قال رسول الله(ص): "جاهدوا أنفسكم على شهواتكم تحل قلوبكم الحكمة"(13)، لأنَّ مواجهة الشهوات يحمي النفس ونقاءها، فلا تختلط الأمور على الإنسان، ويكون أصفى عقلاً وتفكيراً فيما يُعرض عليه، فتصدر مواقفُهُ حكيمة بما أنعم الله تعالى عليه من صفاء واستقامة.
وقال أمير المؤمنين علي(ع): "من قويَ على نفسِهِ تناهى في القوة"(14)، إذ أنَّ السيطرة على النفس نجاحٌ في اختبار القوة داخل الإنسان، فيستخدم استعدادته وقدرته كاملة في مواجهة التحديات الخارجية، ما يجعله متناهياً في القوة، وثابتاً في مواجهة المعاصي والتحديات. قال تعالى في كتابه العزيز: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ"(15)، فالمجاهدة تُراكِم القوة, وتفتح سُبُل الهداية، ومن وصايا الخضر(ع) لموسى(ع): "ردَّ نفْسَكَ على الصبر تخلص من الإثم"(16)، فالصبر نتيجة المجاهدة التي تؤدي إلى امتلاك القدرة للتخلص من الإثم.
وفي الأثر عن زليخا زوجة عزيز مصر، في زمن النبي يوسف(ع)، قولها ليوسف(ع) لما أصبح حاكماً: "إنَّ الحرص والشهوة تُصيِّر الملوك عبيداً، وإنَّ الصبر والتقوى يُصيِّر العبيد ملوكاً. فأجابها يوسف(ع): قال الله تعالى: إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ"(17).
ولا تنسَ الخلاصة المهمة لكل عمل الدنيا, وهي النتيجة في الآخرة: "فَأَمَّا مَن طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى"(18).
مرَّ أمير المؤمنين علي(ع) بقتلى الخوارج يوم النَهروان مخاطباً إياهم: "بُؤْساً لَكُمْ لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ. فَقِيلَ لَه: مَنْ غَرَّهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: الشَّيْطَانُ الْمُضِلُّ, والأَنْفُسُ الأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ, غَرَّتْهُمْ بِالأَمَانِيِّ, وفَسَحَتْ لَهُمْ بِالْمَعَاصِي, ووَعَدَتْهُمُ الإِظْهَارَ, فَاقْتَحَمَتْ بِهِمُ النَّارَ"(19).
تكون المكانة العظيمة لمن قاد نفسه إلى صلاحها، فعن أمير المؤمنين علي(ع): "إنَّ المجاهد نفسه على طاعة الله وعن معاصيه, عند الله, بمنزلة بر شهيد"(20).