مباشر بسبب هذا الدفع الموجود من قبل الغرب وخاصة أميركا. ويضاف إلى ذلك المسألة المركزية المرتبطة بفلسطين. أي أننا نؤمن بأن فلسطين ستتحرر وأن اليهود لن يتمكنوا من البقاء فيها وربما يكون هذا الأمر خلاف الوقائع التي تبين أن إسرائيل ظالمة ومتمسكة وقادرة ولكن كما نرى منذ 55 سنة، فهي غير قادرة على أن تستقر كدولة. وكما ورد في الرواية: <<لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء (أي مشقة وتعب) حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قالوا: أين ذلك يا رسول الله؟ فقال: <<في بيت المقدس وأثناء بيت المقدس>>. فالمقصود هنا ب<<أمر الله>> يعني ظهور الإمام المهدي (عج) أي يبقى الصراع قائماً مع اليهود ويكون المؤمنون من الأشداء في البأس والقتال إلى أن يحصل الظهور. وكما ورد في الرواية التي اجمع عليها المسلمون أنه <<يقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله>>. هذا جزء من الإيمان الموجود عندنا والذي يعطينا دفعاً إضافياً من أن القتال له أفق وله نتيجة، هذه النتيجة هي الانتصار الحتمي.‏

بين حرب بوش الإلهية وحرب <<حزب الله>> الدينية‏

مع أن هذا الطاقم الموجود في الإدارة الأميركية ينطلق من عقلية المسيحية المتصهينة التي تعتقد بضرورة تثبيت كيان إسرائيل وأن هذا الأمر سيؤدي إلى ظهور المخلّص، لكن في قناعتي هذا أمر ثانوي وملحق بالمصالح الأميركية التي تتحكم أساساً بفكرة وجود إسرائيل ودعمها. ودليلي على ذلك هو أن الإدارات الأميركية المختلفة من الجمهوريين والديموقراطيين خلال فترة إنشاء إسرائيل وما بعدها، منذ عام 48 وحتى الآن، عملوا جميعاً على دعم الكيان الإسرائيلي من منطلق مصالح الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة. وللعلم أيضاً لم تنطلق الفكرة الصهيونية من فكرة دينية بحتة وإنما من فكرة سياسية لإيجاد وطن قومي لليهود من موقع سياسي. فهرتزل كان يريد مكاناً لليهود سواء كان في فلسطين أو في مكان آخر. لكن أعطوها بعد ذلك البعد الديني وركزوا عليه لإيجاد الجاذبية المطلوبة وجمع القوى حولها. وإلا فالقادة الموجودون في إسرائيل منذ فترة طويلة هم علمانيون وليسوا متدينين بل يضعون بعض الحدود للمتدينين في بعض مطالبهم. لذلك، أعتبر حركة بوش هي حركة سياسية. وإلا فما هو التفسير الديني بالنسبة لأفريقيا وآسيا وبقية العالم؟ هذا عمل استعماري بكل ما للكلمة من معنى.‏

أما بالنسبة لنا فالعامل الديني في حركتنا هو عامل أساسي في التعبئة والتوجيه، له أبعاد مختلفة تختلط فيها المسألة الإيمانية بالمسألة السياسية بالعوامل المختلفة في الحياة لأن ديننا هو عين سياستنا وسياستنا عين ديننا، فلا نقسم في المسألة الدينية والسياسية بل نعتبر أن الإسلام هو دين فرد وجماعة. فمثلاً نحن نؤمن على المستوى الديني بأننا يجب أن نحرر القدس لأن القدس مقدسة بالنسبة لنا ولأننا موعودون بالتحرير المستقبلي إن شاء الله ولأن واجبنا أن نكون إلى جانب إخواننا الفلسطينيين وأننا لو عجزنا اليوم فلا بد من أن يحصل الانتصار في يوم من الأيام على يد الإمام المهدي (عج). لكن المهم في الموضوع أن البعد الديني يعطي قوة غير عادية للمسألة السياسية ويجعل الاندفاع أقوى بكثير من كل العناوين الأخرى لأنه يكفي أن يؤمن المتدين بأن إنجازه أكيد سواء في الدنيا أو في الآخرة حتى يصبح منتصراً على كل حال ولا يخاف من شيء. نحن رابحون على كل حال: إذا ربحناكم ربحنا عليكم في الدنيا وإذا غلبتمونا استشهدنا فذهبنا إلى جنة الله تعالى. فنحن رابحون في الدنيا أو في الآخرة على كل حال وأنتم خاسرون على كل حال: خاسرون في الدنيا عندما ننتصر عليكم وخاسرون عندما تنتصرون علينا لأنكم حملتم آثاماً ستعاقبون عليها في يوم القيامة. إذاً، الروحية الدينية والتربية الدينية تعطيان زخماً ودفعاً وقوة إضافية إلينا.‏

انصراف عن السياسة المحلية لأسباب <<انتظارية>>؟‏

لا يوجد مانع ديني من الدخول في تفاصيل الحياة السياسية الداخلية طالما الدخول فيها منضبط في دائرة الالتزام بالحلال والابتعاد عن الحرام. لكن عندما قررنا أن نعمل في بلدنا لبنان وأنشأنا <<حزب الله>> ودرسنا الساحة بدقة وجدنا أننا أمام مجموعة من الملفات يجب أن نتعاطى معها، أبرزها ملف التحرير وملف الوضع الداخلي وملفات سياسية وثقافية. وعندما لاحظنا أن قدرتنا وانتاجيتنا لا تتحققان بشكل فاعل إلا إذا حددنا الأولوية بين هذه الملفات، وجدنا أن الأولوية للمقاومة. لأن التحرير عندما يحصل ينعكس على الوضع السياسي الداخلي أما الغرق في الوضع السياسي الداخلي فيبقي الاحتلال قائماً ويربكنا في نتائج لا نستطيع أن نواجهها. إذاً، نحن لم ندخل في تفاصيل الوضع الداخلي في بعض الحالات بسبب توزيع الأولويات، ثانياً لأن الوضع الداخلي يعاني من مشكلة بنيوية لها علاقة بتركيبة النظام الطائفي وتوزيع الأدوار بين الرؤساء الثلاثة وكيفية إدارة البلد. ما يجعل التفاصيل غير منتجة وغير فاعلة لأن المشكلة بنيوية. من هنا فكرنا في أن يكون تدخلنا في الشأن الداخلي في حدود لا تعيق عمل المقاومة من ناحية وتدخل في القضايا التي تحمل قابلية أن ننجز فيها شيئاً أو أن نرفع الصوت بالقدر المطلوب. لكن رفضنا مثلاً الدخول في الوزارة لأننا اعتقدنا أن الدخول فيها غير مناسب وغير فاعل فسنكون شهوداً من دون قدرة على التغيير أو على التأثير بل سنحمل وزر الفساد الإداري وطريقة الإدارة. فالأفضل أن نكون خارج هذه الدائرة ولا تساوي السمعة السيئة أي مكسب سياسي محدود مثل هذه المكاسب التي ربما رغب فيها آخرون، لكن ل<<حزب الله>> حسابات خاصة. ثم إننا نعتقد أن الظهور يتطلب حركة باتجاهه فالانتظار انتظار إيجابي بمعنى <<أنا أنتظر الظهور لكن أعمل بكل طاقة لأكون من جند الإمام>>. وكلما أسرعت وبذلت جهداً أكبر كلما عجّلت الظهور لأني أقرّب المسافة منه وأهيئ الأسباب والمقدمات لمصلحة الظهور.‏