عن الرسول(ص): "إذا أحبَّ الله عبداً ابتلاه، فإنْ صبَرَ اجتباه، وإنْ رضيَ اصطفاه"(11). حياةُ الأنبياء والأئمة(عم) مليئةٌ بالصعوبات والعقبات والتعقيدات والتكذيب والقتل، وما اصطفاؤهم واختيارهم لدورهم العظيم الا لصبرهم وتحملهم ورضاهم وتسليمهم, فقد أثبتوا أهليتهم للنبوة والامامة فاختارهم الله تعالى لها. فمن صبر أكثر, وتحمَّل أكثر، فمقامه أعلى بالاختبار. فإذا أختبرك الله تعالى فهو يريدك ويحبك، ومع نجاحك فيه تقترب من الله تعالى أكثر، لتنتقل إلى الاجتباء، ثم إلى الاصطفاء.
عندما اجتمعت الأحزاب لقتال المؤمنين، اعتقدوا أن المسلمين سيخافون منهم لكثرتهم ووقوف الكفر كله ضد الحق، بينما تصرف المؤمنون مع رسول الله(ص) بطريقة مختلفة، قال الله تعالى: "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً"(12)، استبشروا بالخير عندما رأوا كل هذه الأحزاب مجتمعة لقتالهم، فلم يخافوا، بل رأوا في هذا الابتلاء اختباراً لرفع مقاماتهم عند الله تعالى.
نصحنا رسول الله(ص) بقوله: "إرضَ بقسم الله تكن أرغَدَ الناس"(13)، فهذه هي حصتك التي قسمها الله تعالى لك، ولن تغيِّر شيئاً إذا لم تتقبلها, وربما ازدادت حياتك سوءاً بسبب موقفك. وإذا قبلتها قبولاً حسناً، فسترتاح نفسياً، وترتقي درجاتٍ عند الله تعالى، وتمتلئ صحيفة أعمالك بالخير، والله وحده يعلم مدى الخيرات التي ستحصل عليها بسبب صبرك وتسليمك ورضاك، فاسلك مسار الرضا فإنَّه طريقُ الغنى الوافر.
أوحى الله تعالى إلى النبي داوود(ع): "يا داوود تريدُ وأُريد، ولا يكونُ إلا ما أُريد، فإنْ أسلمتَ لما أُريد أعطيتُكَ ما تُريد، وإنْ لم تُسلم لما أُريد، أَتعبتُك فيما تُريد، ثم لا يكونُ إلاَّ ما أُريد"(14). قُم بما عليك, وارضَ بالمقسوم، فالله تعالى هو الموفق والمعين. لكل إنسان نصيبه في هذه الدنيا, يحصل عليه بالحلال أو بالحرام، فالأفضل أن يصبر ليأخذه بالحلال ولو تأخر عنه، فليطمئن لأنه سيحصل على ما كتبه الله له، أما إذا استعجل الحرام، فلن يزداد نصيبه ورزقه، وسيتحمل وزر ما قام به.
الرضا بالقضاء ربحٌ خالص، فهو يريح النفس في الدنيا، وله أجرٌ عند الله تعالى في يوم القيامة، قال الإمام الباقر(ع): "من رضيَ القضاء, أتى عليه القضاءُ وأعظمَ اللَّه أجرَه، ومن سخط القضاء مضى عليه القضاءُ وأحبطَ الله أجرَه"(15). ومع السخط على القضاء فالخسارة مضاعفة، فلا يحصل على ما يريد، ولا أجر له في الآخرة.
وأعلم أنك إذا أردت أن ترتاح وتطمئن وتزيل هم الدنيا ومتطلباتها، فاتبع قول الأمير(ع): "نِعْمَ الطاردُ للْهَمِّ الرضا بالقضاء"(16).
سأل النبي موسى(ع) ربه: "يا رب: أخبرني عن آية رضاك عن عبد؟
فأوحى الله تعالى إليه: إذا رأيتَني أُهيئُ عبدي لطاعتي، وأصرفه عن معصيتي، فذلك آيةُ رضاي"(17)، وهذا مؤشرٌ يدلُّ على الرضا، باستمرار التوفيق للطاعة والامتناع عن المعصية، وهما أمران بحاجة إلى جهدٍ وعناءٍ وصبر، فهنيئاً لمن رضي بما أعطاه الله تعالى، وأرضى ربَّه بالتسليم لقضائه.
لا تُحصى خيرات الرضا ولا تعد، أبرزها ثلاثة، ففي حديث المعراج: "فمن عمل برضاي ألزمه ثلاث خصال: أُعرِّفُه شكراً لا يُخالطه الجهل، وذكراً لا يُخالطه النسيان، ومحبةً لا يؤثِرُ على محبتي محبةَ المخلوقين"(18).