الحبُّ للرسول(ص) حبٌ للقدوة التي تؤثر في سلوك المؤمن، وهو مقدَّمٌ على ما سواه لأنَّه النُّور الذي يهدي ويُقوِّم. قال رسول الله(ص): "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذريتي أحب إليه من ذريته"(1). لماذا نحب النبي(ص) وأهل بيته وذريته أكثر من حبنا لأولادنا وأنفسنا وعترتنا وذريتنا؟ مسارُ النبي(ص) وعترته يهدف إلى إقامة الدين، فهم النموذج الأرقى، الذي يعبِّر عن الاستقامة والصلاح، وحبهم تعبير عن التفاعل في اطار التضحية والعطاء، فإذا ارتبطنا بنماذجهم، سرَّينا حُبَّنا لهم إلى حُبِّنا لأهلنا على طريق الصلاح، ما لا يُنقصُ من حُبِّنا لأهلنا شيئاً، بل يزيده نوراً من حب النبي(ص) وآله(عم).
ويقول الرسول تأكيداً لهذا الحب :" لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، أن تحفظوني في أهل بيتي، وتودوهم بي"(2).
عنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه(ع) قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّه(ص) لأَصْحَابِه: أَيُّ عُرَى الإِيمَانِ أَوْثَقُ؟ فَقَالُوا: اللَّهُ ورَسُولُه أَعْلَمُ. وقَالَ بَعْضُهُمُ الصَّلَاةُ, وقَالَ بَعْضُهُمُ الزَّكَاةُ, وقَالَ بَعْضُهُمُ الصِّيَامُ, وقَالَ بَعْضُهُمُ الْحَجُّ والْعُمْرَةُ, وقَالَ بَعْضُهُمُ الْجِهَادُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّه(ص) لِكُلِّ مَا قُلْتُمْ فَضْلٌ, ولَيْسَ بِه, ولَكِنْ أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ: الْحُبُّ فِي اللَّه, والْبُغْضُ فِي اللَّه, وتَوَلِّي أَوْلِيَاءِ اللَّه, والتَّبَرِّي مِنْ أَعْدَاءِ اللَّه"(3). الحب لله تعالى هو المحور والأساس. من أحبَّ الله تعالى أحبَّ أن يرضى عنه، ولا يرضَ إلاَّ بتنفيذ أوامره، فإذا كانت أوامره صعبة، فالمحب يُعطي للحبيب ولو عانى وضحى وتعب، لأنَّ هدفه الأساس أن يرضى الحبيب، فكيف إذا كان الحبيب هو الله تعالى.
ماذا يعني الحب في الله والبغض في الله؟ فلنفرض أن جماعةً من المؤمنين لا تعرفهم ولا يعرفونك، ولكن لأنهم يحبون الله ويطيعونه، يرتبط قلبُك بحبهم وتتقرَّب منهم، فأنت تحبهم في الله تعالى لأنهم يحبونه، وتساعدهم حباً لله، وتحمل معهم قضية الأمة حباً لله، وتواجه أعداءهم وتبغضهم قربة إلى الله تعالى. وإذا كان هناك شخصٌ عاص، أعماله منحرفة وشيطانية وفاسدة، ولك مصالح معه، وتربطك به صداقة، لا يصح أن يكون حبيباً لك، وهو مخالف لأوامر الله تعالى، فهذا ما لا ينسجم مع روحيتك والتزامك وحبك لله تعالى، ويُخشى أن يدفعك حبه إلى التضحية من أجله مخالفاً لإيمانك والتزامك.
إذاً من الطبيعي أن ننسجم مع المحب لله تعالى، ولا ننسجم مع العاصي له، وأن نقيِّم الأعمال بحسب مؤداها، فإن كانت مستقيمة فهي في حب الله تعالى، وإن كانت منحرفة أبغضناها في الله تعالى، وهذا ما يجعل شخصيتنا في مسارها الإيماني الصحيح. قال تعالى لموسى(ع) في الحديث القدسي: "هل عملتَ لي عملاً قط؟ قال موسى(ع): الهي صلَّيتُ لك, وصمت, وتصدَّقت, وذكرتُك كثيرا.
قال الله تبارك وتعالى: أمَّا الصلاة فلك برهان، والصوم جُنَّة، والصدقة ظل، والزكاة نورٌ، وذكرك لي قصور، فأي عملٍ عملت لي؟
قال موسى(ع): دُلَّني على العمل الذي هو لك؟
قال: يا موسى، هل واليت لي ولياً قط؟ أو هل عاديت لي عدواً قط؟ فعلم موسى أنَّ أفضلَ الأعمال الحب في الله, والبغض في الله"(4).
هذه هي القاعدة، أن تكون مع أولياء الله تعالى، الذين يحبون لله, ويُبغضون لله. عندما تكون من أولياء الله تعالى وتعادي أعداءه، تحب لله وتعمل ما يحبه، وتبغض في الله وتبغض ما يبغضه، تصبح جزءاً من مسيرة الأنبياء والأوصياء والشهداء الذين يعمرون الكون بطاعة الله تعالى.
ويقول الرسول(ص) مُظهراً لنا قيمة هذا الحب وحلاوته: "ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبه إلاَّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أذ انقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار"(5)، فالمحور هو الحب في الله والبغض في الله.