وقد تلا الندوة توقيع سماحته لكتابيه الجديدين "الشباب شعلة تُحرق أو تُضيء" و "المهدي المخلّص"، وهذا هو نص المداخلة :
"الشباب شعلة تُحرق أو تُضيء"، هو ثمرة مزيج بين تجربة طويلة من الاحتكاك بالشباب ومخاطبتهم، ومتابعة شؤون عديدة تتعلَّق بهم من جهة، ومن جهة ثانية استفادةٌ غنيةٌ من محاضرات ألقيتها في منتديات للطلاب الجامعيين والثانويين بعيداً عن الأطر النظرية، ملامساً لمشاكلهم مباشرة عبر طرح تساؤلاتهم والإجابة عليها، وهكذا كانت الخلاصة في الكتاب الذي بين أيديكم.
حاولت خلال الكتاب أن أكون عملياً ، فتجنَّبت الإطار الفكري المعمق، لأن الشباب اليوم لا جلد لديهم على الخطابات الصعبة التي تحوي التعقيدات، فإذا حدَّثَته عن الخُلُق يقول لك: هات ما عندك من الآخر، عندها الأفضل أن نكتفي ببضعة أسطر، وأما إذا فلسفت له الأخلاق بأصولها ومفاهيمها فهو لا يعتبر أن الخطاب موجَّه له إنما أصبح خطاباً لجهات أخرى. من هنا تعمَّدت أن لا أتوسّع إلاَّ بالمقدار الضروري ولو كان بصيغة البرقيات في بعض الحالات.
إضافة إلى ذلك حاولت من خلال الكتاب أن أوجد صلة بين النظرة الإسلامية للمراهقة والنظرة المعاصرة لأدخل بطريقة غير مباشرة وأقول للشباب: نحن نفهمكم من منطلق الإسلام كما يفهمكم علماء العصر النفسانيون، بدليل هذا التشابه الكبير الموجود بين الرؤية الإسلامية والرؤية المعاصرة في هذا المجال، فعندما يرِد عن الرسول(ص):"الولد سيدٌ سبع سنين، وعبدٌ سبع سنين، ووزيرٌ سبع سنين، فإن رضيت أخلاقه لإحدى وعشرين وإلاَّ فاضرب على جنبه فقد أُعذِرت إلى الله تعالى"، فهذا تقسيم للمراحل العمرية وحديثٌ عن الشباب من عمر 14 إلى 21 سنة. لاحظت أن جميع الدراسات الحديثة تقريباً تتحدث عن أن فترة المراهقة هي من 13 إلى 21 سنة، ففرق السنة من 13 إلى 14 لا يُعتبر فرقاً في المسألة التربوية عادة. هنا أريد أن أدخل إلى عقل الشاب لأقول له : رأيت كيف أن التقسيم الحديث يتحدث عن سنّ 13 إلى 21، ويعتبر أن هذه هي سن المراهقة ويُقسِّمها إلى متقدمة ومتأخرة ويضع لها تصوراً، فعندما يحدثك الإسلام من 1400 سنة فهو لا يعطيك تلقيناً دينياً بل هو يشرح لك حالك، ويعلِّمك مسائل نفسية حتى تدرك أبعاد شخصيتك لتعرف كيف تتعاطى معها، وهذا ما توصلوا إليه حديثاً.
كما أوردت في الكتاب حديثاً عن الرسول(ص) يقول فيه:"الشباب شعبة من الجنون"، ولا أخفيكم أني كنت أفكر أن أضعه عنواناً للكتاب، لكن خشيت من سوء التفسير لأنه يحتاج إلى تفسير، وهنا المقصود ليس الجنون العقلي المعروف وإنما المقصود الحيوية التي لا تهدأ ولا تتوقف، وقد شرحت هذا في داخل الكتاب لأؤكد أن ما يراه الشاب في نفسه هي حيوية حقيقية لها علاقة بمرحلته العمرية، وقلت له:" لا تتفاجأ ببعض الأمور التي تحصل معك، لا تتفاجأ بنمو جسدك ولا باستعجالك ولا بقلقك ولا بضميرك ولا بانفعالاتك، فإذا أحسَّ الشاب أن طريقة تفكيره مختلفة ووضعه مختلف، هذه أمور طبيعية ، نعم أنت بدأت تختلف، وأنا أشرت إليه أين بدأ يختلف حتى يرى بنفسه الأمور التي تواجهه بشكل مباشر.
حاولت أيضاً في الكتاب أن أخاطبه بمنطقه هو وأن أكون مباشراً معه، فبدل أن أقول له: يجب أن تكون، وعلينا أن نكون وأعطيه المواعظ، بدأت أسأل معه، هل سيكون مستقبل حياتي كما أريد؟ هل سأتمكن من التخصص في المجال الذي أرغبه؟ هل سأتمكن من تأسيس بيت لي في ظلِّ الديون المرهقة؟ هل سأتحمل الانتظار قبل أن أملك حرية التصرف؟ هل سأحصل على الزواج المناسب؟ هل سأنجح؟ ماذا سيقول الناس عني إذا فشلت في أموري؟ وهكذا فقد طرحت أسئلتهم في عدة مجالات من الكتاب، حتى إذا قرأ الكتاب يقول بينه وبين نفسه - وقد سمعت هذا الكلام من الشباب والفتيات- :"كأنك كنت معنا، في داخلنا تفكر بما نفكر به"، هذه النتيجة مهمة لأني لا أريد أن أعظه كواعظ، فإذا وعظته كواعظ يمكن أن يتقبل أو لا يتقبل، أنا أريده أن يأخذ الكتاب فيجلس بينه وبين نفسه ويقرأه ليقول: هذا هو أنا، هذا هو الجواب وهذا هو الحل، يعني أنَّه يجري نقاشاً مع نفسه. لقد تعمدت هذه الطريقة في الحديث ، حتى عندما تحدثت عن العلاقات الاجتماعية قلت له مخاطباً إياه مباشرة:" لا تُبعد نفسك عن الآخرين، ولا تخجل بإبداء رأيك في الحدود التي تعرفها"، ثم قلت له:" أنت بحاجة إلى تشكيل رأيك في القضايا التي تحيط بك، عليك أن تتعرف على تركيبة بلدك وطبيعة المواقف الأساسية للفئات المختلفة، وأن تحدد موقفك منها"، فبهذا أعطيه شجاعة ومعنويات، أقول له:" إقرأ وتعرَّف وقل رأيك أمام الآخرين، من قال لك أنك في عمر لا يمكن أن يُستمَع إليه، ثم خاطبته:" حدد نظرتك إلى طبيعة العلاقات الاجتماعية السليمة"، وهكذا كان الخطاب خطاباً مباشراً وأسئلة وإجابات مباشرة ، لأني أعتقد أن الشاب بحاجة إلى هذا النمط من الحوار.
ثم وصلت إلى فصل أسميته المسار السعيد في نهاية الكتاب ، حيث طرحت مجموعة من الأسئلة وكأنها اختبار من دون أن أُبيِّن ذلك :
السؤال الأول: هل أَندفع إلى كل رغبة تخطر على بالي، أم أختار بعضها وأرفض بعضها الآخر؟ أي مقياسٍ أعتمده للاختيار أو الرفض؟
السؤال الثاني: بدأت أشعر بتحولات جسدية ونفسية، ورغبة بالجنس الآخر، هل هذا الأمر خاصٌ بي؟ أم أنَّه يحصل مع الجميع؟ ماذا أفعل ليكون تصرفي مناسباً؟ وهل أستطيع السيطرة على رغباتي أم أن الأمر خارجٌ عن إرادتي؟
السؤال الثالث: هل يوجد مقياس أو قاعدة مناسبة للاختيار، أم أن المطلوب أن لا أقيد نفسي بشيء؟
وهكذا سألت مجموعة من الأسئلة عددها أربعة عشر سؤالاً، ومن أجل تحفيز الشاب لمطالعتها لكن بعد التفكير بها، لذا لم أضع الإجابات مباشرة بعدها، ذهبت إلى فقرتين وقلت له بعد الفقرتين الآن سأطرح لك الإجابة ، فاكتب الإجابة مسبقاً على ورقة وقارنها مع الإجابات التي كتبتُها لترى نفسك بمقياس قراءة الكتاب أين تكون؟ وهل تفكر بشكل صحيح؟ هذا الأسلوب في اعتقادي أسلوب مباشر يساعد الشاب والشابة للوصول إلى نتيجة فهو كتاب للفريقين، وطبعاً هو كتاب للكبار أيضاً ، لأن إحدى مشاكلنا أن الكبار أيضاً لا يفهمون الشباب، فربما إذا قرأوا كتاب الشباب يعرفون كيف يتعاطون مع الشباب ، أما الشاب فيعرف كيف يتعاطى مع نفسه.
وهنا لا أخفي ولا أقول بأنها جرأة وإنما هي محاولة ، فقد تحدثت في فصل كامل ومستقل عن عناوين للحب، إذ عندما يأتي أحدٌ على سيرة الحب يُقال له أن الحب مسألة محرمة. الحب ليس مسألة محرمة ، فهذا له تنظيم معين، لقد ذكرت مجموعة من العناوين عن الميل للجنس الآخر، الزمالة والصداقة ، سرعة الاستجابة العاطفية عند الفتاة ، اللقاء والتعارف، الحب بين الجنسين، الحب العذري، الحب قبل الزواج، الخ...، لأناقش مع الشباب هذه الموضوعات باختصار ولكن بإشارات نافعة تنسجم مع سنهم ومع أوضاعهم، كي لا نكون قد خرجنا عن النقطة الأساسية ، لأن التحول الجسدي الذي يحصل في سن المراهقة يُشكل موضوع الغريزة الجنسية دعامة أساسية من دعاماته، والمشكلة أننا نتكلم عن كل شيء إلاَّ الغريزة الجنسية في حين أنه يجب أن نقول له ما هي طبيعة هذه القضية وكيف يتعاطى معها وذلك بأسلوب علمي معقول وبأسلوب ديني مبسط.
على هذا الأساس آمل أن يكون الكتاب قد قدم شيئاً عملياً للشباب، وهو بالمناسبة ليس كتاباً متخصصاً ، فقد أردت من خلاله أن أشير إشارات سريعة، أردت أن أسأل الشاب: ألا تشعر بانفعال ؟ فيقول لي: نعم أشعر بانفعال. فأقول له: أنت انفعالك واحد كذا وكذا فقط، ومن دون تحليل، لأني إذا دخلت في التحليل المطوَّل أخسر انتباهه ومخاطبته.
وعندما بدأت الخطاب تجنبت الوعظ والتلقين وخاطبته بطريقة إنسانية بحتة، فحدثته عن المراحل البنوية الثلاث للحياة الإنسانية، عن اتجاهات المراهق، التربية والشباب، المميزات الأربعة للشباب، النمو عند المراهقين، إضافة إلى نقاش علمي ديني لشخصيته لأبيِّن كيف نفهم الشباب .