أنشطة ولقاءات

ندوة وحفل توقيع كتاب "مجتمع المقاومة" لسماحة الشيخ نعيم قاسم الذي أقيم في بعلبك في 21/6/2008 (كاملاً)

أقام القسم الثقافي في منطقة البقاع في حزب الله حفل توقيع لكتابي سماحة الشيخ نعيم قاسم "حزب الله" و "مجتمع المقاومة" سبقها ندوة لمناقشة كتاب "مجتمع المقاومة" شارك فيها كلٌّ من سعادة النائبين مروان فارس واسماعيل سكرية ومدير معهد العلوم الإجتماعية في البقاع الدكتور علي زيتون.

أقام القسم الثقافي في منطقة البقاع في حزب الله حفل توقيع لكتابي سماحة الشيخ نعيم قاسم "حزب الله" و "مجتمع المقاومة" سبقها ندوة لمناقشة كتاب "مجتمع المقاومة" شارك فيها كلٌّ من سعادة النائبين مروان فارس واسماعيل سكرية ومدير معهد العلوم الإجتماعية في البقاع الدكتور علي زيتون.

وكانت بداية مداخلة للدكتور مروان فارس جاء فيها:

المحاضرات الخمس في هذا الكتاب تطرح مقولات حزب الله في صياغة مشروع المقاومة، يقدمها الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله كنموذج ثابت للانتصار على العدة، وكي لا نعيد تقديم الأفكار التي يتناولها نتوقف عند جملة من النتائج التي يمكن استخلاصها في بناء السياسة الجديدة للحالة المقاومة في بناء السياسة اللبنانية الجديدة:

- أولاً: السياسة العامة: اعتمد لبنان منذ تأسيسه في تسوية عام 1943 على مقولة"قوة لبنان في ضعفه" وهذه سياسة التي تم اعتبارها لحقبة طويلة من الزمن، مبعثاً للازدهار الذي أنتجه النظام الاقتصادي الحر، أي نظام الشركات المتوحشة لأنها متعددة الجنسيات، وهذه السياسة أوصلت البلد إلى الاعتقاد بأن مقولة الاستسلام للعدو في مشاريعه للمنطقة العربية هي المشاريع المنقذة له في بناء حالته الاجتماعية والاقتصادية التي حققت له الازدهار إلاَّ أن هذه السياسة أدَّت في عام 1958 إلى تدخل القوات العسكرية الأجنبية الأمريكية في شؤونه الداخلية، وهذا التدخل الأمريكي في عام 1958 كان مقدمة للتدخل الإسرائيلي عام 1982، وفي الحالتين مثل التدخل هذا احتلالاً أجنبياً للوطن، فكان الرد في الحالتين بالمقاومة، هزمت الولايات المتحدة الأمريكية ومن ثم هُزمت إسرائيل إلى أن هزم الطرفان معاً في عامي 2000 و 2006م.

إذاً استطاعت المقاومة أن تسقط في آنٍ معاً مقولة قوة لبنان في ضعفه كما أسقطت فيما يلي قدرة الاحتلال في فرض مشروع الشرق الأوسط الكبير في لبنان، ذلك المشروع الذي عبرت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية السيدة كونداليسا رايس في إسرائيل بمشروع الشرق الأوسط الجديد. أهم ما في المسألة هذه أن هذا الأمر جديد، لبنان الصغير يصبح كبيراً في المحيط القومي ويصبح كبيراً في الإطار الإسلامي والعالمي.

- ثانياً: النموذج الجديد: إن صناعة النموذج الذي يتكلم عنه الكتاب هي في الجوهر صناعة منتصرة، إن إنتاج مفهوم"قوة لبنان في قوته" كان رداً قاسياً على مفهوم "قوة لبنان في ضعفه" ما يعني بأن المقاومة قد أنتجت عصراً جديداً على الساحة اللبنانية. وأهم من ذلك يتمثل في أن هذا العصر قد أصبح عصراً عربياً ثم أصبح عصراً إسلامياً. إن الأمر في ذلك ينعكس على السياسة الدولية حيال لبنان وحيال المنطقة العربية. فمساندة خط الممانعة في الجمهورية الإسلامية في إيران وسوريا للمقاومة في فلسطين وفي لبنان قد أدَّى إلى الانتصار في فلسطين وفي لبنان انطلاقاً من نضال أبناء المقاومة في الكيانين، وانطلاقاً من فكرة القدرة على تحقيق الانتصار، وبالتالي من القدرة على هزيمة فكرة الحصار الدولي. فتذهب إيران في مشروعها لإنتاج الطاقة النووية السلمية غير آبهة بمشروع الحصار الأمريكي، وتذهب سوريا في مشروع التحالف مع المقاومة في فلسطين وفي لبنان، ويؤدي الأمر في كلتا الحالتين إلى إنكسار المشروع الغربي أمام المشروع القومي والمشروع الإسلامي، فتتراجع أوروبا أمام سوريا وتتراجع أمريكا أمام إيران، ينتصر الخط المقاوم في العالم تماماً كما انتصر الخط ذاته في لبنان.

- ثالثاً: عامل الانتصار: في هذا الرسم العام يأتي كتاب الشيخ نعيم قاسم ليشكل جملة من الإضافات العقائدية من الإسلام إلى ولاية الفقيه، من نهج المقاومة إلى الاعتبارات الأساسية المؤدية إلى تشكيل القوة بالاعتماد على العقيدة وعلى دور المرأة ودور التربية وأركان المجتمع المقاوم، فينطلق كل ذلك من بناء المجتمع الجديد الذي أعادت المقاومة تحديده، تحديداً جديداً إلى تشكيل النموذج الذي تمتد آفاقه إلى اتساع الأمة في تكونها في حركة الواقع والتاريخ. إنَّ تحقيق الانتصار في عام 2000 وفي عام 2006 أعاد الحلم إلى أذهان الأجيال الجديدة، فيمثل كتاب الشيخ نعيم قاسم احتمالاً من الاحتمالات التي أدَّت إلى التفكير بأن إزالة إسرائيل إمكانية يمكن للمقاومة أن تحولها إلى حقيقة، بذلك يصبح كلام الرئيس الإيراني محمود أحمد نجاد حول هذا الموضوع احتمالاً أكدته الثورة الإسلامية في إيران، وأكدته المقاومة في لبنان والانتفاضة في فلسطين.

إنَّ عودة الأمل إلى العقل العربي إشارة أكدتها المقاومة في لبنان، وكتاب الشيخ نعيم قاسم إشارة هامة في حركة الواقع ليصبح الانتصار الذي يدعو إليه هو حقيقة في التاريخ.

ثم كانت مداخلة للدكتور اسماعيل سكرية:

الكتاب قيم جدا ، وهام جدا ، بما تضمنه من معلومات وشروحات ، حول مفهوم " المجتمع المقاوم " ، والسعي إلى بنائه ، بنهج " إيماني عقيدي جهادي" يحشد كل الطاقات الثقافية والسياسية والاجتماعية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية وغيرها، وما سلطه من أضواء على عمق وأسس متطلبات هذا التحدي الكبير ، وخاصة بوجه العدو الأخطر في تاريخ المنطقة " إسرائيل والمشروع الصهيوني"، فجب بذلك ما سبقه من تجارب مقاومة ولكن، باعتراف لائق ووفي ومسؤول بدورها، وما تركته من دروس وعبر أفادت في التعلم والتطوير...

في الفكر ، يحدد الشيخ نعيم المنطلق والنهج والضوابط لبناء المجتمع المقاوم ، من موقع التزامه الديني والشرعي والتسليم بتوجيهات وإرشادات " الولي الفقيه" وهو بذلك يرسم طريقا واضحة المعالم وغير قابلة للنقاش إلا في بعض الزوايا والمساحات الضيقة.

في السياسة ، ليس هناك من هامش واسع ما بين ما هو فكري وما هو سياسي ، حيث القرار السياسي يستند إلى التكليف الشرعي الصادر عن الأمين العام ومجلس الشورى ،( ولو أن الحركة السياسية لحزب الله وخاصة في السنوات الأخيرة حققت نجاحات وانفتاحات هامة) .

اما الاستنتاج السياسي الأهم الذي يقدمه الكتاب ، فهو يكمن في الإجابة على السؤال الذي يشكل كلمة السر في الأزمة السياسية الحالية في لبنان كما سابقاتها ، وهو ، إي لبنان نريد؟ ولأي دور، حيث قدم الكتاب مشروع الدولة القوية القادرة والعادلة المحتضنة والمحمية بمجتمعها المقاوم لا الدولة القوية في ضعفها ورهاناتها الخارجية...

ولو ان الكتاب تشكل من محاضرات خمس للشيخ نعيم ، إلا أن أعمدته الأساس وحسب قدرتي على الاستيعاب ، هي ثلاث:

1- انطلاق فكر المقاومة الإسلامية من رحم وعمق انتماء الأمة الإسلامية المتجذر ،وما راكمه عبر التاريخ من غنى فكري وإنساني ،بما يتناسب مع حجم الخطر الإسرائيلي- الصهيوني ومن خلفه الأمريكي ، وفي لحظة انعطاف تاريخية، حين اجتاحت إسرائيل لبنان عام 1982 لتوجيه الضربة القاضية للمقاومة الفلسطينية ، وبالتالي دفن القضية الفلسطينية وسحبها من التداول ( كما ورد في الكتاب ) .وهو ما يؤكد محورية القضية الفلسطينية في التزام حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية.

2- الرؤية الفكرية السياسية الجهادية المتكاملة ، المنطلقة من الإسلام كعقيدة وشريعة ، وقيادة الولي الفقيه كضمانة لاستقامة المسار ومشروعيته ، وحمايته بالضوابط الشرعية .

3- التركيز على بناء "المجتمع المقاوم" الذي يحمل الاستمرارية ،لا "المجموعة المقاومة" الظرفية الأداء... وهو ما وصفه المؤلف في الفرق بين "التأسيس والتأصيل"... فحيث الفعل التأسيسي في بنية مشروع المقاومة الفكري والسياسي ، ينظر إلى الحالة الصهيونية في منطقتنا كخطر داهم ومستمر باستمرار هذا الكيان التوسعي ، فان التأصيل يتعاطى مع المقاومة كمشروع متكامل، لا يكفي معه السلاح للمواجهة بل لا بد من حشد المقومات الثقافية والسياسية والإعلامية والتربوية والعسكرية والاقتصادية وغيرها...أي أن التأصيل هو خروج عن تسطيح الفعل المقاوم... من هنا، فان الحديث عن سلاح المقاومة لم يعد يجدي ، فالمقاومة رؤية متكاملة في مواجهة اخطر عدو في العصر الحديث ، واعقد قضية يواجهها لبنان والمنطقة...

( التحرير..... مزارع شبعا .... )فلنتفق أولاً على تحديد المخاطر قبل الحديث عن السلاح...

فوق هذه الأعمدة الأساس الثلاث، أعمدة مفصلية ثلاث عززت بناء وحركة المقاومة الإسلامية وحققت لها الانتصار ، وهي:

1- الشهادة ، التي جاءت واضحة التوصيف في الكتاب ،حيث هي طريق إلى الهدف وليست هدفا بحد ذاتها ، وبنيت على مفهوم (تكريم النفس المحتومة الأجل، بالشهادة) وهي تتطلب تحضيرا وتثقيفا واستعدادا كاملا للتضحية ...وهي توضح مفهوم الحياة والموت إلى جانب قضايا أخرى ...

فقيم الشهادة هي ثقافة الحياة الحقيقية ...

الحياة العزيزة مقابل الحياة الذليلة وهي موت

الوصاية موت والسيادة حياة...

تحرير الأرض حياة ، والخضوع للاحتلال موت...

من هنا، تأتي المواجهة ما بين الحق والاستقامة والفضيلة والعدالة، وبين الظلم والعدوان والاحتلال والفساد... هذا في مفهوم الشهادة،

إما في التفعيل ، فهي تعالج خلل التوازن في الإمكانات ... وهنا سر قوتنا وسر قوتهم نعتمد على الفرد المؤمن وإرادته الصلبة بوجه أي قوة مادية ... وهنا يجيب المؤلف مرة أخرى على السؤال الاستراتيجي : اي لبنان نريد؟ ليستنتج ان ليس هناك تعارض بين الدولة القوية العزيزة العادلة والمقاومة...

*وبانتظار الإجابة على هذا السؤال من فريق ( قوة لبنان في ضعفه ومراهناته الخارجية ) تتضح حينها أسس الحل السياسي في لبنان ، وعدا ذلك ، فالتخدير والترقيع ...وأنا أنصح هؤلاء بقراءة هذا الكتاب.

2- الإرادة الشعبية ، القادرة على تحدي القرارات الدولية الجائرة بحق

الشعوب ، والتي هي عادة تأتي وليدة تلاقي المصالح الدولية...

أزمة الإرادة الشعبية ، يردها المؤلف للأسباب التالية:

- القوة والقيادات التي لم تحسن تثمير هذه الإرادة ايجابيا .

- الثقافة السائدة ( قوة لبنان في ضعفه )+ ثقافة الاستهلاك والتغريب.

- الضغوطات السياسية الخارجية.

• أمراض العصبية والقبلية والغرائز.

# الصعوبات التي واجهتها انطلاقة المقاومة وردة فعل الناس.

# الخطة اليهودية ( إيجاد فاصل بين المقاومة والناس وشرخ بين المقاومة والجيش وصراع بين المقاومة والحكم)

# خطة المقاومة : لا تنفصل عن الرؤية التربوية

الاولوية هي للمقاومة ( ولو على حساب

المكتسبات الداخلية وترك الجبنة واكليها)

اسلوب ايلام العدو

مشاركة الناس في الامهم ومتطلباتهم

التنوع - السرايا اللبنانية

الخطاب الوطني ( تطور في السنوات الاخيرة)

تجنب تنسيب العرب والمسلمين للمقاومة

العسكرية

عدم التورط بخصوصيات النظام والتزاماته

عدم الاستعراض ( كاتيوشا)

المقاومون هم جزء من الناس بينهم ومنهم

3- التعبئة التربوية : بنى حزب الله مرتكزاته السلوكية ، انطلاقا من اختيار الاسلام عقيدة وشريعة ومشروع متكامل للحياة ...

- التربية الجهادية : اوضح الكتاب تفاصيلها العملانية ( مرابطة وتدريب، وتثقيف اسلامي وارتقاء انساني- خلقي في ممارسة العيش ، وايضا خطب الامين العام )... وقد ركز الكتاب عليها كاساس قبل الاداء السياسي ..

- ولاية الفقيه : لا بد من قيادة توجه وترشد وترعى شؤون الامة ... صلاحيات الولي الفقيه هي ذاتها صلاحيات الرسول وامير المؤمنين في ادارة شؤون الامة ( الامام الخميني) ... ايجابيتها تكمن في :

. اكتساب الشرعية .

. التسليم وحسم الخلافات والجدل.

. التزام اوامر القيادة ( الامين العام والشورى)

. التماسك الداخلي.

- حب الرسول واهل البيت( تاجيج العاطفة من خلال المناسبات )

- انشطة استقطابية

- انشطة قراّنية .

_ التثقيف والتربية : هناك تثقيف خاص بالمحازبين ( دروس اسبوعية الزامية ...) واخر لعامة الناس( مناسبات وخطب....) .

الضوابط الشرعية هي الحاسم في القرارات السياسية والفردية والاجتماعية والمالية وغيرها

يؤكد الحزب على ربط جهاده ومسؤؤليته ضد الظالمين ، ورعاية حقوق الناس.

يؤكد ايضا ، على العامل الغيبي وتاثيراته وتسديد الله للمؤمنين...

كما يشرح نماذج المقاومين، حيث لكل مقاوم خصوصيته الفردية،

لكن الجميع مشتركين بخصائص للايمان والارتباط بالله عز وجل...

( رهبان الليل واسود النهار)

يتحدث الكتاب عن تأثير تحرير الجنوب على الصحوة الاسلامية ،ويبرز ميزتين:

- الوجه الجبان والذليل لقوات العدو المهزومة ، حيث هربت ليلا متخلية عن عملائها

- الاداء الاخلاقي لرجال المقاومة ازاء اهالي العملاء والجرحى والهاربين.

دور المرأة :

اعطى الكتاب المرأة حقها فيما ادته وتؤديه من دور فاعل في اسناد المقاومة ، بدءا بتفاعلها واعطائها النموذج في تلقي معنى الشهادة رغم عاطفتها كام واخت وزوجة، مرورا بالدعم غير المباشر للمقاومين (جبهة خلفية مساندة) وتاجيج العواطف في المناسبات... كما ان للمرأة دورا ناجحا في الاعلام والتربية والتثقيف ...

ان المرأة استطاعت ان تجعل من مظاهر ضعفها قوة في العديد من المجالات.

يوضح الكتاب معنى الالتزام بالحجاب ، فهو ليس مجرد تعبير عن التزام شرعي فقط، بل هو ايضا موقف تحدي سياسي...

والعامل الاهم في نظرة المقاومة للمرأة، يكمن في ابراز انسانيتها لا انوثتها من خلال مظاهر الاغواء والاستهلاك الغربي، أي أنسنة المرأة.

وباختصار ، فان الانطباع الذي ترسخ في ذهني ، والرسالة التي حملتها بعد قراءة كتاب " مجتمع المقاومة" لسماحة الشيخ نعيم قاسم ، هو اننا بالفعل لا بالتنظير ، امام ثورة "سياسية - اجتماعية - ثقافية " تاريخية ، بكل ما للكلمة من معان وابعاد ... ثورة قد تغير وجه المنطقة ببعض ملامحه واطلالته ، ولسوف تغير مجرى الصراع في المنطقة وتقلب معادلته راسا على عقب ، كما المح وهدد سماحة الامين العام السيد حسن نصر الله ...

من خلال هذا الكتاب، باستطاعتنا ان نستقرأ مجريات الصراع في لبنان وربما المنطقة في المرحلة المقبلة بقدرة اكثر .

اننا امام حقبة تاريخية جديدة من الصراع في لبنان والمنطقة ...

من هنا ، فان من يضع حسابات سلاح المقاومة في اطار حسابات السوق السياسي اللبناني والمعادلات الدولية والانظمة ، عليه ان يقرأ هذا الكتاب ليكتشف سطحية تفكيره و" دكنجية " حساباته...

ان عنوان الصراع المقبل في المنطقة ، سوف يتمحور حول مبدأ وجود اسرائيل ككيان عنصري غاصب في هذه المنطقة ... وقد يخلط اوراق او يهز تحالفات ... لكن الحقيقة التي تبقى ساطعة هي ان اسرائيل هي فعلا غدة سرطانية تستوجب عملا جراحيا ...!

لقد تعرفت من خلال الكتاب على حزب الله المقاوم اكثر مما كنت اعرف... لقد انار الكتاب الطريق الى فهم المقاومة ونظرتها الى كيفية بناء مجتمع مقاومة...

ولكن ، اذا سمح لي سماحة الشيخ نعيم بان اتجرأ قليلا ، لاعبر عما راكمته سنين العلاقة الطويلة من بعض قلق وهواجس بدد الكتاب بعضا منها ولم يفعل في بعضها الاخر، وبخلفية واحدة لا غير ، وهي الحرص على مقاومة اتطلع اليها " تحتضن الجميع وتظلل الجميع " ...

من هنا ، وفي الجانب الفكري ...

حيث نحن امام ثورة ثقافية- اجتماعية تنهل من عظمة ثقافة الاسلام، وتطرحها حية للتطبيق في كافة اوجه الحياة، بمواجهة ما تراكم من ثقافة التغريب " تقليدا وتبعية والتحاقا" الحق كبير الضرر بارادتنا،وهو السلاح الاخطر الذي تسلل الغرب من خلاله الى منازلنا ومؤسساتنا وبعض يومياتنا ملحقا كبير الضرر والتاثير بارادتنا،حيث لم يفصل معظمنا بين ضرورة الاستفادة من علم الغرب دون التاثر ببعض اوجه ثقافته، وما فرضه هذا التراكم من انسلاخ عن الجذور اطاح بالكثير من حركات واحزاب سياسية اعتنقت الاستحضار والتقليد واصطدمت بحقائق واقعها وثقافة شعوبها...

فان الفكر المقاوم وثقافة المقاومة يجب ان تحتضن الجميع وتكسر الحواجز مهما كانت اشكالها ، وتتمدد قليلا خارج اطار دائرة اللون الواحد الذي، (وبتعبئته العقيدية الجهادية الحسينية الكربلائية العظيمة استطاع ان ينتج اسود وغى تقارع اسرائيل وتهزمها ...) لكن اعتمادها خطابا سياسيا بالكامل قد يحد من قدرة حزب الله- المقاوم على التفاعل الجدي لا الشكلي مع الاخر،والذي يخدم عظمة عنوان المقاومة وقضيتها،وقد تحد من انطلاق بناء المجتمع المقاوم بشموليته ، مع ضرورة الاشارة الى جهود بذلها الحزب وما زال في هذا الاتجاه ... ولكن المطلوب هو اكثر ...! وأود أن أوضح في هذا الشأن الحساس، أني لا أقصد شيئاً من أساسيات البنية التربوية الجهادية والفقهية التي لها كبير الاحترام وحب الإطلاع، ولكن بعض جوانب سلوكية قد ستهل الأمور.

واود ان اوضح في هذا الشان الحساس ، انني لم اقصد شيئا يتعلق باساسيات التربية الجهادية الاسلامية والتي لها مني كبير الاحترام وحب الاطلاع والتعمق،والتي اثبتت انها ضمانة تماسك وصلابة المقاومة وما انتجته من انتصارات... ولكنني قصدت بعض جوانب تتعلق ببعض اوجه" سلوكية سياسية" قد تسهل الامور.

سياسيا : حققت المقاومة الاسلامية نجاحات كبيرة في ساحة الصراع في لبنان، حيث شكلت المقاومة " الرافعة " والعامود الفقري للقوى المعارضة للمشروع الامريكي - الاسرائيلي الذي استشرس في استهداف لبنان والهيمنة عليه طوال السنوات الثلاث الماضية ... وتميز نجاحها ، في خطوة التفاهم مع التيار الوطني الحر ، وقد كانت خطوة جريئة من الطرفين...وقد حافظت على التوازنات السياسية...

لكن بعض الثغرات ، لا بد من التعاطي ازاءها ...وخاصة تلك المتعلقة ببعض جوانب واوجه التحرك السياسي ، والخاضع للقرار الشرعي ، باتجاه تعزيز دور التلاوين المنضوية تحت مظلة المقاومة وهذا يتطلب بدوره قرارات جريئة تبدأ اول ما تبدأ ، ببعض اداء الاعلام المرئي ... ومن المهم جدا اطلاق دور عملاني وفاعل للسرايا اللبنانية المقاومة، وتذخيرها بشيء من العروبة ، عروبة الممانعة والمواجهة،عروبة دمشق، لا عروبة الاعتدال وهي الاسم الحركي لتسليم الارادة والانهزام امام العدو والمشاريع الاستعمارية الجديدة في المنطقة، كما تدعيم استمرار العلاقة الجهادية المشتركة مع الجمهورية الاسلامية في ايران...

وايضا ، هناك مبدأ اعطاء اولوية الحسابات للمقاومة ، وهذا صحيح

جدا، وقد فرض على حزب الله المقاوم ، ان يتحمل الكثير ويحمل ضميره الكثير ... من هنا ، فان هذه المعادلة يجب ان تخضع لدراسة معمقة ومقاييس تزاوج ما بين المقاومة العسكرية والمقاومة الاجتماعية المتعلقة بشؤون الناس ... يجب الحؤول دون تحميل المقاومة وزر فساد الاخرين ممن اسماهم سماحة الشيخ نعيم باكلة الجبنة ، وبعضهم غص من كثرة الاكل كما ذكر سماحته ...

ان المقاومة التي حمت كرامة اللبنانيين ، لا تستطيع ادارة الظهر حين تهان كرامتهم في لقمة عيشهم وفي صحتهم ودوائهم... وهي امام تحد كبير ، يتطلب منها ان تكون " الرافعة " بمواجهة الفساد والافساد وهما احد اظلم اوجه الظلم والاكثر قساوة واذلالا للناس، والفيروس الاخطر الذي يلوث البيئة الاجتماعية حول المقاومة... وهو السوس الذي قد ينفذ الى البناء الذي تسعى المقاومة اليه... المقاومة تحتاج الى حضن وطني وشعبي دافىء ونظيف...

لا بد من طرح مشروع اصلاحي وطني اجتماعي شامل ، يلاقي الدولة القوية العادلة الموعودة ... ولتكن كتلة الوفاء للمقاومة ، الكتلة الاصلاحية الرائدة ، اضافة الى دورها السياسي الهام الذي تقوم به...

وختاما، لا بد من توجيه الشكر لسماحة الشيخ نعيم قاسم ، الذي قدم لنا " قيم الكلام وغاليه ، في اصعب الظروف واكثرها ارباكا وتعقيدا" ...

ويبقى الشكر الكبير ، للرجل الكبير،لقائد المقاومة،القائد العربي، سماحة السيد حسن نصرالله ( حماه الله وسدد خطاه) ، الذي له منا حق التحية باعطر واصدق ما حملته من كبير المحبة والتقدير والاحترام ...

تحية اجلال واكبار للشهداء ولعوائل الشهداء ...

تحية لكل من يتفيء صادقا، تحت ظلال المقاومة الاسرائيلية وسراياها اللبنانية...

وكانت المداخلة الأخيرة للدكتور علي زيتون:

كتاب"مجتمع المقاوم" خمس محاضرات ألقاها سماحة نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم في خمسة موضوعات، في خمسة مواقيت، وإذا كانت الموضوعات مما يشغل بال أنصار المقاومة والمهتمين بها، فإنَّ للمواقيت حضورها في خطاب سماحته، ليس في تحديد الأساسي فقط فالأساسي نابت وراسخ، ولكن في لغة الخطاب من حيث حضور الذات والآخر أيضاَ.

ألقى المحاضرة الأولى العام 1999 قبل التحرير بسنة وشهر في المرحلة التي كانت فيها الثقافة الواقعة خارج دائرة المقاومة غير قادرة بعد على التقاط فكرة الانتصار على العدو، وعلى الرغم من مرور تجربتي 93 و 96 أدرك خطاب المقاومة ممثلاً بخطاب سماحته أنَّ نقطة الوجع الإسرائيلية هي الأمن، وأن الحل في المقاومة.

وألقى الثانية العام 2001 بعد التحرير بسنة متلمساً فيها صحوة إسلامية داعياً بنظرة علمية لافتة، إلى استيعاب نقاط الضعف فيها بمثل استيعاب نقاط القوة، وتنازلت المحاضرة الثالثة موقعية المرأة في المقاومة العام 2003، وطرحت الرابعة سؤالاً جوهرياً بعد تموز 2006 بسبعة أشهر قوامه: كيف نبني مجتمع المقاومة؟

أمَّا الخامسة فقد عالجت المرتكزات السلوكية للمقاصد التربوية عند حزب الله، وذلك في العام 2008.

يمثل الكتاب إذاً نشاطاً ثقافياً اضطلع به سماحته على مدى تسع سنوات تشكل الظرف الزماني الذي احتضن نجاحات المقاومة الإسلامية وعلامات خصبها، ونشاط مثل هذا النشاط قام به علمٌ مساهم أساسي في تأسيس حزب الله ونشأته ورعايته لا يعدو شهادة عادية، ولكنه تقديم لدرس المقاومة أمام الجميع في زمن عزت فيه مثل هذه الدروس.

وان يكون الكتاب مجموعة محاضرات يعني أننا أمام نظرة الثقافة المقاومة إلى نفسها، وإلى حاجات مجتمعها لمعرفته. فالمحاضرة خارج الصفوف الأكاديمية، نشاط ثقافي يتصدَّى عادة إلى الأسئلة المحورية الصعبة التي تشغل بال الناس، وتمثل حاجة معرفية لديهم، وحين يتصدى لها مفكرٌ خبير يكون تصديه عقلانياً وعلمياً، يقدم لعقل الناس الجمعيّ حقائق يقينية يمكنهم أن يبنوا عليها فهمهم لمختلف الأسئلة الجزئية التي يواجهونها.

وسماحة نائب الأمين العام في هذا الكتاب مصداق دقيق وواضح لهذا الأمر. قدَّم لنا تجربة غنية ليس بمادة وحسب، من مثل الفهم العلمي للتاريخ(ص1) أو الاعتراف بوظيفية المقاومات السابقة(ص8)، أو التحذير من التعميم المفضي إلى الاختزال والنعمية، أو وضع الأصبع على قانون التراكم الجهادي العادي المؤدي إلى طفرة التحرير والانتصارات التي سبقته أو تلته، ولكن باستيعاب ابعاد تلك التجربة والتقاط جميع دروسها.

ويتضح جوهر هذه المسألة حين نعاين خطاب سماحته وهو يعاين خطاب الحزب حين قال في المقدمة"إنَّ كل مراقب لخطاب الحزب العقائدي والسياسي والجهادي والاجتماعي يتلمس بوضوح ثبات الموقف، وصدق المقال، وفعالية التعبئة، ودقة قراءة الواقع ومهمه، وحسن اشتراف المستقبل، ونجاح ترتيب الأولويات، وفهم عوامل القوة والضعف لمواجهة التحديات"، لقد وضعتنا هذه المقتطفة الصغيرة أمام منهج علمي في العمل والتفكير، وسماحته هو واحد من كبار قيادي الحزب ومسؤوليه لا يمارس الوعي بما يواجه فحسب، ولكنه يمارس وعي الوعي أيضاً، وهو أعلى درجات التفكير. ومن ينطلق من الكلمتين الأخيرتين في هذا الاقتباس(مواجهة التحديات) يمسك بما هو جوهري، مواجهة التحديات هي المحرك الأساسي لنشاطيْ العمل والتفكير، ومن لا يبدأ من هذه النقطة لا يصل، تستدعي مواجهة التحديات أولاً وقبل كل شيء فهماً لتلك التحديات، وتتطلب ثانياً وضع حلول لها، وهل الانتاج الثقافي في كل مرحلة من مراحل تجربة للإنسان مع حاجاته سوى فهم المشكلة ووضع الحل لها؟ وعل تقع العقلانية والعلمية خارج هذه الدائرة؟

لن تجد مجتمعاتنا، وهي مجتمعات مقهورة متخلفة عن ركب التقدم العلمي والحضاري منهجاً أرقى من هذا المنهج الذي قدمه لنا سماحته بكل بساطة بعيدة عن أي تعقيد ولَبسْ.

"دقة قراءة الواقع ومهمه، حسن اشتراف المستقبل، نجاح ترتيب الأولويات، فهم عوامل القوة والضعف، ثبات الموقف، صدق المقال، وفعالية التعبئة" إنَّ أي قيادة تصطنع هذا المنهج دليلاً في عملها وتفكيرها لا بدَّ من أن تنجح ، شرط أن تؤهل نفسها للعمل به، فدونه ثقافة وقيم أخلاقية ودينية يجب أن تتمتع بها. والنجاح في حل المشكلات التي ترقى إلى درجة التحدي، ليس جهداً آلياً يمارس، هو تفكير بالدرجة الأولى، وهذا التفكير ليس جهداً آلياً يمارس أيضاً لفهم فكرة جاهزة، إنما هو تفكير من أجل انتاج الفكرة نفسها، إبداع الفكرة، هو انتاج لثقافة المرحلة.

كتاب"مجتمع المقاومة" عين ذات هذا الانتاج. فليس يخفى على أحد أن ما قام به حزب الله منذ تأسيسه لم يكن إنجازاً جهادياً فقط، إنما كان إنجازاً فكرياً أيضاً، جعلنا نتظلل أفياء ثقافة جديدة مختلفة سميت بثقافة الانتصار.

ولعل أدق نقاط قوة ثقافة ما هو متمثل في موقف تلك الثقافة من الآخر، فالموقف من الآخر شفافية تكشف مدى إنسانية الثقافة وأخلاقيتها وعلميتها.

حضر الآخر حضوراً ضمنياً في خطاب سماحته، بوصفه آخر يناصب العداء للمقاومة، ويتمتع بحضورٍ مؤثرٍ في الحياة السياسية والثقافية للمجتمع اللبناني الذي يرمز إليه سماحته على أنه مجتمع المقاومة. وكان السوس الذي جعل المقاومة تستشعر وجوده وحملها على العمل درء مفاسده، قال سماحته:"إنَّ مقاومتنا الإسلامية الوطنية حقٌ مشروع"، وما كان سماحته ليؤكد الاخبار عن المقاومة بصفة الحق المشروع لولا لم يجد من ينكره، ولولا لم يبلغ هذا الإنكار مدى مشبوهاً، فحضور الآخر على هذه الشاكلة في خطاب سماحته حضورٌ مؤسس على الواقعية والعلمية في النظرة، ومثل هذا حديثه عن علاقة المقاومة بالدولة" المقاومة تعتبر سنداً للدولة وليست منافسة لها، المقاومة تعتبر دعماً للدولة وليست بديلة عنها".

إشارة واضحة إلى الانزلاق الخطير في خطاب الآخر اللبناني، خطاب إلغاء فكرة العداوة ضد إسرائيل الذي يحاول بطرق مختلفة، الذي بدأ يسعى بتعليمات غير خافية على جمهور ذلك الآخر، وإيجاد الشرخ المؤدي إلى إرباك المقاومة، وإلى كشف البلد أمام عدوه.

وذهاب هذا الآخر إلى أبعد من ذلك حين راح يتحدث عن ثقافة الموت وثقافة الحياة، طامساً عدائية الصهيوني لمجتمعنا، إنما كان يتوجه إلى جمهوره ، الإحساس في داخله أن هذا الجمهور ما زال غير مقتنع بصوابية العداء للمقاومة وأن محاولات تطبيعه لم تنجح تماماً.

وظهور هذا الآخر في خطاب سماحته ظهوراً ضمنياً حين تحدث عن قيم الشهادة بوصفها" ثقافة الحياة الحقيقية والعزيزة في مقابل ثقافة الموت"، إنما كان بسبب تيقظه بسموم الخطاب المعادي، وكان لزاماً عليه أن يتوجه إلى جمهور ذلك الآخر نفسه لمواجهة مفاعيل خطاب قيادته السيئة فيه.

ويتجلى موقف المقاومة من الآخر بأبهى وجوهه في حديث سماحته عن أولئك الذين وقفوا إلى جانب العدو في جنوب لبنان، وشهروا سلاحهم في وجه المقاومة،" لم تُجْهِز المقاومة على جريح، ولم تتبع هارباً. وبحدود اطلاعنا التاريخي والمعاصر لم تقدّم أي مقاومة تجربة شبيهة بهذه التجربة الأخلاقية الإنسانية". وممارسة أخلاقية تصل إلى هذا الرقي لا تترك مجالاً لغبي أن يشك في موقف المقاومة النبيل من الآخر، ويأتي حديث سماحته في العام 2001 عن "عدم اللجوء إلى السلاح طريقاً لفرض وجهة النظر" مؤكداً أن المقاومة لن تحمل سلاحاً إلاَّ في مواجهة المحتل، وتعمل في الداخل بالإقناع وتقديم التجربة والنموذج، ليشكل في العام 2008 إدانة لهذا الآخر الذي عمل بوعي مجهزٍ له لمواجهة ثقافة المقاومة العلمية الواضحة بثقافة خنوع يُراد منها أن تحيا دون كرامة وطن، ونستطيع أن نقول أنها ثقافة الحبائل والإشراك.

ويبقى أن خطاب سماحته ممثلاً خطاب المقاومة كان(طويل البال) يعكس حرصاً على هذا الآخر بوصفه شريكاً في الوطن، كما كان يعكس رغبة أكيدة في عدم استفزاز جمهور الآخر، وذلك من خلال مخاطبته عقله وضميره.وما كانت طريقته هذه من قبيل المسايرة ولكن من خلال الفهم السليم لطبيعة ذلك الجمهور، خصوصاً حين أنكر سماحته أن يكون الاحتضان الشعبي لجماهير المقاومة التي هُجرت في عدوان تموز 2006 من قبيل الشفقة، مؤكداً أن حضور المقاومة في ضمائر هؤلاء الناس عميقٌ، كما الانتماء إلى أصل دائم يستيقظ في اللحظة المناسبة.

وأن يمثل الآخر اللبناني حيزاً ملموساً في محاضرات هذا الكتاب، ولأن المؤامرة على المقاومة قد انحدرت عن قمم المواجهة مع العدو الإسرائيلي بسبب هزائمه، لتتحول إلى إشغالها في صراع داخلي تقوم المقاومة الآن تفكيك حبائله، وما الكتاب الموجود بين أيدينا سوى الوسيلة الثقافية المشاركة في ذلك التفكيك.

وفي الختام تحدث سماحة الشيخ نعيم قاسم قائلاً:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب لعالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الأبرار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم الدين.

السلام عليكم أيها السادة العلماء، أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.

أتقدم بداية بالشكر إلى الأخوة في الوحدة الثقافية في منطقة البقاع، لإتاحة الفرصة لي من أجل هذا اللقاء الثقافي، وأنا أعلم أن المهتمين بالثقافة عادة في مجتمعنا قلَّة، ولكننا نعرف أيضاً أن الثقافة هي التي تصنع الطريق من أجل كل ما نراه في السياسة والاجتماع والمقاومة وفي كل شيء، وأشكر المحاضرين الثلاثة الذين أضاؤوا جوانب عدة من الكتاب وما فيه بنظرتهم ورؤيتهم وملاحظاتهم، وأرغب أن أبدأ بمقدمة قبل أن أجيب عن بعض الأسئلة التي وردت في المداخلات. لقد لاحظتم أن الكتاب عبارة عن مجموعة من خمس محاضرات، وعادة أنا من الأشخاص الذين لا يرغبون تجميع الموضوعات التي ألقيت في مناسبات مختلفة، ولكن لكل محاضرة قصة، وكانت تستهدف تحضيراً وكتابة وإلقاءً ، إضافة إلى جوانب حساسة وهامة من منهج المقاومة، فهنا قيمتها، قيمتها أنها ألقيت لتوصل أفكاراً معينة لا لتملأ ساعة معينة في بعض المحاضرات وفي بعض الدعوات.

والأمر الثاني أننا بحاجة أن نقدم كحزب الله للقراء والمطَّلعين والسياسيين والمهتمين وللناس رؤيتنا بشكل متسلسل منهجي مسؤول، وكما تعلمون هذه المقاومة سبق فعلها تنظيرها، فكنا بحاجة دائماً أن نقف في بعض المحطات لننظر إليها كي نجمع ما سببته الأحداث من مواقف ورؤى لنقول لجميع الناس ما ترونه من مفردات في مواقفنا تجمعه هذه الرؤية المتكاملة، وهي لم تأت من فراغ أو اجتهاد آني، أو من محاولات البحوث في ردة الفعل، وإنما أتت من منهج متكامل ومن بناء له أسس واضحة.

ثالثاً: هذه المقاومة على الرغم من كل ما تكلمناه عنها، وعلى الرغم من هذه الفترة الطويلة التي مرت من سنة1982 حتى الآن، لا زال البعض لا يفهم معناها، ويعتقد أنها مجموعة مسلحة تريد تحريراً لقطعة من الأرض، ولها دور ظرفي وينتهي هذا الدور الظرفي عندما تنتزع الذريعة من المقاومة، وكأن المقاومة كانت تلهث وراء هذه الذريعة أو تلك، جاء الكتاب ليقول: المقاومة الإسلامية رؤية ومنهج وليست مجرد ردة فعل عسكرية، من هنا نجد أننا عندما ننطلق في ساحتنا اللبنانية نخاطب العقل، ونطرح الموقف السياسي، ونبني تربوياً بما ينسجم مع هذا الاتجاه، ونقاتل العدو في آنٍ معاً في إطار منظومة متكاملة ترى أننا إذا بنينا مجتمعنا على أساس المقاومة، استطعنا أن نعطي قوة للبنان، وأن نخرجه من الوصاية، وأن نعزز استقلاله، وأن نبقى وشؤوننا من أجل أن نصنع مستقبلنا كما نريد لا كما يريد الاستكبار، وبذلك نضع حداً لأن يكون لبنان ساحة للآخرين، فنخرج الساحة عن استعمالهم لتكون ساحة لنا كلبنانيين نختارها كما نشاء ونضعها في فسيفساء العالم بالصورة التي نحبها لا بالصورة التي يريدونها.

هذه هي المقاومة التي نفهمها، والسلاح في المقاومة جزء بسيط من مشروعها، والسلاح في المقاومة تعبير موضوعي في مشروع رؤية المقاومة المتكاملة التي ترى أن بناء شبابنا في هذا المسرح الهام الذي نعيشه في لبنان، يجب أن يكون على قاعدة العزة والقوة والمنعة والرؤية لأن نكون في داخل الوطن شركاء نتخاصم ونختلف ونعود لخيار الناس، أمَّا في مواجهة الاحتلال فلا تنازل ولا استسلام إنما استعادة كاملة للأرض لا ينقص منها شبرٌ واحد مهما كان المبرر وإلاَّ فالمقاومة والقتال والمقاومة.

وهنا من هذه الرؤية نرى أن المقاومة هي مشروع، وهذا المشروع ليس مجرد ردة فعل وإنما هو مشروع يحمل قابلية الاستمرار، ونحن حاضرون أن نناقش مع اللبنانيين الآخرين كيف تكون المقاومة جزءً من المشروع لكل اللبنانيين، تارة تسمى هذه المناقشة بالاستراتيجية الدفاعية، وأخرى تسمى هذه المناقشة بأولوية الدولة، وثالثة تسمى هذه المناقشة بقرار الحرب والسلم، ولكن النتيجة واحدة تنطلق من سؤال مركزي أساسي: أي لبنان نريد؟ فإذا اتفقنا أننا نريد لبنان السيد الحر المستقل القوي، فهذا يعني أن تأتي النتائج منسجمة مع هذا العنوان، أمَّا أن يطالب البعض بسيادة لبنان ومنعته ثم يفتح أوتستراداً وليس ثغرة من أجل الوصاية الأمريكية في لبنان تحت عنوان الضرورات الدولية، فهذا يعني دك بنيان السيادة من أساسه، نحن نريد أن نبدأ في المقدمات التي ننتهي معها إلى النتائج المنسجمة مع المقدمات، فمن أراد سيادة لبنان يتمسك بمقاومته، ومن أراد الوصاية على لبنان فمن الطبيعي أن لا يقبل بمثل هذه المقاومة، ومع ذلك نترك النقاش لجلسات الحوار حتى لا يقول أحد بأننا نصادر الرأي الآخر قبل النقاش ، ونحن حاضرون للنقاش المستفيض لنقنعهم أو يقنعونا وإلاَّ فالبديل عن الإقناع أن نتفق على الحد الأدنى الذي ننهض من خلاله بمزيد من الاتفاق.

وهنا يجب أن ننظر إلى المقاومة بنظرة الآخرين، لماذا تريد أمريكا إسقاط المقاومة؟ ولماذا تريد إسرائيل إسقاط المقاومة؟ لأنه يوجد مشروعان في المنطقة: واحد اسمه الشرق الأوسط الجديد الأمريكي، والآخر اسمه تثبيت الكيان الإسرائيلي تمهيداً لتوسعه في المنطقة، وكلا المشروعان لا يقبلان وجود ممانعة في مواجهتهم، نحن من منطلق رؤيتنا نرفض كياناً يتوسع في منطقتنا على حساب أهلنا، ونرفض شرق أوسط جديد تديره أمريكا وتسلبنا دورنا ومكانتنا لذا رفعنا شعار المقاومة ومارسنا المقاومة، فالمقاومة بالنسبة إلينا ردة فعل على الاعتداء والاحتلال والأخطار التي تحيط بنا ومن حقنا أن نحملها كرؤية متكاملة لنحافظ على بلدنا وعلى أجيالنا الصاعدة.

لن أخوض كثيراً في هذا النقاش ، ولكني أتمنى من الأخوة والأخوات أن يقرأوا بدقة ما هو موجود في الكتاب لأنه بالفعل يُنظِّر ويُبيِّن الرؤية التي ننطلق منها، ولقد أثبت الحزب بالتجربة العملية الميدانية صوابية هذه الرؤية، ذكرت في الكتاب بأن لنا قوة وبهذه القوة سر ، وأن لهم قوة ولقوتهم سر، سر قوتنا بالإيمان والشهادة، وسر قوتهم بالعدد والعدة، فإذا نافسناهم بسر قوتهم هزمونا لأنه لا يمكن أن نبلغ عددهم وعدتهم، وإذا أرادوا منافستنا بسر قوتنا هزمناهم لأنهم لن يصلوا إلى إيماننا واستعدادنا، فلنقوِ سر قوتنا لمنعنهم من اللحاق بنا ، فإننا بسر قوتنا ننتصر وبسر قوتهم ننهزم، هذه فكرة من الأفكار التي أوردتها في هذا الكتاب لأُبيِّن موضوعية تفكير المقاومة ومنهجيتها، فنحن لم نحمل هذا الخط كحالة عاطفية وإنما حملناه كرؤية معمقة.

أريد عن أجيب على ثلاثة أسئلة:

1- السؤال الأول: ذكر الدكتور سكرية أنه على ثقافة المقاومة أن تحتضن الجميع، وهذه الثقافة تعتببر تحدياً حقيقياً بالنسبة إلينا؟

وهنا أريد أن أبين وجهة النظر ، وهو طبعاً ينقل بعض الأسئلة الموجودة في الواقع ومن حق أي إنسان أن يسأل من أجل إثارة نقاش يبين الفكرة ويوصلها إلى الهدف الصحيح.

في الواقع ما هو المقصود بالثقافة التي تحتضن الجميع؟ إذا كان المقصود أن نعدِّل من ثقافتنا بما يتناسب مع ثقافات أخرى تجد نفسها شريكة في ثقافتنا فهذا ما لا نستطيعه لأن خصوصيتنا في ثقافتنا، ونجحنا بهذه الثقافة، فإذا حاولنا أن نجمع معها غيرها سننسى مشيتنا ولن يعرفوا مشيتهم، بالنهاية بعض الذين يحاولون أن يطرحوا علينا : أن لنا ثقافتنا الإسلامية والشرعية والدينية معمقة، نقول لهم: أنتهم تعملون في الساحة خلال فترة من الزمن ولك ثقافتك التي تعتقد أنها نموذج، وأنا أعمل بثقافة أعتقد أنها نموذج، فثقافتك لم تنتج وثقافتي أنتجت، فهل تعترض عليَّ كيف أن ثقافتي أنتجت وتدعوني أن أخلطها بثقافتك ! لا أقدر، مرة كنا في جلسة في الأحزاب، قال أحدهم: رأيي أن نضع برنامجاً يلغي جميع الأحزاب، قلت له : ستضع الآن برنامجاً فإذا كنا الآن 25 حزباً سيصبحون 26 حزباً، لأن لا يوجد فكرة واحدة تجمع كل الناس، وفي النهاية للناس قناعاتهم، نعم أن نحتضن الآخرين من خلال ثقافتنا فهذا حق مشروع، واليوم نحن علمنا بفكرة السرايا، ومحاولة استيعاب القوى السياسية الأخرى، استيعاب في العلاقة مع المحافظة على خصوصياتهم، استطعنا أن ننجز حالة جامعة مع المحافظة على الخصوصيات، هذا الجماع هو المقاومة وكذلك المشروع السياسي بقواعده الأساسية الذي جمع المعارضة حوله، نعم هناك البعض كان يشكو أنهم يريدون المقاومة، قلنا لهم مرات عديدة: كيف ندعكم تقاومون؟ قالوا : بفتح الطريق ، وأعطونا محور، ونأخذ مجالنا. نحن عندما بدأنا المقاومة لم نطلب من أحد أن يعطينا محوراً أو يفتح لنا طريقاً أو مجالاً، فالمطلوب من كل إنسان أن يرى كيف يشق طريقه بالطريقة الصحيحة، أو البعض طلب منَّا أن نكون شركاء! نحن بثقافتنا نتعاون مع الجميع والحقيقة بكل التحرك السياسي نحاول أن نعمل القواسم المشتركة إلى أقصى حد.

أمَّا موضوع أولوية المقاومة العسكرية في مقابل الموضوع الاجتماعي، أنتم تعرفون حزب الله في الموضوع الاجتماعي متهم بأنه يساعد الناس كثيراً، صحيح ونحن نقوم بمساعدة الناس حسب قدرتنا ولسنا بديلاً عن الدولة، لو قدَّم حزب الله خدمات لهذه المنطقة فواجب الدولة أولاً أن تقدم هذه الخدمات، فحزب الله يقدر أن يبلسم بعض الجراح ويساعد بعض العائلات الفقيرة من خلال أموال الخمس وبعض المساعدات الموجودة، فبالنهاية يقدر أن يسد رمق مؤقت وبشكل محدود، ولا يقدر أن يقوم بإنماء متكامل، ولا يقدر أن يعالج إهمال خمسين أو ستين سنة لمنطقة بكاملها فهذه مسؤولية الدولة التي تجبي الضرائب، ولكن أريد أن ألفت لمسألة : لماذا نقول دائماً بأن أولويتنا المقاومة؟ نحن نقول أولويتنا المقاومة لأننا نعتقد إذا نجحنا في المقاومة نجح لبنان في كل شيء، اليوم هل تعتقدون أن باريس 3 كان من الممكن أن تتحقق لولا نجاح حزب الله في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، هذا الاهتمام الدولي بلبنان كله ببركات النجاحات التي تحققت ببركات المقاومة، فالبعض يعطي لبنان من أجل نية أن يترك الشعب المقاومة، إضافة إلى ذلك من قال أن إسرائيل تسمح أن نعيش وأن يكون لنا بلداً مستقراً؟ حتى إسرائيل كانت تفكر بأوسترادات لربط الجنوب فيها حتى يصل الأوستراد العربي إلى إسرائيل لاستخدام لبنان ترانزيت لمصلحة إسرائيل، لا أحد يفكر أنه يجب أن يكون للبنان مكانة ودور، إذا نجحت المقاومة في كسر إسرائيل فسيكون لبنان مرتاح ومحط أنظار العالم، وسيتمكن من أن يخطو خطوات إلى الأمام. وعلى كل حال إن شاء الله بحركتنا السياسية والاجتماعية نقوم بالاهتمامات التي نستطيعها، وفكرة الأولوية لا تعني أننا نترك الأولويات الأخرى.

أشكر للجميع حضورهم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.