الأَجَلُ لمصلحة المؤمن، يقول أمير المؤمنين علي(ع): "موت الأبرار راحة لأنفسهم، وموت الفجار راحة للعالم"(12). فإذا كنت من الأبرار فلا تحزن لقدوم الموت، (ولو أتى ملك الموت إليك وقال: أنا أستأذن منك، لدي مجال أن آخذ روحك الليلة, أو أعطيك مهلة أسبوع, أو شهر, أو ثلاثة أشهر، فماذا تختار؟ كلما طلبتَ إبعاد الموت أكثر، كلما كان ذلك بسبب خوفك من التقصير ورغبتك في التعويض، وكلما قرَّبت الزمن ولم تهتم لوقت الموت مهما كان سريعاً، فهذا مؤشرٌ على اطمئنانك لعملك وتوكلك على الله تعالى والإلتجاء إلى شفاعة محمد وآل محمد(ص). فمن صفات المتقين كما ذكر أمير المؤمنين(ع): " ولَوْ لَا الأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِمْ, لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ, شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ"(13).
أيها الإنسان، بما أنَّك لا تعرف وقت موتك، وأنت معرَّضٌ له في أي وقت وبأي سبب، كما قد يطول عمرك فتستفيد منه للعمل الصالح، فاستفد من هذه الحياة ببراعة وتوازن، فـ: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً"(14).
يتعامل المؤمن مع الموت كواقع حتمي يُعِدُّ له عدته، وإنما تكون الصعوبة على الكافر الذي أنكره ولم يعمل له، قيل للإمام الصادق(ع): صف لنا الموت. فقال: "الموتُ للمؤمن كأطيبِ ريحٍ يشمه، فينعس لطيبه، وينقطع التعب والألم كله عنه، وللكافر كلسع الأفاعي ولدغ العقارب وأشد"(15). ففي الدنيا نموذجان، الأول:"يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي"(16). والثاني: "فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ"(17).
خلق الله تعالى الحياة كما خلق الموت، قال تعالى: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ"(18). هذا بلاءٌ واختبار سيحاسبنا الله عليه في يوم القيامة، فالموتُ والحياةُ جزءٌ من المنظومة التي أوجدها الله تعالى في هذا الكون، بأن خلق الله تعالى الإنسان، ليقضي جزءاً من الوقت في هذه الدنيا، ثم يموت بعد ذلك، فيذهب إلى القبر حيث يبدأ عالم البرزخ، فيبقى فيه حياة طويلة إلى يوم القيامة، يفنى الجسد في عالم البرزخ وتبقى النفس، فإذا كان مؤمناً عاش طيب الجنة مرتاحاً، وإذا كان كافراً عاش ألم النار منزعجاً، من دون أن يكون فعلياً في الجنة أو النار، فإذا جاء يوم القيامة، نُفخ في الصور، فيموت جميع الأحياء على وجه الأرض، ثم يبعثهم الله تعالى مع من في القبور جميعاً، فريقٌ إلى الجنة وفريقٌ إلى النار، بحسب أعمالهم. الدنيا للبلاء والاختبار والامتحان، فلنُحسن استخدامها، لنحمل أعمالنا الصالحة إلى الله تعالى فنرتاح ونطمئن في جنة الخلد.