القرآن الكريم هو الكتاب الذي أنزله الله تعالى على خاتم الأنبياء محمد(ص) ليكون هداية للناس ضمن منهج كامل للحياة، فهو لم يترك أي جانب من جوانب الحياة الإنسانية إلاَّ وتعرض له بما يحقق الأهداف التي رسمها رب العالمين. { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينيا}(1).
لذا لا يمكننا التعاطي معه ككتاب علمي وإن تعرضت بعض آياته لأسرار الكون والخلق والحياة، ولا ككتاب تاريخ وإن ثبَّت لنا مجموعة هامة من الأحداث التاريخية بعرض دقيق وموضوعي، ولا كتاب فكر وإن ناقش أفكاراً عديدة وقناعات مناوئة وثبت حواراً مع المنافقين والكافرين والمبتدئين بالإيمان وأهل الكتاب، ولا كتاب إخبار بالغيب وإن قدم لنا مجموعة هامة من المعلومات والمعطيات المرتبطة بالآخرة وأحداثها، وعالم الجن وما يحيط به، وإشارات مستقبلية لحياة الإنسان، ولا كتاب عبادات ومعاملات تفصيلية وإن رسم قواعدها العامة وعرض لبعض التفاصيل أحياناً وبما لا يصل إلى تحديد كل المطلوب من الإنسان، ولا كتاب ثقافة عامة للإطلاع وإن كان يهيء لقارئه جملة من المعارف والحكم والتجارب تشكل رصيداً هاماً في المعرفة.إنه منهج حياة وهداية للعباد، إنه منهج يفصل بين الحق والباطل ويبين كلاً منهما بوضوح لا لُبس فيه، هو منهج يرسم المعالم الدقيقة للحياة السعيدة:{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}(2)،{ وكذلك أنزلناه آيات بينات وإن الله يهدي من يريد}(3).
إنه منهج متواصل عبر الأنبياء تكامل وتمّ مع نبينا محمد (ص) ليطبق في حياة البشرية:{لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز}(4)، وهو هدى إلى الإستقامة، إلى الطريق التي أرادها الله تعالى لنا، إنه هدى ينير الطريق المظلمة ويميز بين الخير والشر ويرشد لصلاح الدنيا وثواب الآخرة:{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً}(5)،{يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}(6).
وما الحشد من الأفكار والأدلة والأمثلة والتاريخ وما حواه هذا الكتاب العظيم إلا جزء لا يتجزأ من الهدف الأساس وهو الهداية إلى منهج الحياة، وإن خالف أكثرُ الناس وانحرفوا :{ ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا}(7).
إن التركيز على ثوابت الإيمان وأدلته، وسوق الأحداث التاريخية لإثبات فعاليته وأهميته، والتركيز على قوانين الحياة التي شرعها الله تعالى كضوابط تحكم حركة البشرية، وعلى التعاليم التربوية والأخلاقية والتوجيهات العبادية وكيفية المعاملات بين الناس وإقامة العدل وسن الجهاد وإعطاء الأولوية لسلوك الإنسان المنعكس من الإيمان... كلها دلائل واضحة على الإتجاه الذي أراده جلّ وعلا من القرآن الكريم وهو الهداية إلى الطريق المستقيم.
روى الإمام الحسن بن علي (ع) قال:" قيل لرسول الله :إن أمتك ستفتن فسئل ما المخرج من ذلك؟ فقال: كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، من ابتغى العلم في غيره أضلّه الله ..."(8)، ومعلوم أن الفتنة تعبير عن الإلتباس بين الحق والباطل ، ولا منقذ منها إلا القرآن الكريم. إذ مهما حللنا على المستوى الفكري ، وقارنا بين الأدلة، ومحَّصنا المقدمات التي تساعدنا على الحكم والإستنتاج، فسيبقى العجز المسيطر علينا ، والنقص المحيط بنا، عوامل مؤثرة في النتائج النهائية. إننا وعلى الرغم من مرور أكثر من ألف وأربعمائة سنة على اكتمال نزول القرآن ومع تفسير الرسول الأكرم(ص) له وما نقله الأئمة(ع) وغيرهم، فإن الاختلاف في التفسير وإصدار بعض الأحكام ، فضلاً عن إعراض البعض عن تعاليم القرآن، يبين الهوة الواسعة التي أودت بمجتمعاتنا إلى الضلال والفساد والتبعية. فحري بنا أن نعود إلى المقياس الثابت والواضح والمحفوظ عبر التاريخ :{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(9)، وهذه نعمة كبرى تساعدنا على الإنطلاق الصحيح وتلمس طريق الهداية من بدايته.
هذا القرآن الممول الدائم لعقيدتنا وفكرنا وروحيتنا وحياتنا ، وهو الموجه نحو الإستقامة والدال على الزيغ والإنحراف لنتجنبه، إن أمير المؤمنين علي(ع) يبين الخطوط العريضة للإستفادة من قرآن الحياة:" اعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى، أو نقصان من عمى"(10).
إن استفادتنا الحقيقية من القرآن الكريم يتطلب منّا رعاية أمور ثلاثة:
أولاً : عدم التجزئة في أخذ بعض آيات القرآن وترك البعض الآخر، بأن نختار ما يتلاءم منها مع مصالحنا ورغباتنا دون الالتزام بالتوجيهات الإلهية في مسائل الحلال والحرام وفي هذا يقول تعالى:{ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان، وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم*أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض * فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون}(11)، عدا عن التشويش الحقيقي الذي يحصل في الفكر والسلوك بسبب إختلاط المناهج وعدم الإعتماد على منهج واحد متكامل مبني على أسس سليمة وواضحة ومترابطة.
ثانياً:إعتماد التفسير الصحيح الذي سلكه علماؤنا الأعلام في العودة إلى النبع، مع النبي (ص) والأئمة(ع) والصحابة الأجلاء والفقهاء العدول الذين قدموا لنا كل المعطيات الصحيحة لإدراك المطلوب منّا. أما الإعتماد على الرأي، والعودة إلى اللغة العربية وتفسير معاني الكلمات ، بعيداً عن أسباب النزول والأحاديث الشريفة والربط بين الآيات في العام والخاص والمطلق والمقيّد، وكذا الإستنساب في التفسير والتحليل، فهو مهلكة حقيقية لأنه يعبر عن الرأي الشخصي لمطلقه ولا يعبر عما أراد الله إيصاله إلينا، لأن المسألة لا تعتمد على الفهم الشخصي بعيداً عن قواعد وضوابط الوصول إلى فهم النص الإلهي.
وقد قرأت كتاباً لأحد المؤلفين بلغ أكثر من سبعمائة صفحة لم يعتمد فيها على أية رواية أو حديث، بل اكتفى بمخزونه اللغوي وبدأ يفسر كما يفسر معاني الألفاظ في دروس القراءة العربية معتبراً أنه قد قدم إنجازاً متطوراً، علماً أنه وصل إلى مخالفات قطعية لأحكام إلهية ثابتة عند جميع المسلمين ومنها آية غض البصر لقوله تعالى :{ وقل للمؤمنات يغضضن أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها* وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن...}(12)، حيث أعتبر أن المقصود بغض البصر هو أن لا ينظر البعض إلى البعض الآخر في مواقف لا يحب أن ينظر إليه فيها ، أما إذا لم يوجد حرج ولا منع من الطرف الآخر فلا مانع من النظر. أما إبداء الزينة فهو للزوج كما للآخرين من الآباء والأبناء... .. وهذا يعني"جواز ظهور المرأة عارية أمام كل هؤلاء إذا حصل ذلك عرضاً، فإن تحرجوا من ذلك فهو من باب العيب والحياء (العرف)وليس من باب الحلال والحرام لأنه شملهم مع الزوج".إن هذا المنهج يبعدنا تماماً عن التفسير الصحيح لأحكام القرآن الكريم .
ثالثاً: عدم إعطاء السلوك العملي بعداً قرآنياً وإسلامياً إلا إذا كان منطبقاً عليه، وهذا يتطلب فهماً دقيقاً وواضحاً لأحكام القرآن، فلا يكفي أن يقنع الإنسان نفسه بسلوك الطريق الصحيح لأنه يتقرّب من المعاني والأجواء الإسلامية، فلا بدّ من المطابقة الفعلية للأحكام بطريقة لا تقبل الشك أو التردد أو الإلتباس. وإلا يكون مثله كمن أصر على السير في طريق معتقداً أنها توصله إلى هدفه ثم يتبين له الإبتعاد التام عن هذا الهدف لأنه سار عكس الطريق إذ لم يدقق فيها من البداية ولم يراع انسجام السير مع صحة العلامات الدالة على المقصد. هذا قد يؤدي في النهاية إلى مصداق الآية :{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}(13).
إن مفتاح العلم السؤال ، ويمكن للعمل أن ينتظر حتى يطمئن الإنسان إلى صحة مساره، وفي مثل هذه الحالات يكون الإحتياط أولى، ومن الضروري عدم الإستخفاف حتى بأبسط الأمور، وعدم نسبة أي شيء للإسلام إلا مع التأكد، حتى لا تتعمم ثقافة الإحتمالات التي تنتقل إلى أحكام مبرمة وتتحول إلى أخطاء شائعة تحرفنا عن المسار. إنها منهجية في السلوك تؤدي إلى الإستهتار والتفلت من الضوابط الدقيقة ، ومعالجتها يكون بالاطمئنان إلى انطباق السلوك مع الأوامر الشرعية كما هي، سواء انسجمت مع الرغبة أم خالفتها ، واكبت العادات المألوفة أم عارضتها، وهذا يتطلب منهجية تؤكد على العزم في تبني التفسير الصحيح من منابعه الحقيقية والصحيحة والتي توصلنا إلى مطابقة العمل لأوامر القرآن الكريم.
السنن الإلهية :
ركز القرآن الكريم على السنن الإلهية الحاكمة في الكون والإنسان والحياة، وهي القوانين الإلهية التي تحكم الخلق، ولا يمكن لأحد أن يتجاوزها، وتشكل معرفتها رصيداً هاماً يساعدنا على معرفة الدائرة التي نستطيع التحرك فيها، والأسقف التي يمكن الوصول إليها، حتى لا تكون حركتنا في دائرة الفراغ، بل تكون منسجمة مع النظام الكوني العام الذي خلقه الله تعالى. وسأعرض عدداً من النماذج لتتضح الصورة أكثر.
أ - ازدهار المجتمع أو هلاكه: إن الإيمان بالمنهج الإلهي واتباع تعاليم السماء يؤدي إلى إستقامة في المجتمع وصلاح في حياة الناس، فتنتظم أمورهم ويعم العدل بينهم، وهذا يعني استقرار الدولة وطول حياتها، مما يشعرها ويشعر الأفراد فيها أنهم منعمون بالخيرات، ويسود التكافل بينهم، وينضبط الحاكم والرعية في إطار إحقاق الحق ، مما يحقق للمجتمع سعادته ورخاءه ، يقول تعالى:{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض...}(14).
أما الانحراف عن المنهج الإلهي ، وعدم التزام قادة القوم والفعاليات السياسية والاجتماعية في المجتمع بهذا المنهج، واتباع السبل الأخرى التي تتعارض معه، فإنه سيؤدي إلى الفسق والفساد حيث تظهر الآثار جلية في كل مواقع المجتمع ، سواء على مستوى الحاكم ومن يمسكون السلطة معه، أو على مستوى الرعية والخط السائد بينهم بسبب موافقتهم وتأييدهم لهذا الحاكم أو صمتهم عنه. وعندما لا تكون العلاقات والأدوار مبنية على الخشية من الله تعالى ورعاية رقابته فإن الظلم والغش والمحسوبيات واستغلال شؤون الدولة من النتائج الطبيعية لهذا السلوك، وهذا ما يراكم الأزمات لتصل إلى الانفجار ثم إلى هلاك المجتمع.يقول تعالى :{ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}(15).
فالمعادلة الإلهية واضحة: ازدهار للمجتمع وبركات وخيرات مع الإيمان وسلوك المنهج المستقيم وهو شرع الله تعالى ، وهلاك للمجتمع وفسق وخراب وظلم مع الانحراف وعدم الطاعة لله تعالى .
ب_ الآجال بيد الله تعالى : الأعمار بيد الله وكل نفس ذائقة الموت، ومهما حاول الإنسان فليس بإمكانه أن يحدد أجله ولا أن يقدمه ولا أن يؤخره، ومهما أجرى من احتياطات في حياته فإن سبب الموت قد يكون مفاجئاً للجميع، فكم من مختبئ أثناء الحروب يموت في ملجئه، وكم من مقاتل لم يترك موقعاً من مواقع القتال إلا وتواجد فيه يبقى على قيد الحياة إلى أجل مسمى، ومهما وصل مستوى التقدم الطبي لمعالجة الأمراض فإن قدرة الطبيب تتوقف عند حد يشعر معه بالعجز قائلاً: الأعمار بيد الله ، وقد قمنا بما علينا .
إنها حقيقة إلهية في جهل الإنسان بتوقيت موته، وجهله بالأسباب التي ستكون سبباً له ، وعدم القدرة على دفعه ومنعه عندما يحين الوقت المعلوم ، وفي هذا يقول تعالى على لسان النبي (ص) :"قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعا إلا ما شاء الله، لكل أمة أجل ، إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"(16)، "ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"(17).وهل ينفع الإنسان اتخاذ الإجراءات الاستثنائية لدفع الموت؟ يقول تعالى :{أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة..}(18). فالأفضل أن لا تتعب نفسك أيها الإنسان، فقم بما عليك وتوكل على الله تعالى، وكما قال أمير المؤمنين علي(ع):"كفى بالأجل حارساً"(19)، فأنت محروس بأجلك ، فلا تعش قلقاً ولا تجهد نفسك خارج هذه الدائرة، وتصرف بشكل طبيعي كما هي مستلزمات الحياة ، وانتظر أن يأتيك الموت في كل لحظة، فأنت لا تستطيع الجزم بالتوقيت حتى لو كانت حياتك طبيعية بمنظارك أنت، إذا قد لا تكون توقعاتك صحيحة، ولذا كان التوجيه الرائع في الحديث النبوي الشريف:"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً"(20).
ج-النصر للإيمان والاندحار للظلم: المواجهة دائمة بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين العدل والظلم، وعندما يسود الظلم فإنما يكون ذلك بسبب توفر المقومات المادية لذلك مع ضعف القدرة المقابلة له، لكن لا بدَّ له من سقوط مريع فهذه هي السنة الإلهية، وهو إمَّا أن يسقط بسبب إسقاطه من خلال الذين يواجهونه ، وإمَّا أن يأتي التدمير السماوي له بسبب وصوله إلى مستوى الأفق المسدود للصلاح، يقول تعالى:{ ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين}(21)، وقال{وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً}(22)، وقال أيضاً:{فبدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون}(23).
في المقابل فإن المؤمنين منتصرون شرط أن يعدوا العدة اللازمة لذلك ويقوموا بما عليهم، فالنصر لا يعطى منحة في صراع الإيمان والكفر ، إنما هو نتيجة اختبارات وتضحيات تنطلق من هذا الإيمان :{يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}(24). ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فخلافة الله تعالى على الأرض ستكون بقيادة المؤمنين كنتيجة نهائية للصراع{ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}(25). علماً أن كل الروايات تؤكد على ظهور صاحب العصر والزمان الإمام المهدي(عج) ليملأ الأرض بالعدل ، ففي الحديث عن الرسول (ص) :" لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، ولو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه، لم يخرج حتى يظهر ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً"(26)، وهذا لا يعني أن الانتصار مقتصر على هذه المرحلة من حياة البشرية، بل هو قائم في كل مرحلة يؤدي فيها المؤمنون ما عليهم فعنوان النصر هم المؤمنون { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}(27). وهذا منسجم مع منهجهم الأفضل واستقامتهم وسلامة مشروعهم ، يبقى الاستحقاق لهذا النصر والذي يتطلب إعداد العدة والقيام بالجهد اللازم وإن كان المطلوب أقل مما هو عند الكافرين بسبب فعالية الإيمان بشحذ الهمم وإعطاء قوة إضافية غير متوفرة عند الآخرين ، وهو ما حصل في الانتصار الكبير في معركة بدر الكبرى، حيث قال تعالى { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون}(28)، وقال {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال*إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون}(29)، وكما حصل في انتصار المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان على العدو الإسرائيلي المدجج بكل أنواع السلاح والدعم السياسي الدولي .
القواعد العامة في بناء الشخصية :
وهي قواعد لبناء الشخصية الإسلامية، والتي تعتبر أهدافاً تستوجب منّا السعي للوصول إليها، حتى نتجه نحو الكمال الإنساني، ونكون منسجمين مع فطرتنا، وهي التي تشكل الأرضية الصالحة لإيمان ووعي وسلوك مستقيم على مستوى الفرد، ولمنهجية التزام وإدارة وعلاقات وحكم على مستوى المجتمع.
أ-التوازن: لكل أمر في حياتنا ما يؤدي إلى الإفراط أو التفريط ، أو ما بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، وكلاهما مفسدة بشكل عام، أما التوازن فيما بينهما فيحقق المطلوب دون الوقوع في مشكلة التقصير أو التضييع للهدف. وكلمة توازن يمكن تفسيرها بحسب الهدف المقصود، ولكن ما نريد قوله هو القاعدة العامة التي وجهنا إليها القرآن والتي يُعتبر الإنفاق واحدة من تطبيقاتها ، حيث المطلوب هو التوازن في الإنفاق، فالإسراف مهلكة والتقتير مهلكة، فكما يؤدي الإسراف إلى ضياع المال والتفريط به والإساءة إلى النعمة، كذلك يؤدي التقتير والبخل إلى الحرمان والتضييق على العيال والأولاد وعدم الاستفادة الصحيحة من نعم الله تعالى. يقول تعالى:{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكانوا بين ذلك قواما}(30)، ويقول أيضاً:{ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً * إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيراً بصيرا}(31).
إن توجيه حياتنا بطريقة متوازنة في الإنفاق وملذات الدنيا المحللة وطريقة إدارتنا للأمور، يساعدنا على المستوى النفسي والعملي ، ويجعلنا قادرين على القيام بواجباتنا تجاه الآخرين. هذا التوازن مطلوب بين الروح والجسد بإعطاء كل واحد منهما حصته، وبين الفرد والمجتمع بأداء حقوق كل منهما، وفي كل مجال يؤدي فيه الإخلال بالتوازن إلى انحراف نحو هذه الجهة أو تلك مع فقدان الفعالية المطلوبة والنتيجة السليمة التي نريد الوصول إليها.
ب _ بيع النفس لله تعالى : قال تعالى:{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}(32). لا يوجد تعبير أبلغ من كلمة اشترى كتسليم مطلق للمشتري وهو الله تعالى ، حيث يشمل هذا التسليم النفس والمال، وهو قمة التفاعل مع الله والتخلي عن الدنيا والذوبان في الأمر الإلهي وإزالة جميع الحواجز التي تعيق العطاء والتضحية في سبيل الله تعالى. في المقابل لا يوجد أي وعد دنيوي مباشر {فيقتلون ويقتلون}فالنتيجة غير مضمونة الإيجابية المؤكدة، ولكن المؤكد هو الفوز العظيم الحقيقي {لهم الجنة}. وهذه القاعدة تنطلق من تربية الإنسان على حالة من السمو يستسهل معها كل الصعوبات، ويؤدي معها كل الأوامر، وينتهي عن كل المحرمات وذلك باسترسال طبيعي كخط متأصل في هذه الشخصية التي وصلت إلى مرحلة البيع لله تعالى.
إن الوصول إلى هذا المستوى هدف بحد ذاته، فالكثير من المشاكل تحل معه، والكثير من المعيقات تسقط معه. ومهما اقتربنا من الرقي النفسي والعملي، فإن الأرقى هو الوصول إلى حالة التفاني في سبيل الله ، وهي حالة لا ترتبط فقط بمعركة قائمة بل تؤسس لتربية لمعركة محتملة أو لروحية حاضرة لكل أنواع التضحيات حتى ولو لم يصل الأمر إلى معركة عسكرية مع العدو. إنها حالة روحية قادرة على التعالي والإستخفاف بملذات الدنيا ومغرياتها ، وهي متماهية مع سعادة يعيشها المؤمن في كل لحظة من لحظات العطاء، فهي ليست مصاحبة للمرارة والأسى بل هي مصاحبة للاطمئنان والارتياح.
ج- بناء الأخلاق:إن السلوك العام للفرد في تعاطيه مع الآخرين في إطار العلاقات الاجتماعية الخاصة والعامة هو التعبير المباشر عن المضمون الذي يحمله، ولا يمكن الفصل بين التربية الإيمانية وروحية الإرتباط بالله تعالى من ناحية والإنعكاس الأخلاقي في تصرفات الفرد من ناحية أخرى. فالأخلاق ليست توجيهاً منفصلاً عن المنظومة الكاملة لبناء الإنسان ومجتمعه ، وهي ليست في مجال دون آخر، إنها تمثل خطاً سلوكياً يتحول إلى أداء طبيعي دون تكلف أو عناء كثمرة من ثمار الإلتزام الإسلامي .
لقد وصف القرآن الكريم رسول الله محمد(ص) بصفة الأخلاق بطريقة تبرز مكانة هذه الصفة وأهميتها {وإنك لعلى خلق عظيم}(33)، وقد ذكر الرسول (ص) هدف الرسالة الإسلامية بقوله:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"(34)، ونقل الإمام الرضا(ع) عن آبائه عن رسول الله(ص):"عليكم بمكارم الأخلاق، فإن الله عزَّ وجل بعثني بها، وإن من مكارم الأخلاق أن يعفو الرجل عمن ظلمه، ويعطي من حرمه ، ويصل من قطعه، وأن يعود من لا يعوده"(35). إننا نجد التوجيه منصباً على أعلى مراتب السلوك الإنساني الكامل في أخلاقية واضحة تبرز من خلال التوجيهات التفصيلية.
فالأخلاق المطلوبة ليست لياقة اجتماعية منمقة، وليست كلمات وعبارات معسولة، وليست في مجتمع المؤمنين الضيق كمبادلة ثنائية خاصة، بل هي سلوك في كل المواقع تأخذ بعين الاعتبار مبادلة التصرف السيئ بالسلوك الحسن، فالأخلاق أن تعفو عمن ظلمك إذ لا محل للعفو كصفة أخلاقية مع عدم وجود الظلم الفردي ، وأن تصل رحمك عندما يقاطعك لأي سبب من الأسباب، فالوصل هنا أبلغ بكثير من التبادل الطبيعي لصلة الأرحام ، وهكذا نجد التوجيه منصباً على السلوك الذي يبرز قيمة إنسانية يتعالى معها الإنسان عن كل صغائر الأمور، ويفكر دائماً كيف يعطي قربة لله تعالى ، وكيف يكون خلوقاً كتعبير مباشر عن الإيمان بالله تعالى دون أن يأخذ بعين الاعتبار أي بدلية، وبهذا السلوك يكون مرتاحاً، فمناخ الأخلاق الحسنة سينعكس على المجتمع إيجابيات عظيمة، ويعبر عن إيجابية الفرد وينعكس أيضاً إيجاباً على روحيته ونفسيته.
إنه توجيه لمفردات السلوك المختلفة ، يتبين من خلال توجيهات لقمان لابنه وهو يعظه بحسب ما ورد في القرآن الكريم:"يا بني أقم الصلاة وأمُر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور، ولا تصغر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور، واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير"(36). هذا التوجيه لا يهتم بجانب دون آخر، بل يشمل كل جوانب الشخصية والحياة.
إن السنن الإلهية والقواعد العامة تشكل أسس المنهجية الصحيحة للتربية والتي يمكننا العودة إليها وهي الإطار الجامع لتوجيه الشخصية، وتندمج تحتها كل التفاصيل الأخرى سواء وردت في القرآن الكريم أم في الأحاديث الشريفة. فالتفاصيل الواردة في القرآن تستهدف التوجيه والإرشاد والتربية لا كأجزاء مبعثرة أو أفكار متناثرة بل كخطوات يكمل بعضها البعض الآخر لتشكل نموذجاً من الأجزاء الضرورية التي توضح السنن والقواعد، والتي تبقى خاضعة لسقفها وعناوينها.
التربية القرآنية :
إن الطريقة التي اعتمدها القرآن الكريم في توزيع السور والآيات هي طريقة تربوية بامتياز، ويلاحظ المتابع للآيات في المجالات المختلفة توجهاً عاماً لتثبيت الفكرة والتعبئة بها، وليس العرض لأجل توفير المعرفة فقط، بل تبين الآيات جملة من الأهداف التي تصل إليها ومن أبواب مختلفة إلى التقوى والخشية من الله تعالى والانتهاء عن الفحشاء والمنكر والإحسان وتحصيل ثواب الجنة.... وكلها نتائج لتربية شمولية لجوانب الشخصية كافة توصل في النهاية إلى تحقيق الالتزام بمنهج الإسلام .
فالقرآن الكريم لا يتعب حامله ولا يعذبه ولا يشقيه ، بل يربيه بتذكيره لخالقه وربطه به في إطار الانسجام مع الفطرة وتحقيق التواصل مع رب العباد{طه* ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى* إلا تذكرة لمن يخشى* تنزيل ممن خلق الأرض والسماوات العلى}(37). إنه موجه لإحداث نقلة نوعية في داخل النفس الإنسانية التي تعيش الخشية والخشوع والخضوع لله تعالى، وما لم تتحقق هذه النقلة لا يتحقق الهدف الكامل ، وعلينا عندها أن نبحث عن الموانع والحجب التي تقف في طريق التأثير القرآني على هذه النفس الإنسانية.
هذه النظرة إلى القرآن هي نظرة واقعية تنسجم مع كونه كتاباً لهداية العباد، وقد تم تأكيدها من خلال القرآن نفسه كما في آيات كثيرة منها{ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم...}(38)، كما أكد الرسول محمد(ص) بقوله:" إن أردتم عيش السعداء وموت الشهداء، والنجاة يوم الحسرة، والظل يوم الحرور، والهدي يوم الضلالة، فادرسوا القرآن ، فإنه كلام الرحمان، وحرز من الشيطان، ورجحان في الميزان"(39). وقد بين أمير المؤمنين علي (ع) صفة القرآن بقوله:" جعله الله رياً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاجّاً لطرق الصلحاء، ودواء ليس بعده داء، ونوراً ليس معه ظلمة..."(40).
فالقرآن يربي بمنهجه وتوجيهاته، وقد بينا ذلك عندما تحدثنا عن الأخلاق كقاعدة وما مثلته توجيهات لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه، إضافة إلى ما ورد في آيات كثيرة منها ما ورد في صفات عباد الرحمان كتعليم مباشر للسلوكية المطلوبة ، يقول تعالى :{ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما *والذين يبيتون لربهم سجداً وقياما* والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما* والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلاَّ بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى آثاما}(41). مع ملاحظة أساسية في كيفية ربط الآيات ببعضها البعض ، حيث تتحدث آية عن طريقة المشي والخطاب، ثم تأتي التالية لتتحدث عن السجود والقيام كعبادة في الليل المقرب من الله تعالى، ثم آية الدعاء لله أن يصرف عذاب جهنم، ثم يتم التأكيد على سلامة العقيدة في الدعوة إلى الله وحده، ليتم بعدها الالتزام بالأوامر الإلهية بعدم قتل النفس المحرمة والإبتعاد عن الزنا الخ... مما يؤكد التربية الشمولية المتكاملة والمترابطة في العقيدة والعبادة والسلوك... .
هذا الأمر يتكرر بنفس المنهجية التربوية في مطلع سورة المؤمنون{ قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون* والذين هم عن اللغو معرضون* والذين هم للزكاة فاعلون* والذين هم لفروجهم حافظون* إلاَّ إلى أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين*فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هو العادون* والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون* والذين هم على صلواتهم يحافظون* أولئك هم الوارثون* الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}(42). فخشوع الصلاة كعبادة يتبعه الابتعاد عن اللغو وهو طريقة في الأداء السلوكي ، ثم يتحدث عن دفع الزكاة، والانضباط في دائرة الزوجية وملك اليمين، ويأتي أداء الأمانة والوفاء بالعهد لتكون العودة إلى المحافظة على الصلاة والثواب هو الجنة.
إن الشروط التفصيلية المتعلقة بالشكل لا تكفي لتحقيق الغرض التربوي ، فالتوجه في الصلاة إلى القبلة أو أي توجه إلى جهة بهدف تنفيذ الأمر الإلهي في ذلك، لا يغني عن السلوك المنعكس من هذا التوجه، بل لو اقتصر الأمر على الشكل لما تحقق الهدف ، يقول تعالى :{ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}(43).
وهذا ينطبق على كل العبادات في الإسلام فالهدف منها صقل الشخصية المؤمنة وإيصالها إلى درجة من الالتزام تصبح معه سالكة في طريق الهدى، ومهيأة للنمو في هذا الاتجاه ، بحيث ترتقي من حالة إلى أخرى، وذلك مع المتابعة والمثابرة والمراقبة الدائمة. إن عبادات الإسلام ليست مجرد حركات وأشكال لذاتها، إنما تحمل أهدافاً تربوية فعلية، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر{ قل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون}(44)، فإذا لم تنهه عنهما تكون قاصرة عن أداء الوظيفة الحقيقية، وإن سقط التكليف بأداء الصلاة وفق شروطها العامة ، لكن على المرء أن يسعى ليحقق المطلوب منها وإلاَّ ضاعت الفائدة وبدأ ينعكس هذا الضياع على مجمل الشخصية .
وقد عبّر الشهيد السعيد السيد الصدر(قده) عن تكليف الصلاة وغيرها من العبادات ، بالتمييز بين سقوط التكليف ودرجات القبول، فمن أدى صلاته وصومه وحجه ... بالضوابط التي تراعي كل الشكل المطلوب فقد سقط تكليفه أداءً ، ولكن من تفاعل روحياً وعملياً وحصل على آثار العبادة فقد حصل على درجة من درجات القبول، وهو الترقي في سلم الإيمان والثواب، وتختلف الدرجات بين فرد وآخر بحسب درجة التفاعل، فتكون مرتبة القبول أعلى إذا كان التفاعل أكبر.
هذا الأمر ينطبق على الصيام {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلم تتقون}(45)، فالصوم يهدف إلى إيصال العبد إلى التقوى ، وهي درجات تتبع مدى التفاعل والتأثر ، ويسقط التكليف بنفس الصوم بشروطه لكن " كم من صائم ليس له من صيامه إلاَّ الجوع والعطش" كما ورد في الحديث الشريف ، فالمرء لا يصل إلى درجة من درجات التقوى إلاَّ إذا راقب نفسه وتابعها وأكد صلتها بالله تعالى وعمل على الاستفادة من هذه العبادة الإلهية. وما تحدثناه عن الصلاة والصيام ينطبق على كل العبادات.
وعندما نتحدث عن الطريقة التربوية القرآنية، فهذا لا يعني أن الأمر يقتصر على العبادات وانعكاساتها على جوانب متعددة من المعاملات مع التوجيهات المخصصة لها ، بل يشمل دوائر حياة الإنسان الإيمانية والفكرية والاجتماعية والسياسية والثقافية ... بما لها من انعكاس على الفرد والمجتمع وبما يرتبط بالحياة الشخصية وإقامة الدولة ،مع ما يستلزم من حاكمية الإسلام والعلاقة بين الحاكم والرعية، ونظام للعقوبات يشكل حماية للمجتمع والدولة ويؤدب الفرد للإقلاع عن الانحراف.
فالدعوة إلى الجهاد في الله هو استنفاذ ما في الوسع بإطلاق لا حدود له إلا قدرة الإنسان، والأمر يعود إلى قراره والتزامه، والمسؤولية تتجاوز حدود الفرد ليكون شاهداً على الناس، وهي مسؤولية غير مختصة بجانب دون آخر، فجاهدوا أنفسكم ، وجاهدوا في معاملاتكم ، وجاهدوا أعداء الله، وجاهدوا الظلم والانحراف، وجاهدوا من أجل إعلاء كلمة الحق وإعزاز الأمة، وجاهدوا لآخرتكم ،.... {وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}(46).
محاضرة ألقيت في المعهد الإسلامي للمعارف الحكيمة
بتاريخ 13 و 14 رجب 1422ه الموافق 1و2 تشرين الأول 2001م
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
(1) المائدة 3. 37- طـه1-4.
(2) البقرة 185. 38 - الإسراء 9.
(3) الحج 16. 39- بحار الأنوار-ج89-ص 19.
(4) الحديد 25. 40- نهج البلاغة-خطبة198.
(5) الإسراء 9. 41- الفرقان 63-68.
(6) يونس 57. 42- المؤمنون 1-11.
(7) الإسراء 89. 43- البقرة 177.
(8) بحار الأنوار -ج89 ص 27. 40 - العنبكوت 45.
(9) الحجر 9. 45- البقرة 183.
(10) نهج البلاغة -خطبة 176. 46- الحج 78.
(11) البقرة 85.
(12) النور 31.
(13) الكهف 104.
(14) الأعراف 96.
(15) الإسراء 16.
(16) يونس 49.
(17) النحل 61.
(18) النساء 78.
(19) نهج البلاغة - الحكم 306.
(20) ميزان الحكمة -ج1-ص 35.
(21) يونس 13.
(22) الكهف 59.
(23) الأعراف 162.
(24) محمد7.
(25) القصص 5 .
(26) منتخب الأثر ص 141.
(27) الروم 47.
(28) آل عمران 123.
(29) الأنفال 65.
(30) الفرقان 67.
(31) الإسراء 29-30
(32) التوبة 111.
(33) القلم 4.
(34) مستدرك الوسائل - الميرزا النوري -ج11 -ص 187.
(35) الأمالي -الشيخ الطوسي - ص 478.
(36) لقمان 17-19.