ما هي النفس؟ النفسُ الإنسانية هي محطُّ الأعمال، فعندما يموت الإنسان يفنى جسده في الأرض ، ولكن نفسه تبقى حيَّةً في البرزخ ، فالنَّفس الإنسانية هي الروح المبثوثة في جسد الإنسان والتي تنعكس الأعمال عليها. ماذا فعل الله تعالى بهذه النفس؟ "سوَّاها" بأن منَحَها أفضل المقومات, وخلقَها وأعطاها "فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا"(1) بخصائص ومميزات تتناسبُ مع أفضلِ حياةٍ للانسان اذا أَحسَنَ الاختيار.
ما هي ضوابط الفطرة؟ "فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا"(2)، أعطى هذه النفس قدرة أن تَفجُر وتنحرف، وقدرة أن تتَّقي وتستقيم، فيستطيع الإنسان أن يرتكب المعاصي أو أن يختار الطاعات. الفجر فهو الذي يمزِّق الليل، كما في بعض التفاسير, والفجور هو تمزيق الإيمان وارتكاب المعاصي، فالفاجر يخالف التقوى والاستقامة، والتقوى هي الحماية والحذر والوقاية والانتباه من أن يعصي الإنسان ربه. فتحصَّلَ أنَّ الله تعالى أودع النفس الإنسانية قدرة أن تختار طريق الفجور أو أن تختار طريق التقوى.
البدايةُ من النفس, ويقوم عملنا التربوي على توجيه هذه النفس الإنسانية، فالأهل يربُّون أولادهم بمحاكاتها، والمعلمون والمربون يركِّزون على متطلباتها وما يؤثر فيها. في المقابل: شياطين الأرض والفاسدون يعملون أيضاً على النفس الإنسانية لحرفها، فيحرِّكون المشاعر والأهواء والرغبات نحو الفساد, بالترويج للانحراف كمصلحةٍ للإنسان. فالعمل على النفس الإنسانية هو البداية وهو الأساس.
قال أمير المؤمنين علي(ع): "أَنَّ النَّبِيَّ(ص) بَعَثَ بِسَرِيَّةٍ فَلَمَّا رَجَعُوا,
قَالَ(ص): مَرْحَباً بِقَوْمٍ قَضَوُا الْجِهَادَ الأَصْغَرَ, وبَقِيَ الْجِهَادُ الأَكْبَرُ.
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّه(ص) ومَا الْجِهَادُ الأَكْبَرُ؟
قَالَ(ص): جِهَادُ النَّفْسِ.
ثم قَالَ(ص): أفضلُ الجهاد من جاهدَ نفسَهُ التي بين جنبيه"(3).
جهادُ النفس هو نقطةُ الانطلاق، فمن جاهَدَ نفسَهُ وقهَرَ شيطَانَه امتلكَ نَفسَه, وأصبح مستعداً ليجاهد عدوَّه دائماً، أما الإنسان الذي لا ينجح في جهاد نَفسِه فقد يصبح أنانياً وشهوانياً ومنحرفاً، يفكِّر بلذَّاته ويغرق في متطلباتها, فلا يُقدِم على الجهاد الأصغر, ولا يهتم بشؤون أمَّته.