لنحسم مسألة أساسية، بأنَّ الأَجَلَ المسمى بيد الله تعالى، لا يتقدم ولا يتأخر. ماذا ينفعنا إذا عرفنا بأنَّ الأَجَلَ محتوم؟ أهم فائدة أن لا يشغل الموت الإنسان بالوسوسة والخوف والحرص، وأن لا ينصَبَّ هدفه لمنع الموت عنه بالمبالغة في العناية بصحته، أو الابتعاد عن مواقع الجهاد خشية الخطر، أو باتخاذه المواقف المتخاذلة خشية الموت! فالموت حتمي في وقته المحدد، كائناً ما كانت مواقف الإنسان وتصرفاته في حياته. يجب أن تقوم بتكليفك وواجبك بشكل صحيح، فهذه الأمور لا تميتك، هل تعتقد أنَّ المجاهدين قتلوا واستشهدوا لأنهم ذهبوا للجهاد في سبيل الله؟! لا، إنما استشهدوا لأنَّ أجَلَهم حان في هذه اللحظة التي قتلوا فيها، ولذا بعض المجاهدين الذين شاركوا بعدد كبير من العمليات الجهادية ضد إسرائيل منذ سنة 1982 وحتى الآن، لا زالوا أحياءً، لأنَّ أجَلَهم لم يحن وقته، بينما ذهب بعضهم إلى الجهاد فاستشهد من أول معركة لأن أجَلَه قد حان، وبعض الناس اختبؤا في الملاجئ والمخابئ أو انتقلوا الى أمكنة أخرى حذر الموت, ولكنهم ماتوا لأن آجالهم قد حانت.
أرادت أم أن تحمي ولدها أثناء الحرب اللبنانية، فقررت أن تسفرِّه خارج لبنان، استقل الطائرة, وبعد خمس دقائق أُذيع خبر سقوطها فمات ابنها، لقد حان أجَلُهُ فلا يمكن حمايته. وفي حادثة أخرى مشهورة عن سقوط طائرة كوتونو بعيد اقلاعها من المطار، فمات من كان على متنها، لكن شاباً منعته أمه من السفر, فلم يستقل الطائرة، فبقي على قيد الحياة، إذ لم يحن أَجَلُه. فالذين ماتوا أصيبوا بأجلهم، والذي بقي على قيد الحياة لم يحن أَجَلُه بعد.
عندما يعرف الإنسان أن أَجَلَه بيد الله تعالى يرتاح ويطمئن، فلا ترتبط أعماله باحتمال الموت أو عدمه، بل يقوم بتكليفه، ويبتعد عن أماكن الخطر، ويحمي نفسه بشكل طبيعي، فلا يرمي بنفسه إلى التهلكة. لا يمنعُ القيامُ بالتكليف الموتَ، بل قد ينتهي إلى الموت، فقُم بتكليفك وقناعتك مهما كانت الصعوبات، إذا قدَّرت مسؤوليتك في ذلك، والباقي بيد الله تعالى. لا تحمِّل نفسك مسؤولية الموت, طالما أنَّك قمت بما عليك حبسب تقديرك لواجبك.
من الكلمات الرائعة للإمام علي(ع) وكل كلامه رائع يقول: "كَفَى بِالأََجَلِ حَارِساً"(10)، يحرسُك أَجَلُك، فلو اجتمعت الدنيا عليك ولم يحن أَجَلُك لن تموت، ولو جئت بكل الحرس والحماية في العالم ليحموك من أَجَلِك فلن يُحولوا بينك وبين الموت.
عن سعيد بن وهب, أحد الذين كانوا مع أمير المؤمنين علي(ع): "كنا مع سعيد بن قيس بصفين ليلاً، والصفان ينظر كل واحد منهما إلى صاحبه (لم تبدأ المعركة بعد)، حتى جاء أمير المؤمنين علي(ع) فنزلنا على فنائه، فقال له سعيد بن قيس: أفي هذه الساعة يا أمير المؤمنين؟ أما خفتَ شيئاً؟ قال(ع): وأي شيءٍ أخاف؟ إنَّه ليس من أحدٍ إلا ومعه ملكان موكلان به أن يقعَ في بئر, أو تضربه دابة, أو يتردَّى من جبل, حتى يأتيه القَدَر، فإذا أتى القَدَر خلُّوا بينَه وبينَه"(11)، فالملائكة تحفظ بالأَجَلِ، فتكون نجاة الإنسان من الحوادث بسببه، وإنما تقع عليه فتقتله حين الأَجَل.