قال تعالى: "وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"(يس 78-83).
المفتاح: عَيْشُ الدنيا قصير، فَخُذْ من حَلالها، وارفُضْ لذَّاتها المحرَّمة، فالعناءُ يزول سريعاً، ولكنَّك تربحُ خيرات الدنيا وخلود الآخرة.
رُويَ أنَّ أُبي بن خلف, وفي رواية أخرى العاص بن وائل، أتى بعظمٍ بالٍ وفتَّته أمام النبي(ص)، متسائلاً باستنكار: من يحيي العظام وهي رميم؟ وهل يمكن لهذه العظام التي أصبحت بالية ثمَّ تفتَّتت أن تعود مجدداً إلى ما كانت عليه؟ ومن هو القادر أن يعيدها؟ فنزلت الآيات القرآنية من سورة يس: "وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ* الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ".
تُبيِّن الآياتُ النقاشَ مع المشركين حول وجود الآخرة، التي يُعتبر الإيمان بهغ أصلاً من أصول الدين، فلو آمن الإنسان بالله تعالى ومحمد(ص) وأنكر يوم القيامة، لا يكون مؤمناً، ولا يكون ملتزماً بأصول الدين، فالإيمان بيوم القيامة مقومٌ من المقومات الأساسية للإيمان.
ما هو الدليل على وجود يوم القيامة؟ بيَّن الكافر دليلاً واهياً ظنَّه قوياً عندما أتى بالعظام وفتَّتها، قائلاً: من يحيي العظام وهي رميم؟ فجاءه الجواب المُفحم: "قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ"، فالذي خلق العظام وكساها باللحم أوَّل مرة من العدم، قادر على خلقها مرة ثانية وثالثة ومتى يشاء.
"وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ"، فلينظر الكافر إلى نفسه، وإلى الدقة في خلقه، وإلى النِعَم التي منحه الله تعالى إياها، والحياة التي أعطاه إياها! فالإنسان مخلوقٌ مميز، وفيه أسرارٌ لا تُحصى ولا تُعد، ومع كل الاكتشافات المعاصرة حول تكوين الانسان, لا يزال العلم اليوم عاجزاً عن الالمام بالكثير من أسرار خلقه, فالعلماء يتخصَّصون في الجامعات لمعالجة جزءٍ من عضوٍ من أعضاء الإنسان (كالعين مثلاً)، ويدرسون سنوات وسنوات في هذا الاختصاص, ويجربون حالات كثيرة, وتبقى الحقائق المجهولة أكثر من المعلوم, هذا الإنسان هو من خلقِ الله تعالى.
قرَّر الله تعالى أن يُعيد الحياة للخلق مرة ثانية في يوم القيامة، وأن يجعل الآخرة للحساب, يجتمع فيها الناس منذ بدء الخليقة، في يومٍ واحد، وفي محضر واحد، للجزاء عن أعمال الدنيا، فالإيمان بهذا اليوم أصلٌ من أصول الدين في كل دعوات الانبياء.
أيها الإنسان، انظر الى ما حولك: "الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ"، يُروى في تفسير هذه الآية: يوجد نوعان من الشجر في الجزيرة العربية: نوع اسمه المَرْخ ونوع اسمه العَفار، لونهما أخضر، فإذا حككناهما ببعضهما يتولد النار، وهذا هو المقصود بأنَّ الشجر الأخضر الظاهر في قابليته لعدم الاشتعال، قد جعل الله تعالى فيه قدرة الاشتعال بالاحتكاك.
"أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ"، فانظر أيها الإنسان إلى الأرض والسماوات، وما تحويه من كواكب ومجرات ونجوم ...الخ، وإلى دقة وعظمة واتساع الخلق, التي لا نعرف عنها إلاَّ القليل القليل مما في السماوات، والقليل القليل مما في الأرض، مع كل الاكتشافات والاختراعات، فأسرار الكون عظيمة، والذي خلق السماوات والأرض قادرٌ على أن يعيد خلقهما مرة ثانية وثالثة ورابعة..
"إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ". عندما نقرأ هذه الآية نتصور بأن الله تعالى يشير بيده, أو يلفظ: كُنْ فَيَكُونُ! لا، فالكلام في الآية من أجل أن نفهم المقصود، فبمجرد أن توجد الإرادة عند الله تعالى، يحصل الشيء ويكون، من دون كلام ولا اشارة. فالله تعالى الذي قدَّر وأراد وخلق، أراد يوم القيامة للحساب، الى الجنة أو النار، وأراد الدنيا معبراً للآخرة، نعيش فيها سنوات معدودة، ثم ننتقل إلى خلود الآخرة، فعلى ضوء أعمال الدنيا ينتقل الإنسان إلى الجنة التي يعيش فيها السعادة من دون عناء أو تعب، أو يذهب إلى النار حيث الشقاء والعذاب والألم والمرارة، هذه هي إرادة الله تعالى، "فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ".