مفاتيح السعادة

التسليم والرضا

التسليم والرضا

قال تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ "(البقرة 155-157).


المفتاح: لا نَستطيعُ دَفْعَ القضاءِ الذي لا يُردُّ ولا يُبدَّل، فلنُسَلِّم بالواقع ونرضى, لننطلق في حياتنا براحةٍ نفسيةٍ وطمأنينة، تُحيطُنَا رحمةُ الله وهدايتُه.


تتحدث الآيات الكريمة عن الصبر والتسليم والرضا بقضاء الله تعالى, عندما يواجه الإنسان المصائب المختلفة في هذه الحياة الدنيا، وهي مصائب يومية، يتعرض لها الإنسان، فقد بُنيت الحياة على وجود الابتلاءات والامتحانات والاختبارات المختلفة، وهنا قدَّم الله تعالى خمسة نماذج تشمل غالبية الابتلاءات، قال:


"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ"، بأي سببٍ من الأسباب التي تؤدي إلى الخوف، أكان الخوف على الحياة أو المستقبل، أو على شيء، أو من شيء، فالخوفُ حاصلٌ عندما يواجه الإنسان بعض التحديات، أو يشعر بأنَّ شيئاً ما يهدده.

"وَالْجُوعِ"، بسبب الفقر, أو عدم الحصول على الطعام، أو بسبب أوضاعٍ صعبة حصلت في بلده، أو بسبب المجاعة والحروب، أو لأي سببٍ من الأسباب.
"وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ"، فيخسر أمواله في التجارة، أو يكون مدخوله الشهري غير كاف، أو لا يتمكن من تصريف محصوله الزراعي فيفسد, أو تقل قيمة بضائعه، أو يخسر ما أدَّخره من المال لحادث أو نفقات طارئة.

"وَالأنْفُسِ": كأن يموت ولده بمرض أو حادث، أو تموت زوجته، أو يفقد أحد أبويه أو أحبائه الذين يحيطون به، فهذا نقص في الأنفس.
"وَالثَّمَرَاتِ": توقَّع محصولاً في زراعته، فكانت النتيجة أقل، وهذا ما يشعر به المزارعون في مواسم القحط أو البرد الشديد أو العواصف، وهو من النقص الذي يُبتلى به الإنسان.
إذاً يحيط البلاء بشكل عام بكل حياة الإنسان، ولذا يؤثر فيه، فهو يخسر ويفقد ما يحب وما يسعى إليه وما يتعلق به، وأكثر ما يتعلق به الإنسان في الحياة: النفس والمال، لذا عندما عرض الله تعالى علينا أن نبايعه ونعاهده، تحدث عن المبادلة بهما: "إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ"(1)، فالأنفس والأموال تختصر كل شيء.

تتضمن الأنفس رغبة الناس بطول الحياة, والصحة الجيدة, وامتلاك القدرة والقوة, والمال الوفير, والعيش الرغيد، والمعافاة من المرض والعجز والإعاقة والخوف... انتبهوا! ستُبتلون في حياتكم، بما تحبون، وهذا اختبار، والحياة الدنيا قائمة على الاختبار. فماذا نفعل أمام هذه الابتلاءات؟

"وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ"، فالبشرى للذين يصبرون على هذه الابتلاءات. يُبتلى الإنسان فيكون في أحدى حالتين: أن يصبر أو لا يصبر. فإذا لم يصبر لموت ولده، وحزن حزناً شديداً، وجرح نفسه، ولطم خده، وصرخ صراخاً عالياً، ويمكن أن يُصاب بمرض أو ضرر بسبب هذا الانفعال، لأنه رافضٌ لما حدث! فماذا ستكون النتيجة؟ يزداد ألمه وضرره, وتسوء حالته النفسية والمعنوية, ولا امكانية لديه لردِّ القضاء وحدثِ الموت، ولا يمكنه تغيير الواقع. وإذا خسر مالاً، فتهدَّم محله، أو خسر في التجارة، أو أنفقه على حادث، فتأثر كثيراً, وانزوى مهموماً, أو ضرب أولاده، أو حطَّم أثاث منزله، تعبيراً عن غضبه وعدم رضاه! فهل يرجع المال بهذه الطريقة؟! أبداً، بل تزداد مصيبته.

أمَّا إذا أُصيب بولدٍ أو مالٍ أو خوفٍ أو جوعٍ أو أي بلاء، فصبرَ ورضيَ بما قسم الله تعالى له وقضى به، وقال: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، مقراً بذلك أنَّ من اعطى المال أخذه، ومن رزق بالولد استعاده، والموت بيد الله تعالى، ولا أحد يستطيع منع الحوادث أو إبرام القضاء، فكلمة "لو" و "يا ليت" لا تعيد حياةً ولا تُرجع مالاً، والأمرٌ ليس بيدنا, أكنا مقصرين أو غير مقصرين، قمنا بما علينا أم لم نقم بما علينا، فعندما يحصل القضاء لا مرد لأمر الله تعالى.

من سلِّم أمره إلى الله تعالى ورضي بقضائه، هداه الله تعالى الى الصواب: "أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ"، الذين يحصلون على الرحمة والهداية، أمَّا الرحمة فتخفف من وقع المصيبة وتُطمئِن وتعوِّض، وأمَّا الهداية فتُرشد إلى التصرف الصحيح الذي ينعكس راحة نفسية ورضا.

تربينا هذه الآيات على التسليم والرضا ، فالارتباط قائمٌ بين الإيمان والرضا، إذ لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يسلم لقضاء الله ويرضى بما قسم، حيث لا ينفع الاعتراض والرفض، ولا يغيِّر من الواقع شيئاً، فالأفضل أن يستثمر المؤمن ما حصل بأجرٍ من عند الله تعالى نتيجة التسليم والرضا.