صدر حديثاً كتاب مفاتيح السعادة لنائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم، والمؤلف من 448 صفحة من القطع الوسط، إصدار دار المحجة البيضاء، ويعبِّر التمهيد الذي ورد في مقدمة الكتاب عن محتواه، وهو:
الحمد لله على الهداية إلى الإسلام، وقدوةِ الأنام خاتم الرسل محمد(ص) وآله الأطهار(عم)، وعلى إنارة الطريق إلى سعادة الدارين.
كيف نتخلَّص من القلق الذي نعيشُهُ، والذي يوتِّرُ أعصابنا، ويُربِكُ تفكيرنا، ويؤثرُ على تصرفاتنا.
كيف نَحدُّ من الأزمات النفسية التي تحدثُ لنا بسبب الأوضاع غير المستقرة، والبلاءات الشَّديدة التي تُصيبنا، والأحداث التي تُفاجئُنا؟
هل يمكن التخلُّص من العادات السيئة للانتقال إلى عاداتٍ حسنةٍ، وسلوكٍ مرغوبٍ ومؤنسٍ ومفيد؟
هل يمكن دفعُ قضاء الله تعالى، وتعديلُ ما قدَّره على العباد، والاطمئنان إلى ما تبقَّى من حياتنا في هذه الدنيا؟
ماذا يفعل من ارتكب المعاصي الكثيرة، وآذى الناس في حياته، هل له توبة؟ ومن أين يبدأ؟ وهل يمكن أن يَغْسِلَ ماضيه عملياً في هذه الدنيا؟
كيف تكون علاقتنا بالله تعالى قوية، نتفاعلُ مع أوامره ونواهيه، ونطلبُ منه حاجاتنا، فترتاحُ قُلوبُنا إلى هذه الصِّلة التي نمدُّ بالحب والإرادة والاندفاع؟
ماذا نفعل لنطمئن إلى حُسْنِ أعمالنا، وسلامةِ منهجنا، وصلاحنا في الدنيا، وفوزنا في الآخرة؟
هل المطلوب منَّا أن نتخلَّى عن طيبات وملذات الدنيا وهي في متناول أيدينا؟ وهل المطلوب أن نحرم أنفسنا من كل شيء؟
هل تحقيق مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال التي نحب أن نصل إليها ممكنة لجميع الناس، أم أنَّها نموذجٌ مختصٌ بالثلة القليلة منهم، ولنا عذرٌ في عدم بلوغها؟
نتخبَّط في حسم خياراتنا، وتشوِّش أفكارنا التوجيهات والنصائح المتناقضة التي نسمعها، وتجرفنا النماذج المنحرفة إلى هلاكنا، فهل من سبيلٍ لنحصل على النموذج الأفضل، والرأي الأصوب لنستقر نفسياً وعملياً؟
نهربُ من الموت لكنَّه يلاحقنا، ونخاف مجيئه، فيزداد قلقنا، ما هو الحل؟
هل كُتب علينا الشقاء في الدنيا؟ وهل المطلوب منا أن نفتش عن كل ما يؤلمنا ويُتعبنا ويعذبنا فيها لننال السعادة في الآخرة؟ أم أننا نعاني من عدم فهم الحقيقة وضعف الإرادة والتسرُّع في قراراتنا؟
ما هو الحل للإجابة عن كل أسئلة القلق والحيرة والضياع، وعن إمكانية تحقيق السعادة في الدنيا قبل الآخرة؟
الدنيا مسرحٌ للعمل، ومتاعٌ مؤقت، فيها من الطيبات المحلَّلة والرزق الوفير والأعمال الصالحة ما يُغني الإنسان ويُسعده فيها، قال تعالى: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ"، وقال: "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"، وإنما يشقى الإنسان فيها بسبب اختياره للخبائث والرذائل، فهو الذي يتحمل مسؤولية سعادته أو شقائه في الحياة الدنيا، قال تعالى: "مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ".
تتحقَّقُ السعادةُ في الدنيا قبل الآخرة، فينالُ المؤمنُ سعادةَ الدارين، ففي وصية النبي محمد(ص) لأبي ذر الغفاري، والتي وردت في آخر هذا الكتاب: "يا أبا ذر، إحفظْ ما أُوصيكَ به تَكُنْ سَعيداً في الدنيا والآخرة".
ومن كتاب أمير المؤمنين علي(ع) لمالك الأشتر: "أمره بتقوى الله...وإضاعتها".
فالطاعةُ لله تعالى، والسيرُ وفق تعاليمه، تُرشدُ الإنسان إلى الخطوات الصالحة للحياة الأفضل، فإذا اتَّبعها، حَصَدَ آثارَها من خيراتِ الدنيا، وعاشَ الطمأنينةَ في داخل نفسه، ما يُسعده ويؤنسه. ولا تعني السعادةُ ارتفاع الابتلاء والألم والتعب، بل أن يتعامل مع الابتلاءات بصبرٍ وتوكلٍ وتسليم فتتحقق سعادته في داخل نفسه، بتجاوزه للأزمات واستمراره وفق المنهج السليم.
تختلف السعادةُ عن الراحة، فلا راحة في الدنيا، على المستوى الجسدي، وبسبب كثرة الاختبارات والمصائب، فالراحة بعد الموت، فعن الإمام الصادق: "اللهم إني أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب".
أمَّا السعادة فهي حالةٌ نفسية يمكن تحقيقها في الدنيا من خلال الإرادة وقيادة النفس نحو صلاحها، ثم تكون السعادة الكبرى في الآخرة، قال تعالى: "وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ إِلاَ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ".
اخترنا في هذا الكتاب المفردات التي تساعد في تحقيق السعادة، بحيث يتناولُ كلُّ عنوانٍ فكرةً أو توجيهاً مؤثراً في جانب من جوانب الشخصية الإنسانية، لتحقِّق بمجموعها هدف الوصول إلى السعادة.
انطلقنا من الآيات القرآنية فهي خيرُ مرشدٍ ومُعين، فلكلِّ عنوانٍ آية، واستفدنا منها مفتاحاً يعبِّرُ عن الهدف الذي نبتغي الوصول إليه. فتحصَّلَ لدينا لكلِّ فكرة: العنوان، ثم الآية القرآنية، ثم المفتاح، ثم الخطوات والفقرات التي تحقِّق الهدف المرسوم في المفتاح.
سمَّينا الكتاب "مفاتيح السعادة"، لأنَّ معرفة الأفكار المطروحة هي البداية، التي تفتحُ أمامنا أبواب السعادة من خلال: التوحيد، وتزكية النفس، والحب في الله تعالى، والعبادة، والاستغفار، والتقوى، والجهاد في سبيل الله تعالى، والصبر، والسعي للآخرة، الخُلُق الحسن، والاقتداء بمحمد(ص) وآل محمد(عم)...الخ.
اختصرنا في الشرح، واعتمدنا على نور الآيات والروايات، وحاولنا التوازن في مخاطبة العقل والقلب، وتركنا الفكرة تنسابُ من دون تكلُّف، لتهدي إلى خطوة من خطوات السعادة. سائلين المولى جلَّ وعلا أو يوفقنا لتحقيق قوله تعالى: "رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ".