17/3/1998م
موضوع الزواج المدني قد طرح في مناسبات عدة، وأُعتبر حلاً لبعض المشاكل خاصة في مجتمعنا في لبنان، وسنتعرض لتفاصيل هذا البحث حتى نتعرف عن قرب على حقيقة وطبيعة الزواج المدني مقارناً بالزواج الشرعي، لنتمكن من تشكيل صورة عن المشروعية والآثار.
تعريف الزواج المدني:
نبدأ بتعريف الزواج المدني وقد يتصور البعض أن تعريفه سهل وأنه منتشر بين الناس، لكن الذي أتضح لي من خلال الحماسة التي أطلقها بعضهم، هو تبسيط هذا الأمر في فهمه وفي مدلوله، فالزواج المدني باختصار هو عقد بين طرفين ذكر وأنثى يترتب عليه حقوق وواجبات، أي أنه عقد له مفاعيل تمتد في حياة الإنسان وفي مفردات الأحوال الشخصية بمستلزماتها كافة، بمعنى آخر ليس الزواج المدني مجرد عقد عند قاضٍ مدني؟! ليستسهله البعض ويرغب به-كما يروجون- إنما هو زواج يبدأ بالعقد ويمتد إلى كل مفاعيله الأخرى في جميع مستلزمات الأحوال الشخصية.
فالعقد الشرعي أسهل بكثير لأنه لا يحتاج أصلاً لا إلى قاضٍ ولا إلى عالم ولا إلى أحد، بل يكفي أن تقول له: زوجتك نفسي على مهر وقدره كذا، ويقول: قبلت التزويج، ليتم الزواج، بدون شهود وبدون شخص ثالث، بل بالعقد بين الطرفين. فلو كان الحديث عن سهولة العقد، لقلنا بأن العقد الشرعي من وجهة نظر إسلامية هو أسهل بكثير من العقد المدني عند قاض مع شاهدين ومستلزمات أخرى، لكن الموضوع لا يرتبط بالعقد فقط، وإنما يرتبط بسلسلة من المفاعيل نسميها حقوقاً وواجبات تترتب على هذا الزواج المدني، أي عندما يذهب الشاب ليعقد على فتاة عند قاضٍ على قاعدة الموافقة على الزواج المدني، فهو يقول وهي تقول بأنهما وافقا على القوانين المرعية الإجراء التي وضعت في القانون المدني، والتي تختلف عن الحقوق والواجبات التي وضعت في القانون الشرعي، إذاً الزواج المدني له رؤيته للأحوال الشخصية والزواج الشرعي الإسلامي له رؤية ثانية مختلفة عن هذا الزواج المدني، لذا لا يمكن الخلط بينهما.
مفاعيل الزواج الإسلامي:
سأتحدث في هذا اللقاء عن الزواج الشرعي من وجهة النظر الإسلامية، حتى لا نوجد التباساً بين الآراء المختلفة في الرسالات السماوية، لأن عقد الزواج الشرعي الإسلامي يترتب عليه مفاعيل في الأحوال الشخصية وهذه المفاعيل من حقوق وواجبات يفترض أن يكون الالتزام بها هو الالتزام بأوامر الله في مسائل الحلال والحرام، فالالتزام شرعي وعدم الالتزام خروج عن الشرع، بينما المطلوب على المستوى الكنسي المسيحي هو إيجاد الرابطة المقدسة بالعقد في الكنيسة بصرف النظر عن التفاصيل المتعلقة بالحقوق والواجبات. إذ نفس الزواج يحتاج إلى الكنيسة لتأكيد هذه الرابطة المقدسة التي لا انفصال لها، بينما مسائل الحقوق والواجبات التفصيلية يمكن العودة فيها إلى أنظمة عديدة ولا يضر هذا بالزواج، بينما المفهوم الإسلامي الزواج متكامل من بدايته من العقد وإلى مفاعيله في كل الحقوق والواجبات.
أذكر مثالاً على المفاعيل والثوابت التي تترتب على الزواج الشرعي، وسأحاول أن أجري مقارنة سريعة مع الزواج المدني، لأبين الفوارق حتى في طريقة التشريع، عندما يعقد المسلم عقداً لزواج شرعي فالصيغة التي تجري بين الطرفين يعني صيغة الزواج اللفظي أساسية في العقد، فإذا جاء إنسان وقال لفتاة أريد أن أتزوجك وقالت قبلت لا يتم الزواج بهذه الطريقة، الزواج يبدأ بعقد له صيغة لفظية فيها الإيجاب بقولها: زوجتك نفسي أو يقول وكيلهما زوجتك موكلتي على مهر وقدره كذا، ومنه القبول بقوله: قبلت.
إذاً الإيجاب والقبول على مستوى الصيغة اللفظية مطلوبان في العقد وبدون الإيجاب والقبول اللفظيين لا يعتبر_ على المشهور بين الفقهاء العقد شرعياً، ولا يعتبر الزواج قائماً، فالبداية تكون من اللفظ. يعني لو افترضنا أنه ذهب ليتزوج على الطريقة المدنية، فقد تكون الطريقة المدنية مبنية على الموافقة بدون إيجاب وقبول وبدون صيغة لفظية أو بالتوقيع على المستندات فقط، نحن بداية العقد المدني هناك مفارقة ومخالفة مع العقد الشرعي الإسلامي، ففي العقد الشرعي الإسلامي الصيغة مطلوبة، ووجود العالم أثناء عقد الزواج للاطمئنان بإشرافه على صحة الصيغة، كي يكون العقد صحيحاً، وهذا الجو يمثل شكلاً من أشكال الإعلام، لأن الزواج مما حث عليه الإسلام وهذا لا بد أن يكون ظاهراً وواضحاً أمام الجميع، وإلا فالانطباع الموجود عند البعض بأن الزواج لا يتم إلا إذا وجد عالم مثلاً أو أنه لا يتم إلا بوجود شهود هو في الواقع ليس من الشروط في مذهبنا. وبمجرد أن يتزوج الإنسان على الطريقة الإسلامية يعني أنه وافق على كل القوانين الإسلامية في الأحوال الشخصية، صحيح أن الشاب عندما يعقد على الفتاة لا يقول لها ولا تقول له لتضع تفاصيل القانون الذي وافقنا عليه، ويمكنهما وضع الشروط الإضافية التي يتفقان عليها ضمن العقد على أن لا تتعارض مع الأسس المقررة شرعاً، لكن مجرد أن يجري العقد الشرعي يعني الالتزام بكل ما هو موجود في الشريعة الإسلامية من حقوق وواجبات لكل من الرجل والمرأة، مثلاً القوامية للرجل وفي إدارة الأسرة ووجوب النفقة على الرجل تجاه زوجته وأولاده حتى ولو كانت الزوجة من أغنى الأغنياء، وليس عليها واجب الإنفاق حتى على نفسها في بيت زوجها، لكن إذا أنفقت هي طوعاً فهذا أمر آخر، وإذا افترضنا وقوع الخلاف بينهما فيوجد طريقة لإيقاع الطلاق، ولها صيغة محددة، فإذا لم تنشأ صيغة الطلاق لا يجري الطلاق، والصيغة لفظية، ويجب أن يقول لها: أنت طالق، أو زوجتي فلانة طالق، وإذا لم يذكر الصيغة لا يحصل الطلاق، والصيغة يجب أن تكون بحضور شاهدين عادلين ويترتب على عقد الزواج طريقة في الإرث، فإذا مات الرجل ترث زوجته ربع ماله إن لم يكن له ولد، وإن كان له ولد فلها الثمن، وإذا كان عنده أولاد فللذكر مثل حظ الانثيين، إذاً أحكام الإرث تترتب أيضاً على هذا الزواج بسبب ما ينتج عنه من علاقات رحمية، ويصل الأمر أيضاً إلى حضانة الأولاد فيما لو حصل الطلاق بينهما، بحيث يكون من حق المرأة حضانة الصبي لمدة سنتين والبنت لمدة سبع سنوات، يعود الأمر بعدها إلى الرجل في رعاية وإدارة شؤون الأطفال، ويكون الإنفاق من مسؤولية الرجل أثناء حضانة المرأة لأولادها، هذه التفاصيل مع مفردات كثيرة وغيرها تترتب على المستوى الشرعي عند الزواج على الطريقة الإسلامية.
مفاعيل الزواج المدني
بالمقابل إذا كان الزواج مدنياً فستنطلق هذه الأمور من أحكام مختلفة، ويمكن أن تشابه في بعض الأحيان، ويمكن أن تختلف في حالات أخرى، وأسوق بعض الأمثلة من اقتراح القانون المقدم من رئيس الجمهورية(السابق إلياس الهراوي) حول الزواج المدني لأبين لكم بعض المفارقات التي تعتبر واضحة ومخالفاً تماماً للقانون الشرعي، ونسوقها كأمثلة وإلا أي زواج مدني سيختلف عن الزواج الشرعي وليس فقط هذا الاقتراح الموجود والذي يمكن أن يطرح البعض تعديله، إذ أما أن تعدل الاقتراحات لتصبح شرعية بالكامل وحينها لا يعود هناك زواج مدني، وإما أن تبقى مخالفة ببعض البنود ومعنى ذلك وجود مخالفة شرعية في هذه البنود، في المادة العشرين يقول:" على الزوجة المساهمة في الإنفاق إن كان لها مال" يعني إذا كانت ثرية أو كانت تعمل وتحصل على مال، فهي شريكة للرجل في الإنفاق في داخل الأسرة بينما الطرح الإسلامي يعتبر الإنفاق من واجب الرجل، وليس على المرأة إنفاق أصلاً وهذه مفارقة، وهناك فرق بين أن تدفع المرأة أموالها كمشاركة في تحمل أعباء الأسرة كواجب عليها وبين أن يكون غير واجب عليها.
الخلاف الآخر في المادة الرابعة والثلاثين:" يتمنع على المرأة أن تتزوج قبل انقضاء ثلاثمائة يوم على إبطال الزواج أو إنحلاله" ونحن عندنا عدة الطلاق ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر، بعدها تستطيع المرأة أن تتزوج، وعدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام وتستطيع بعدها أن تتزوج بينما جعل القانون المقترح العدة الفاصلة عشرة أشهر، وهذا من وجهة نظرنا ظلم للمرأة خلال هذه الفترة الطويلة التي لا معنى لها، ولا تؤثر على الحمل أو على إمكانية وجود أولاد.
المادة الثالثة والسبعون والتي تعتبر المادة الكارثة إذا صح التعبير، وهي المرتبطة بالتبني، يعني إذ افترضنا رجل وامرأة تبنيا ولداً وهو بالأصل ليس ولدهما، يقول في المادة الثالثة والسبعين:"التبني عقد قضائي ينشيء بين المتبني والمتبنى الحقوق العائدة للبنوة الشرعية"، يعني أن الابن بالتبني يصبح ابناً شرعياً بالكامل، له كامل الحقوق التي للابن الشرعي، لكن على المستوى الإسلامي الولد بالتبني لا يمكن أن يكون ابناً شرعياً ؟! معنى الرأي المدني: أن الأم التي ربته وهي ليست أمه باستطاعتها أن لا تتستر الستر الشرعي أمامه، أما من وجهة نظرنا الإسلامية فهو ليس ولداً لها وعليها التستر أمامه.
وإذا ولد للزوجين فتاة بعد أن كانا قد تبنيا صبياً، أصبحت في القانون المدني أختاً له، ومعنى ذلك أنه لا يستطيع أن يتزوجها لأنها اخت له، وبالتالي تكون في تصرفاتها كما تتصرف الأخت أمام أخيها، في الوقت الذي على المستوى الشرعي الإسلامي الأمر مختلف تماماً، فهي ليست أخته ويستطيع أن يتزوجها وتتعامل معه كأجنبي وليس كأخ.
وعندما يقول بأن الابن بالتبني له كامل الحقوق يعني ذلك: إذا مات الأب أو ماتت الأم وكان هنا إرث وعندهم أولاد فهو واحد منهم، له ميراث كالأولاد الشرعيين، وبهذا تختلط الحقوق وتضيع وتتضارب، فالحلال في نظر الشرع حرام في نظر القانون المدني والعكس صحيح.
إن الزواج المدني في أحكامه مختلف عن الزواج الشرعي الإسلامي بأحكامه وقوانينه، ولا إمكانية للتوأمة بينه وبين الزواج الشرعي. فإذا كانت المشكلة تبدأ من الصيغة فالمشاكل الأخرى المترتبة على مفاعيل كل شكل من أشكال الزواج المدني أصعب من ذلك.
الزواج المدني المختلط:
أما بالنسبة للزواج المختلط، فعلى المستوى الشرعي الإسلامي يجوز للرجل أن يتزوج امرأة كتابية، يعني مسيحية أو يهودية بالعقد الدائم، وبعض الفقهاء يتحدثون عن الاحتياط الوجوبي بالمنع، لكن تحل المسألة بالعودة إلى فقهاء آخرين يقولون بالجواز، فالزواج بين مسلم وكتابية أمر له مدخل شرعي. لكن المشكلة الأساس والتي عليها اجماع كل المسلمين سنة وشيعة، وعلى اختلاف فقهائهم، أن المسلمة لا يجوز لها أن تتزوج كتابياً، وإذا تزوجت المسلمة من كتابي ارتكبت محرماً، وبالتالي لا يعتبر عقد الزواج قائماً من الموقع الإسلامي والعلاقة علاقة زنا، بينما العقد المدني أو الزواج الحديث يعتبر هذه العلاقة علاقة طبيعية، لأن أحكامه مختلفة.
وقد ناقش البعض في أسباب عدم سماح الإسلام بزواج المسلمة من كتابي حيث بيَّن بعض فقهائنا مبررات هذا الأمر، ومفاده بأن الكتابي بالأصل لا يعترف بالدين الإسلامي كدين سماوي(وهنا أتكلم من منطلق ديني بحت ولا أتكلم من منطلق سياسي ولا أتكلم من منطلق علاقات اجتماعية موجودة بين الناس واحترام حرية آراء الآخرين) بمعنى آخر ليس عند الكتابي نبي اسمه محمد(ص) ولكل إنسان مسؤولية عن دينه، لكن عندما يصبح هناك علاقة زوجية بين رجل لا يؤمن بنبي هذه المرأة، وبالتالي لا يؤمن بأصل دين هذه المرأة، كيف يمكن أن يحافظ لها على دينها؟ أو أن يترك لها الحرية في أن تستمر؟ كل الضوابط مرفوعة ولا نستطيع أن نضمن بالأصل إمكانية أن تبقى هذه المرأة على قناعاتها، وعلى دينها لو رغبت ذلك، بينما عندما يتزوج المسلم من كتابية وبما أن هذا الزواج شرعي وبما أن المسلم يعترف بموسى(ع) وعيسى(ع) وكل الأنبياء (ع) يمكنها أن تبقى على دينها، ولا إشكال في ذلك والعلاقة الزوجية صحيحة ويترتب عليها كل المفاعيل المرتبطة بهذه العلاقة الزوجية.
إذاً الموضوع ليس موجهاً ضد الطرف الآخر حتى يفسر بالمنطق السياسي أو بالمقياس السياسي إنه مرتبط باحترام الشخص لدين الآخر، ومرتبط بالقناعة المتوفرة عند هذا الشخص مع قناعة الطرف الآخر، فنحن أمام وضع شرعي لا يتناسب مع الزواج المدني من اللحظة الأولى حتى كامل الأحكام التي تترتب على هذا الزواج المدني، لذا لا يعتبر العقد مقبولاً من اللحظة الأولى حتى ولو كان بين مسلم ومسلمة لأن الصيغة غير موجودة فيه أو الضوابط الشرعية لصحة العقد غير متوفرة، وعليه تكون العلاقة من منطلق الزواج المدني علاقة زنا من أول لحظة بين هذين الشخصين، وعندها تترتب مفاعيل الزنا على هذه العلاقة في كل ما ينشأ عنها.
الآثار الاجتماعية
أما على مستوى الآثار الاجتماعية ، فنحن نسأل هل أدى الزواج الشرعي الإسلامي إلى خلل بنيوي في المجتمع أم إلى حفظ بنيوي للأسرة؟ نحن نعلم أنه على مستوى العالم كله الأسرة المسلمة هي من أكثر الأسر انضباطاً في دائرة الأحوال الشخصية، والتي حفظت خصوصيتها وركزت على علاقتها، والآن يعاني الغرب بسبب طريقته في العلاقات بين الجنسين قبل الزواج من المساكنة إلى العقد المدني، وبسبب التفلت وضرب الأسرة وتفكيكها، لأن الولد الذي يتربى في ميتم بسبب وجود مئات الآلاف أو الملايين من الأطفال الذين يولدون في كل عام كنتيجة لعلاقة الزنا، أو خارج دائرة الزوجية، أو عدم رغبة الزوجين أحياناً بالاحتفاظ بالطفل، فيتربى هؤلاء الأولاد في المياتم ويعيشون حالة معقدة، وبعض المؤسسات الأجنبية التي تفكر أن تبني ميتماً تحاول أن تؤسس لنماذج توفر فيه للولد المتبني عائلة اصطناعية لأن العائلة هي أقدر على حماية الولد نفسياً وسلوكياً من ميتم يجمع كل هؤلاء الأطفال كأرقام يتواجدون في بيت واحد أو في مكان واحد، وهم محرومون من عاطفة الأب وحنان الأم. إذاً على المستوى العملي ضربت الطريقة الغربية مؤسسة الزواج وضربت مؤسسة العائلة، وأثرت على استمرارية وضعها وإمكاناتها، صحيح أننا لا زلنا في البداية وأن الأمر يتعلق بزواج مدني له ضوابطه، لكنه خطوة لتشريع الخطوات الأخرى وعلى طريق إلغاء القيم والقداسة في العلاقات بين الجنسين مما يؤدي إلى إباحة كل شيء أمام الجسد دون حسيب أو رقيب.
مثال تطبيقي
ولنعط مثالاً على الآثار الاجتماعية المباشرة لزواج يحصل داخل اسرة مسلمة، لنتحدث عن أسرة مؤلفة من ثمانية أشخاص فيها أب وأم وأولاد ، فتاة من هذه الأسرة زوجوها مدنياً خارج دائرة الزواج الإسلامي، إذاً لدينا عائلة مؤلفة من ثمانية أشخاص سبعة منهم يسيرون وفق الضوابط الشرعية وواحدة اختارت قوانين وأنظمة مختلفة عن القوانين المطبقة على السبعة، لأنها اختارت الزواج المدني، في نظر الأسرة الشرعي العلاقة علاقة زنا والولد الناشئ ابن زنا وهذا الولد لا يرث ولا يورث ولا يحل على الأسرة ولا يعتبر هؤلاء الأشخاص الذين في الأسرة بأنهم أخواله وخالاته لأنه لا يوجد اعتراف بهذا الرابط الرحمي الشرعي بسبب حالة الزنا الموجودة، وسيتعاطون مع هذا الولد كإنسان غريب سواء كان صبياً أو كانت فتاة، فإذاً كل العلاقات الاجتماعية مدمرة، ولا توجد الضوابط ضمن الأسرة المستقرة المستقيمة على المستوى الشرعي، ولنفترض أن هذه الفتاة المتزوجة قد ماتت، يفترض أن هذا الزوج لا يرثها لأنه زوج زنا وعليه هو ليس زوجاً بل زانياً، فالتركة يجب ان تكون للأهل والزوج ليس له علاقة، إذاً هناك مشكلة على صعيد التركة، وهكذا أصبحت كل العلاقات الأسرية مبنية على قاعدة أن هذه الأسرة يوجد في داخلها من يطبق قوانين مختلفة تماماً عن القوانين الإسلامية مما يحدث إرباكاً وتداخلاً في كل شيء، وأقل هذا الإرباك اعتبار الأسرة أن ما تتصرف به هذه الفتاة هو تصرف غير شرعي ومحرم، يعني في كل حركة وفي كل سلوك هناك حرام وهناك انحراف وهناك رفض للتصرف القائم، هل هذا يبقي علاقات الأسرة فيما بينها؟! أحد أفراد هذه الأسرة بهذه التصرفات يدمر العلاقات الأسرية الطبيعية التي كانت موجودة في الزواج الشرعي والتي كانت طبيعية وعادية، ويشابه هذا الأمر ما لو كان الولد بالتبني، فعلى المستوى الإسلامي يبقى ولداً غريباً، وهناك نص قرآني في هذا الأمر"وما جعل أدعياءكم ابناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله وأن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم".
هذا نص إسلامي صريح بعدم جواز تحويل الابن بالتبني إلى ابن شرعي فعلي، وكان يعتبر التبني بالتحويل إلى ابن شرعي من أعمال الجاهلية المرفوضة على المستوى الإسلامي والتي نزل فيها تشريع صريح، إذاً كيف تكون الأسرة مع هذا الوضع في التبني، في الواقع نحن أمام مشروع خطير، وعندما نواجه الزواج المدني لا نواجه علاقات يمكن أن تبنى بين رجل وامرأة إنما نواجه مشروعاً يضرب الأسرة في لبنان، ويضرب كل العلاقات المبنية على قواعد شرعية في عدم الاعتراف والإقرار بشرعيتها بسبب هذا التداخل بين نظامين مختلفين ، نظام الزواج المدني ونظام الزواج الشرعي.
ماذا نعمل ؟
وإذا كنا نريد أن نصل إلى نتيجة سليمة في مجتمعنا اللبناني يفترض ان نبحث عن المشاكل الحقيقية و نبحث عن حلها لا أن نخترع مشكلة، كم شخصاً في لبنان عنده مشكلة زواج مختلط؟ يعني كم فتاة مسلمة في لبنان عندها مشكلة زواج مختلط من شاب مسيحي أو يهودي؟ وهل يا ترى من أجل هذا العدد القليل المحدود نغير ونضع تشريعاً يساعد على تفكيك كل الأسر لنحل مشكلة فرد من هذه الأسرة أو تلك، فيما لو افترضنا أنها مشكلة تحتاج إلى حل، مع العلم أن الموضوع ليس مرتبطاً بالإنتماء الإسلامي أو المسيحي بل هو موضوع قناعات، والكل يعلم أنه إذا أراد الرجل التزويج من امرأة وكانت آراؤها وأفكارها غير متجانسة فالزواج لا يدوم طويلاً ويصلان إلى الطلاق فيما بعد.
عندما نقول أن المنطق الإسلامي يركز على هذه الطريقة في الزواج ويمنع الزواج المختلط بين مسلمة وكتابي، لأننا نعتبر أيضاً أن الانسجام أساس من أجل بناء الحياة الزوجية ومن أجل استقرار الأولاد، ليبحث كل إنسان مع من ينسجم معه وليكون هناك مناقشات موضوعية في العلاقة الزوجية. يمكن للبعض أن يقول بأن فلاناً غيّر دينه من أجل أن يتزوج واعتبر أن قناعته بالشخص الآخر أهم من قناعته الدينية التي يحملها، ونقول هذا يعود له، لكنَّه بحث عن حل يعنيه وحل مشكلته بالطريقة التي آمن بها والتزم بها ولم يخرب الوضع الاجتماعي، ومن يستنكر أن يغير الإنسان دينه من أجل الزواج، نقول بأنها مسؤوليته هو، وإذا غير دينه والتزم بالتزامات جديدة أصبح لها معان ولها تطبيقات شرعية تعنيه كفرد، أما إذا دخلنا في الزواج المدني فهذا يعني أننا دمرنا الأسر من الداخل، علماً أننا لا ندعو إلى تغيير الدين ولا إلى هذه الأمور من أجل مجرد علاقة زوجية أو بناء علاقة بين شخصين قد تبنى على العصبية أكثر مما تبنى على القناعات الحقيقية، نحن نعتبر أن الانعكاس التربوي داخل الأسرة انعكاس خطير يترتب على القانون المقترح للزواج المدني، ونحن نعلم تماماً بأن المطروح هو زواج مدني اختياري وليس الزامياً، لكن هذا الزواج المدني الاختياري هو الذي ينشأ السلبيات التي ذكرتها لكم، ونحن لا نتكلم عن زواج مدني الزامي ولو كان كذلك لكان لنا بحث آخر.
كم شخصاً في لبنان عنده مشكلة؟ وإذا كان الأمر يرتبط بالاستفتاء الشعبي فقد قرأت رأي أجرته جريدة السفير يقول بأن أكثر من ثلثي اللبنانيين لا يقبلون بالزواج المدني، هذا إذا تكلمنا على المستوى الشعبي، علماً أن النسبة تزيد أكثر في الحالة الإسلامية لتصل في بعض الحالات من 85% إلى 90% لأنه ليس عندنا مشكلة حقيقية في موضوع الزواج وقوانين الأحوال الشخصية المرتبطة بالزواج والناس عندهم رضا عن الموضوع الشرعي وعما يترتب عليه، أنا أعتبر بأنه يوجد خلفية بعيدة المدى وراء هذا الطرح، رئيس الجمهورية لا يطرح هذا الأمر من أجل أن يحل مشكلة بعض البنات وبعض الشباب فقناعته قناعة بتحويل هذا البلد إلى بلد لا ديني بالكامل، والزواج المدني يساهم في تضييع الأنساب واختلاطها وتضييع الارتباط الشرعي كل في عقيدته والتزامه، مما يميع الشخصية الإيمانية إلى درجة يجعلها متحللة من كل التزام ديني ويجعل المجتمع مجتمعاً لا دينياً ولو عبر مدة طويلة من الزمن، فإذا كانوا يعتبرون أن المشكلة في لبنان هذه الذهنية التي تباعد بين الناس فليطرحوا إلغاء الطائفية السياسية لأنها هي أساس المصائب وليست المشكلة في زواج أو عدم زواج ، بل المشكلة في عقلية طائفية يدار البلد على أساسها ويرعاها ويغذيها المسؤولون فيه، وأستطيع أن أقول إننا اليوم في واقع ذهنية طائفية أكبر من أي فترة من الفترات بسبب طريقة أداء المسؤولين وتوزيع الحصص وتسعير الأحقاد الداخلية التي نشأت من توزيع المغانم، وهذا هو الذي يحتاج إلى حل في الواقع بإلغاء الطائفية السياسية بكل ما للكلمة من معنى، فإذا اعترض البعض بأنها حرية، أجبناه بحريته في بيته وأسرته، لا أن يشرع ما يخرب أسر المجتمع بأسره فهذه مسؤولية يتحملها الجميع، ونحن نمارس حقنا في الاعتراض والتوضيح والعمل البنَّاء لإسقاط هذا المشروع الخطير على أجيالنا، هذا عدا عن أن إيمان الناس وعقيدتهم لا تخضع للتجاذبات السياسية والحسابات الطائفية، فليعمل المسؤولون في اختصاصهم المرتبط بإدارة البلد وإنقاذه من مآسيه الاجتماعية والاقتصادية بدل إيجاد ملهاة تصرف الأنظار عن الأمور الرئيسة وترتبط بمصالح فردية.
إننا نرفض الزواج المدني بالشكل والمضمون والتوقيت ، وندعو إلى إلغاء الطائفية السياسية، ووضعها في دائرة التطبيق العملي بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية دون ربط لها بأي موضوع أو صفقة، وسيبقى اللاشرعي في حياة الناس مرفوضاً سواء كان مستقلاً أو جزءاً من مشروع، ونصيحتنا أن يسحب مشروع القانون من التداول والاكتفاء بالخسائر التي نتجت عنه حتى الآن، فلا يتحمل مجتمعنا في لبنان المزيد وهو المنهك بالأفكار التي تربك الساحة والمتلهف إلى ما ينقذها.