نظرةُ الإمام الخميني(قده) الى المرأة هي نظرة الإسلام الأصيل، وقد ظَهَّر مفرداتها من خلال كلماته ومواقفه، بما يرسم التقدير الإسلامي الكبير للمرأة، ومنحها حقوقها كاملة، على قدم المساواة مع الرجل، بل أكثر منه في بعض الأحيان، فالإسلام يحميها بمنظومة الحقوق والواجبات، وينصفها في دورها الإنساني، ويحفظ مكانتها المتولِّدة عن جهادها وعملها، ويكافؤها في حساب الآخرة بناء لعملها.
أنقذ الإسلام المرأة من براثن الجاهلية، محارباً وأد البنات، "وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ"(190)، فلها كامل الحق في الحياة، ولها كامل الحقوق المترتبة عليها، ولذا أخذت التشريعات الإسلامية بيد المرأة لتحتل مكانتها الطبيعية والمشروعة في هذه الدنيا. قال الإمام الخميني(قده): "يريد الإسلام تكامل الرجل والمرأة، وقد خلَّص الإسلام المرأة من بوائق العصر الجاهلي، ولم يخدم الإسلام الرجل بقدر ما خدم المرأة. أنتم لا تعلمون ما كانت عليه المرأة في الجاهلية، وما آلت إليه بالإسلام؟! إنَّ الإسلام يريد للمرأة أن تقوم بجميع ما يقوم به الرجل من الأعمال الأساسية، ويريد الإسلام أن يمنح المرأة شخصيتها ويخرجها من كونها "سلعة". في حين أن هؤلاء يريدون بيعها! وقد خدم الإسلام المرأة خدمة لم يسبق لها في التاريخ مثيل، فانتزع الإسلام المرأة من الأوحال، وأضفى عليها شخصيةً واحتراماً"(191).
مكانة المرأة في الإسلام جسَّدتها السيدة فاطمة الزهراء(عها), فهي المعصومة التي تساوي في كمالها المعصومين من الأنبياء(ص) والأئمة(عم)، وهي الإنسان الكامل، ولها تجربةٌ رائدة في حياتها مع والدها النبي محمد(ص) وزوجها أمير المؤمنين علي(ع) وأولادها الحسن والحسين(عما) وزينب، وفي مجتمع المسلمين، ما ترك لنا نموذجاً تطبيقياً من الكمال الإنساني للمرأة، يصلح قدوةً للرجال والنساء، وقد اختار الإمام الخميني(قده) يوم ولادة السيدة الزهراء(عها) في العشرين من جماد الثاني من كل عام يوماً عالمياً للمرأة المسلمة، تقتدي بها كل النساء، فيوم المرأة المسلمة، يوم ولادة السيدة الزهراء(عها)، يوم النموذج الإنساني الذي يعدل جميع الرجال: "يومٌ عظيم واجتماعٌ كبير ومحلٌ مبارك، يومُ ولادة الزهراء المرضية، يومُ المرأة. يومُ انتصار المرأة، ويومُ المرأة القدوة في العالم. إن للمرأة دوراً كبيراً في المجتمع. المرأة هي مظهرُ تَحقُّق آمال البشر، المرأة تربي جمعاً غفيراً من النساء والرجال العظماء. ومن حضن المرأة يسمو الرجل في معارج الكمال. حضن المرأة محل تربية النساء العظيمات والرجال العظماء. يوم عظيم، اليوم ولادة امرأة تعدل جميع الرجال، امرأةٌ نموذجٌ للإنسان، امرأةٌ تجلَّت فيها كل الحقيقة الانسانية. إذاً اليومُ يومٌ عظيم، إنَّه يومُكُنَّ أيتها النساء"(192).
يوم المرأة هو يوم الكمال التطبيقي من خلال الشخصية البشرية لسيدة نساء العالمين(عها): "غداً يوم ولادة الصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عها)، ويوم المرأة. ... إنَّ كل الحقائق الكمالية المتصورة للانسان والمتصورة للمرأة- جميعها- تتجلى في هذه المرأة. وغداً تولد مثل هذه المرأة، امرأةٌ فيها جميع خصوصيات الأنبياء"(193).
السيدة الزهراء(عها) هي النموذج القدوة، فقد كانت أم أبيها النبي محمد(ص) في أدائها ومكانتها، وأعطت المثال في حياتها الزوجية مع سيد الأوصياء علي(ع) الذي قال عنها: "فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمرٍ، حتى قبضها الله عزَّ وجلَّ إليه، ولا أغضبتني ولا عَصَتْ لي أمراً، ولقد كنتُ أنظرُ إليها فتنكشفُ عني الهموم والأحزان"(193ب). وهي التي ربَّت أولادها الحسن والحسين وزينب(عم)، وهي العالمة التي كانت تجيب عن أسئلة النساء الشرعية وتصرف وقتاً وجهداً لذلك، وهي التي وقفت خطيبة في مسجد رسول الله(ص) بعد وفاته تطالب بالحق وتنصر الولاية ولا تخشى في الله لومة لائم. السيدة الزهراء(عها) عملت لأسرتها ومجتمعها، في تنسيقٍ وتكاملٍ نموذجي للمرأة المسلمة.
ترجم الامام رؤيته عن المرأة في حياته الزوجية, فقد شكَّل المصداق العملي لكل ما قاله عن المرأة, في طريقة رعايته لزوجته وتقديره واحترامه لها, والحرص على عدم أذيتها أو ازعاجها, وقد تحدثت زوجته عن تعامله معها فقالت: "كان الامام يُظهر احتراماً كبيراً لي, ويمنحني اهتماماً زائدا, فلم يكن ليقلِّل الاحترام لي أو ليُسيء الأدب معي أبدا, حتى في قمة الغضب. كان دائماً يجود عليَّ بلطفه وتقديره, وطالما أنِّي لم آتِ الى المائدة, لم يكن ليبدأ تناول الطعام, وكان يقول للأولاد أيضاً: اصبروا حتى تأتي السيِّدة"(193ج).
المرأةُ مربِّيةُ المجتمع، رجالاً ونساءً، وهي التي توصل المجتمع نحو سعادته أو شقائه، بحسب الدور الذي تؤديه، فتربيتها السليمة للمجتمع ترشده وتنقذه وترفع من شأنه الإنساني، وتربيتها الفاسدة - لا سمح الله- تهبط بالمجتمع إلى الدرك الأسفل، فينهار ويضيع ويخسر كل شيء، قال الإمام(قده): "المرأةُ مربِّيةٌ للمجتمع، فمن حضن المرأة ينشأ الإنسان. المرحلة الأولى للرجل والمرأة السليمين تتمثل في حضن المرأة. المرأة مربِّيةٌ للإنسان. سعادةُ وشقاءُ الدول رهنُ وجود المرأة، فالمرأة بتربيتها الصحيحة تصنع الانسان، وبتربيتها الصحيحة تحيي المجتمع. إنَّ السعادات تنشأ من حضن المرأة، والمرأة يجب أن تكون مبدأ جميع السعادات"(194).
وفي كلمة أخرى للإمام(قده) قال: "إنَّ دور المرأة في العالم له مميزات خاصة، حيث أنَّ صلاح أو فساد أي مجتمع ينشأ من صلاح وفساد نساء ذلك المجتمع، فالمرأة هي الموجود الوحيد الذي يمكن أن يقدم من حجرها أشخاصا الى المجتمع، تنال المجتمعات من بركاتهم، وتحقق لنفسها الاستقامة والقيم الإنسانية العليا، ويمكن ان يقع عكس ذلك"(195).
يعطي الإمام تحليلاً رائعاً لدور المرأة، فالقرآن يربي الإنسان نظرياً بتوجيهاته وهدايته، والمرأة أيضاً تربي الإنسان عملياً بأمومتها ورعايتها، ما يُبيِّن الدور الكبير للمرأة: "تربي النساء في أحضانهن الرجال الشجعان، إنَّ القرآن الكريم يربي الإنسان، والمرأة أيضاً تربي الإنسان، فوظيفةُ النساء تربيةُ الإنسان، ولو جُرِّدت الأمم من النساء المربيات للإنسان، هُزِمت وآلت إلى الانحطاط، وتدنَّت إلى الحضيض"(195ب).
يتمحور الدور التربوي انطلاقاً من الأمومة، التي لا بديل عنها، فالأم هي التي تربي على الفضائل، وهي التي ترعى الرعاية الصحيحة المشبعة بالتضحية والصبر والإخلاص. يجب حفظ دور الأم في العملية التربوية، وعدم التفريط به، وعليها أن لا ترد على أولئك الذين يريدون تعطيل دورها الأساس في الحياة. يقول الإمام الخميني(قده): "من أحضانكن أيتها النساء يجب أن تكون الإنطلاقة، في أحضانكن يجب أن يتربى الأطفال تربية إسلامية صحيحة، لأنَّ الطفل ينشأ في أحضانكن، ويبقى ملازماً لَكُنَّ، ونظرُه وسمعُه مشدودٌ إليكن، فإن سمع أمَّه تكذب قد يصبح كاذباً، أمَّا إذا رأى الأمَّ إنسانةً سوية، والأبَ رجلاً صالحاً, فسيكون رجلاً صالحاً"(195ج).
برزت نظرة الامام العملية الى مكانة الأم, من خلال رسالته الى ولده السيد أحمد, التي تحدَّث فيها بمنتهى اللطف والحب والتقدير عن أم أولاده: "إنَّ أكبر وصية لي اليك بُني العزيز، هي أن أوصيك بوالدتك الوفيَّة. فنحن لا نستطيع إحصاء الحقوق الكثيرة للأمهات, ولايمكن أداؤها كما ينبغي, فليلةٌ واحدةٌ تقضيها الأمهات في رعاية اولادهن هي أكثر قيمةً من سنين يقضيها الاب الملتزم, وإنَّ تَجَسُّم العطف والرحمة في عين الأم النورانية، هو بارقةُ رحمةِ ربِّ العالمين وعطفه, فلقد مزج الله تبارك وتعالى قلوب الأمهات وأرواحهن بنور رحمةِ ربوبيته, بحيث لا يمكن لأحدٍ وصف ذلك, ولا يدركه أحد سوى الأمهات, ورحمةُ الباري هي التي تفضَّلت على الأمهات ليتحمَّلنَ بثباتٍ عجيب الآلام والمشقَّات, من استقرار النطفة في الرحم, وطول الحمل, ووقت الولادة, ومن الرضاعة وحتى النهاية, وهي آلامٌ لا يستطيع الآباء تحملها ولو لليلة واحدة, فهم عاجزون عنها.
وما جاء في الحديث من أنَّ: "الجنَّة تحت أقدام الأمهات", حقيقةٌ تُشير بهذا التعبير اللطيف لعظم قدرهن, ولتنبيه الأبناء أنَّ عليهم أن يبحثوا عن السعادة والجنة تحت التراب المبارك لأقدامهن, وأن يُراعوا حرمتهن بما يقارب حرمة الحق تعالى, وأن يطلبوا رضا الرب سبحانه في رضا الأمهات. ورغم أنَّ الأمهات هنَّ مثال ذلك كلهن, ولكن البعض منهن يتمتعن بميزات خاصة, ولقد وجدتُ أمك المحترمة متمتعة بهذه الخصائص طيلة حياتي, ومن خلال الذكريات التي اتذكرها عنها, في الليالي التي كانت تقضيها مع اطفالها وفي النهار ايضا. والآن أوصيك بُني وسائر أولادي, وكما أراها راضية عنكم وانا على قيد الحياة, عليكم أن تسعوا لأن تجهدوا أكثر في خدمتها والحصول على رضاها بعد موتي"(195د).
ما هو البديل الذي يريدونه للأم؟! إنَّها تقدم أعظم خدمة وأشرف دور في حضانتها لأطفالها وتربيتها لهم: "إنَّ هذه الأم التي يترعرع الطفل في أحضانها، تتحمَّل أعظم مسؤولية، لديها أشرف عمل، ألا وهو رعاية الطفل. إنَّ تنشئة الطفل وتقديم إنسان للمجتمع هو من أشرف الأعمال في العالم، إنَّه الهدف الذي بعث الله تبارك وتعالى الأنبياء من أجله على مر التاريخ، من آدم إلى الخاتم، فالأنبياءُ بعثوا لتربية الإنسان"(195هـ).
وقد أُثير نقاش كبير حول عمل المرأة خارج منزلها، وانخراطها في العمل الاقتصادي المعيشي، فنظَّر البعض إلى أولوية الاكتفاء المالي والعمل المعيشي المستقل للمرأة على حساب حياتها الزوجية والأسرية، ما أدَّى إلى تفكك الأسرة وضياع الأولاد، مع أنَّ المطلوب هو التوازن الدقيق بين الدور الأسري والدور المجتمعي بحسب ظروف المرأة الخاصة، على أنَّ الأولوية للأسرة وتربية الأولاد. قال الإمام الخميني(قده) في جمع من نساء مدينة الأهواز: "أنتنَّ أيتها النساء اللاتي شاركتن في هذه النهضة وحفظكن الله، مدعوات للتقدم بهذه النهضة، وإنَّ مسؤوليتكن المهمة هي تربية أبناء صالحين.. لقد أرادوا لهذه النسوة أن يبتعدن عن أطفالهن.. فبعض من يدعو النساء للعمل في الدوائر لا يهدف تطوير العمل، بل يعمل ذلك من أجل إفساد الدوائر، ويسعى إلى إبعاد الأطفال عن أحضان أمهاتهم، وإذا لم يتربَّ الأطفالُ منذ البداية في أحضان أمهاتهم، فسوف ينشأون معقَّدين، وإنَّ معظم المفاسد ناتجة عن هذه العقد التي تنشأ عند الأطفال"(195و).
فلا إشكال بعمل المرأة خارج منزلها، ولكن بالنحو الذي لا يحرم أولادها من تربيتها لهم، ولا يحط من مكانتها ودورها: "طبيعي أنَّ العمل السليم للمرأة، لا مانع منه أبداً.. ولكن ليس بالنحو الذي يريده هؤلاء، فإنَّ دافعهم ليس حصول المرأة على عمل، بل الحط من مكانتها ومكانة الرجل أيضاً، فهم لم يسمحوا لشريحة النساء أن تنمو نمواً طبيعياً، وهكذا الرجال، إذ أنَّهم لا يروق لهم أن يتربى أطفالنا تربية إسلامية، ولهذا وقفوا في وجه ذلك منذ البداية، وحرموا أحضان الأمهات التي هي مهد تربية الأطفال من ممارسة دورها"(195ز).
للمرأة كل الحقوق وفي كل المجالات، كحقوق الرجل، فهي تختلف عنه في طبيعتها ببعض التفاصيل المنسجمة مع دورها الأنثوي في الحنان والتربية، لكن هذا لا يمنع مساواتها في كل الحقوق المشتركة في المجتمع. وكما أحلَّ الله للرجل الطيبات والمباحات، أحلَّها الله للمرأة، وكما حرَّم على الرجل المنكرات والفحشاء، حرمَّها عليها أيضاً، فموارد الحقوق شاملة ومشتركة، وموارد الواجبات متكافئة ومنسجمة مع طبيعة كل منهما، وموارد التربية والسلوك تعنيهما بدرجة واحدة، وموارد المنع والتحريم تشملهما معاً، وفي نهاية المطاف فإنَّ التقييم الإلهي لا يفرق بينهما في العمل: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "(196)، وإنما يكون التفاضل بين الرجال والنساء معاً على أساس التقوى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ "(197).
أكَّدَ الإمام الخميني(قده) على أنَّ حقوق المرأة كحقوق الرجل، وإنَّ إساءة بعض الرجال للنساء إنما هو سلوك فردي سيء لا علاقة للإسلام به، فمكانة ودور المرأة محفوظة بتشريعات الإسلام:
"حقوق المرأة في النظام الإسلامي هي كحقوق الرجل، فلها حق الدراسة، وحق العمل، وحق التملك، وحق التصويت، وحق كسب الأصوات. وللمرأة حق في جميع المجالات التي للرجل حق فيها، ولكن أيضاً ثمة موارد محرمة على الرجل لأنها تُسبِّب ظهور الفساد، كذلك، فإن بعض الموارد محرمة على المرأة لأنها تسبب الفساد.
طالب الإسلام المرأة والرجل بالمحافظة على حيثيتهما الإنسانية، وأراد الإسلام من المرأة أن لا تكون لعبة بيد الرجل، وليس صحيحاً ما يُثار في الخارج أن الإسلام يتعامل بخشونة مع المرأة، فهذا إعلام باطل يبثه المغرضون، وإلاَّ فثمة صلاحيات للمرأة والرجل في الإسلام، وإذا كانت هناك اختلافات، فإنَّها موجودة في كليهما، وهي مرتبطة بطبيعتهما"(198).
للمرأة دورها في المجتمع، وهي شريك كامل في الأنشطة السياسية، وإقامة الحكومة الإسلامية، وحماية البلد من المحتلين، وصيانة نظام المجتمع. ذكر القرآن الكريم حادثة بيعة النساء لرسول الله(ص) في مكة المكرمة قبل الهجرة على قدم المساواة مع بيعة الرجال، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"(199). وقد تمت بمراسيم خاصة بها. عن الإمام الجواد(ع): كانت مبايعة رسول الله (ص) النساء أن يغمس يده في إناء فيه ماء، ثم يخرجها، وتغمس النساء بأيديهن في ذلك الاناء، بالاقرار والايمان بالله والتصديق برسوله على ما أُخِذَ عليهن "(199ب).
وهذا ما أكَّدَ عليه الإمام الخميني(قده) في وجوب مشاركة المرأة السياسية والمحافظة على المجتمع: "مثلما يجب على الرجال المساهمة في القضايا السياسية والحفاظ على مجتمعهم، يجب على النساء أيضاً المشاركة والحفاظ على المجتمع، يجب على النساء أيضاً المشاركة في النشاطات الاجتماعية والسياسية على قدم المساواة مع الرجال، بالطبع مع المحافظة على الشؤون التي أمر بها الإسلام، والتي هي بحمد الله متحقِّقة بالفعل في إيران"(199ج). ومن مصاديق المشاركة السياسية مشاركتها في الانتخابات, لذا حثَّها الامام عليها, معتبراً مشاركتها واجبةً عليها كالصلاة: "واجب على كل امرأة ورجل ممن بلغ السن القانونية، المشاركة في انتخابات رئاسة الجمهورية والإدلاء بأصواتهم. فإذا تقاعستم فمن الممكن أن يفوز من يريد أن يضع مقاليد هذه البلاد في مهب الريح، الجميع مكلفون نساءاً ورجالاً بالمشاركة. فكما أن الصلاة تجب على كل المكلف، كذلك يجب عليه المشاركة في تقرير مصيره"(199د).
المرأةُ انسانٌ في دورها ومكانتها, ولا يجوز أن تتحول الى سلعة, ولا يجوز استغلالها لأهواء أو استثمارات الرجل, انَّها مكمِّلٌ للنصف الآخر في المجتمع, ومن دونها لا تستقيم الحياة البشرية, وعلى الرجل أن يعينها ويتعاون معها, فلا ينظر اليها كسلعة بل كإنسان: "في النظام الإسلامي، المرأة كإنسان- وليست كسلعة- يمكنها المشاركة الفعَّالة مع الرجل في بناء المجتمع الإسلامي, ولا يحق لها أن تقلِّل من شأنها لتصبح سلعة, كما لا يحق للرجال أن ينظروا اليها من هذا المنظار"(199هـ).
عندما تنجح المرأة في دورها وأدائها تسمو إلى مصاف العظماء، وتستحق كلَّ تقدير وتبجيل، وهذا ما دفع الإمام(قده) أن يُحيِّي نساء إيران المجاهدات على عطاءاتهن، وأن يفتخر بهن وبشجاعتهن، في مواجهة الشاه، وتحمل أعباء الثورة وحمايتها، والتضحيات الكبيرة التي بذلنها من أجلها.
"تحيةً لا تنتهي لنساء إيران، سلام عليكن أيتها البطلات، يا من أنقذتن الإسلام بهممكن العالية من براثن الأجنبي، وإني لأقدِّم الشكر لَكُنَّ، وليرض عنكُنَّ الله وإمام العصر(عج). إني فخور بشجاعة نساء إيران في قم والمدن الأخرى، لقد كنتن طلائع هذه النهضة وما تزلن، ونحن جميعاً مدينون لشجاعتكن. فالرعاية التي أولاها الإسلام للمرأة أكثر من الرجل، فللمرأة نصيب في هذه النهضة أكثر من الرجال، وإن النساء هن اللاتي يربيِّن الرجال الشجعان في أحضانهن. القرآن الكريم صانع للإنسان وكذلك النساء أيضاً، نحن شهدنا ونشهد، أنَّ النساء وقفن إلى جانب الرجال أو تقدمن عليهم في صفوف القتال، وفقدن أبناءهن وشبابهن وما يزلن يقاومن، ولو جُرِّدت الأمة من المرأة الشجاعة وصانعة الإنسان حاقَتْ بها الهزيمة والسقوط والانحطاط.
يجب على المرأة أن تساهم في القضايا المصيرية للبلاد، إنَّنا نريد للمرأة أن ترتفع إلى درجة الإنسانية السامية، وعلى المرأة أن تسهم في تقرير مصيرها، فعهد الكبت أراد تحويل المرأة من الشخصية المقاتلة إلى الشخصية اللاهثة وراء الفساد، ولكن الله أبى ذلك، إنهم أرادوا معاملة المرأة كسلعة، غير أنَّ الإسلام أشركها كالرجل في جميع الأمور، وإن كان الإسلام قد جعل قيوداً للمرأة أو للرجل فهو خير لهما"(199و).
علينا أن لا نغفل عن دور المرأة في القضايا المصيرية، فهي ليست جليسة منزلها ومربية أطفالها فقط، بل هي شريك في الثورة والنهضة وقضايا المجتمع، ولها مساهماتها المؤثرة في هذه الميادين، جنباً إلى جنب مع الرجل، وفي هذا الإطار لا يجوز التعامل معها كسلعة فاقدة لدورها وخصوصياتها، فهذه خسارة كبرى لها وللمجتمع.
أحدث الإمام الخميني(قده) تحولاً كبيراً في الدور العملي للمرأة الإيرانية، وهذا ما برز في أدائها لنصرة الثورة الإسلامية في إيران، فقد حضرت في كل الميادين، وشاركت الرجل في كل المهام، لإسقاط الشاه وإقامة الجمهورية الإسلامية، ولم يكن دورها ليبرز بهذه الشمولية والسعة، لولا بركة وقيادة وتوجهات الإمام الخميني(قده) ، وهذا ما أظهرته التظاهرات ومشاركاتها السياسية والجهادية المختلفة، لقد حصل تحولٌ كبير في دور المرأة في إيران: "إنَّ أبرز ما حدث في إيران هو التحول الذي حصل لنساء إيران"(200).
وقال: "إنَّ هذا التحول الذي وُجد في إيران كان تحولاً عميقاً.. لقد منَّ الله تبارك وتعالى بالتحول الفكري والروحي على هذا الشعب.. نحن نرى الآن أنَّ القضايا التي تطرحها المتحدثات باسمكن أيتها النساء اللاتي تقطنَّ المناطق الساحلية، هي مسائل سياسية واجتماعية معاصرة، وأنَّ الشيء نفسه نجده لدى النساء الأخريات في المراكز والمؤسسات في مختلف أنحاء البلاد، إذ أخذت المرأة تُولي اهتماماً خاصاً بالمسائل السياسية والاجتماعية المعاصرة. إنَّ هذا التحول حدث ببركة النهضة الإسلامية، وأرجو أن يتواصل.
ينبغي لكنَّ أيتها النساء، وكذلك أنتم أيها الأخوة، وبقية إخوتنا وأخواتنا، المحافظة على هذا التحول الروحي، وأن تمارس المرأة دورها في القضايا السياسية والنشاطات الاجتماعية الخاصة بها"(201).
بل كان للمرأة دور الدافع للرجل ليقتحم الصعاب، ويتحدى سطوة الشاه، ولولاها كان من الصعب الوصول إلى انتصار الثورة الإسلامية في إيران. وفي هذا يقول الإمام الخميني(قده): "لا بدَّ لنا من شكر النساء اللاتي كانت لهن خطوات راسخة في النهضة، وقدَّمنَ عوناً كبيراً لأبناء الشعب.. إنَّ نزول النساء إلى الشوارع وهتافاتهن، هو الذي شجع الرجال وضاعف من قوتهم، وهكذا عملتنَّ على مضاعفة قوى الآخرين، فضلاً عن تمتعكن بالقوة"(202).
تحدث الإمام الخميني(قده) عن المرأة في وصيته الإلهية الخالدة، مقدَّراً لدورها، ومؤكِّداً على مكانتها التي حصلت عليها بسلوكها العظيم في نهضة إيران وثورتها، وقال: "نحن نفخر بحضور السيدات صغاراً وكباراً في الميادين الثقافية والاقتصادية والعسكرية يجاهدن جنباً الى جنب الرجال، بل قد يتقدَّمن عليهم من اجل اعلاء كلمة الاسلام واهداف القرآن الكريم.
تشارك المستطيعات منهن في التدريبات العسكرية، للدفاع عن الاسلام والدولة الاسلامية، الأمر الذي يعد من الواجبات الهامة، متحررات من انواع الحرمان الذي فرض عليهن، بل على الاسلام والمسلمين، نتيجة تآمر الاعداء وجهل الاصدقاء باحكام الاسلام والقرآن، وساعياتٍ بمنتهى الشجاعة والحزم للتحرر من قيود اسر الخرافات، التي روج لها الاعداء، بواسطة بعض المغفلين والمعممين الجاهلين بمصالح المسلمين.
وأمَّا اللواتي لا يقدرن على حمل السلاح، فمشغولات بتقديم أسمى الخدمات في المواقع الخلفية، بنحوٍ يفجِّر الحماس والاندفاع في قلوب أبناء الشعب، ويزلزل قلوب الاعداء والجهلة الأشد سوءًا من الاعداء، ويملؤها حنقاً وغضباً. وما اكثر ما رأينا من النساء الجليلات، وهن يمارسن دورهن الزينبي، مفاخراتٍ بفقدهن الابناء، ومضحياتٍ بكل شيء في سبيل الله تعالى والاسلام العزيز، مدركات أنَّ ما حصلن عليه يفوق جنات النعيم سُمواً، ناهيك عن سُموه على متاع الدنيا الرخيص(203).
أدَّت توجيهات الإمام الخميني(قده) للمرأة أن تشارك بمقدار استطاعتها وبحسب ضرورات الجهاد في الميدان العسكري، فهي غير مكلَّفة بالقتال، لكن هذا الأمر لا يمنع من الاستعداد والتدريب نظراً للأخطار الكبيرة التي أحاطت بإيران، والتي يمكن أن تتطلب مشاركة المرأة في بعض المواقع الجهادية الحسَّاسة، وقد لعبت دوراً مهماً في الخطوط الخلفية والمساندة وتضميد الجراح.
أعطى الإسلام المرأة كامل حقوقها، ومكَّنها من التعبير عنها في المجتمع، وقد تمثَّلت المرأة بأرقى نموذج في شخصية السيدة الزهراء(عها)، وهي إلى جانب دورها الأسري تشارك في الشؤون السياسية والجهادية والاجتماعية المختلفة، كلُّ ذلك في إطار موقعها التربوي الأساس الذي يشمل الجميع رجالاً ونساءً، ولا يجوز إنقاص أي حقٍ من حقوقها التي تساوي حقوق الرجل، أو حقوقها التي تتفاوت فيها مع الرجل بحسب طبيعة خلقها ودورها, وهي محلُّ فخرٍ واعتزاز عندما تقوم بواجباتها، لما تتركه من آثارٍ كبرى في المجتمع. لقد أحيا الإمام الخميني(قده) دور المرأة، وأوضح كامل حقوقها، كما أرادها الإسلام، وجدَّد في التطبيق العملي، فتكرَّست مشاركتها في الثورة وشؤونها، وهي الآن تحتل مكانتها المناسبة، وقد أزاحت عنها الممارسات المتخلفة التي مارسها البعض باسم الإسلام، حارماً إياها من مكانتها ودورها.