كتاب الإمام الخميني(قده) : الأصالة والتجديد

حقوق الأقليات

حقوق الأقليات

الإسلامُ دينُ الدَّولة في إيران، على أساس المذهب الجعفري الاثني عشري، وهذا ما لا يمنع أتباع المذاهب الأخرى من حقوقهم، والعمل وفق قناعاتهم، والالتزام بأحوالهم الشخصية. هذا الاختلاف هو جزء من الحرية الفردية في الاختيار، والتي يؤمن بها الإسلام.

وقد سأل المحاور الفرنسي الإمام الخميني(قده) في نوفل لو شاتو في باريس، قبل انتصار الثورة الإسلامية، بقوله: "أشرتم في نداءاتكم السابقة إلى أن الجمهورية الإسلامية ستكون ديمقراطية، وكل من فيها سيكون حراً، فهل يمكن التحدث بالديمقراطية في النظام الذي يقتصر فقط على مبدأ أو عقيدة واحدة، والمقصود هنا هو الإسلام؟ وماذا سيكون مصير غير المسلمين وغير المعتقدين بالدين في هذا النظام؟.

فأجابه: الديمقراطية في الإسلام، والناس فيه أحرار في إظهار عقائدهم أيضاً طالما لم يتآمروا على النظام، ولم يُبرزوا القضايا التي تُضلِّل الشباب الإيراني"(119).
وفي سؤال آخر أكثر تحديداً، وعن الحزب الشيوعي، سأل الصحفي: "كيف سيكون وضع حقوق الاقليات الدينية والعرقية والسياسية في الجمهورية الإسلامية؟ هل سيكون الحزب الشيوعي حراً في نشاطه؟.

فأجابه الإمام الخميني: إنَّ الإسلام منح الحرية للأقليات الدينية أكثر من أي دين وأي مذهب، وعلى هؤلاء ايضاً الاستفادة من حقوقهم الطبيعية التي منحها الله تعالى لكافة البشر، نحن نحافظ على هؤلاء بأفضل وجه .. الشيوعيون كذلك أحرار في ابداء آرائهم في الجمهورية الإسلامية"(120). وأمَّا ما حصل مع حزب توده الشيوعي بعد انتصار الثورة، فقد استمرَّ حراً يدعو إلى قناعاته في ظل نظام الجمهورية الإسلامية، إلى حين استخدامه للسلاح وقيامه بالتفجيرات المختلفة ضد الدولة الناشئة، عندها صدر قرار بحظر نشاطه، ومعاقبة المرتكبين منه.

وفي لقاء الإمام(قده) مع ممثل بابا الفاتيكان والوفد المرافق له في باريس، تحدث الإمام(قده) عن نظرة الإسلام إلى الرسالات السماوية، التي كانت محترمة دائماً في ظل الدولة الإسلامية، وستكون كذلك في الدولة الإسلامية في إيران. "إنَّ الأقليات الدينية كانت محترمة دوماً في الاسلام، وإنَّ الوفاق بين الاديان الموحِّدَة الكبرى أمرٌ ضروري لتحقيق التقدم للبشر. إنَّها قدرة إيمان الشعب وقوة الإسلام التي مكَّنتنا من التغلُّب على الظلم والاستبداد والاستعمار، ونحن نأمل من سائر الشعوب ان يلتحقوا بنا في هذا الطريق"(121).

كرَّر الإمام الخميني(قده) هذا الموقف بعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة، وأثناء استقباله في قم المقدسة، أعضاء الطائفة اليهودية في إيران، وقبل صياغة دستور الجمهورية، فقال: "وأما الطائفة اليهودية، وسائر الطوائف الموجودة في إيران وهي من هذا الشعب، فإنَّ الإسلام يتعامل معهم كما يتعامل مع بقية طوائف هذا الشعب، إنَّ الإسلام لا يجيز الإجحاف بحقهم أبداً، ولا محاربتهم في معيشتهم، فهذا مخالفٌ لأصل التربية الإسلامية، مخالفٌ لما يريده الله تبارك وتعالى من الرفاهية لجميع الناس. إنَّ الإسلام يتبع الأحكام الإلهية، فكما أنَّ الله تبارك وتعالى يفرض الاحترام لجميع طوائف الشعوب، كذلك الإسلام يفرض احترامهم، اطمئنوا لهذا، إنني قد ذكرت هذا حينما كنت في باريس للشخص الذي جاءني ممثل عنهم وقلت له بأن الإسلام لا يرضى بإيذاء أحد، الإسلام للجميع، وينشد السعادة للجميع، فلا معنى لما يُثار من أنَّ المسلمين سيفعلون باليهود كذا وكذا. لقد شاهدتم كيف انتصر المسلمون ومع ذلك لم يتعرضوا لليهود، ولم يتعرضوا للزردشتيين، لم يتعرضوا لبقية الطوائف، وقد رأيتم ذلك بأعينكم ... هل تعرض أحد ليهودي بعد انتصارنا؟ تعرض لنصراني؟ تعرض لزردشتي؟ لم يكن هناك تعرض في البين. وبعد هذا أيضاً، عندما تقام وتستقر الحكومة الإسلامية- إن شاء الله- بالشكل الذي يريده الله تبارك وتعالى، فسوف ترون أنَّ الإسلام أفضل من جميع المناهج الأخرى فيما يرتبط بمراعاة حقوق جميع فئات الشعب، وسوف يعمل بشكل أفضل من الجميع"(122).

ولعلَّ البعض يتساءل عن موقف الإمام من اليهود، خاصة وأنَّ موقفه من إسرائيل واضحٌ جداً، فهو يدعو إلى إزالتها من الوجود، لكنَّه يميِّز بين اليهود والصهيونية، ويعتبر يهود إيران مواطنين إيرانيين لهم الحق أن يعيشوا في بلدهم ولهم حقوقهم. قال الإمام(قده): "لقد أشاعوا أنه إذا قامت الحكومة الإسلامية فستقتل الأقليات الدينية، اليهود والنصارى والزرادشتيين! وهذا الكلام لا أساس له من الصحة، فإذا قامت دولة عادلة إن شاء الله، سندعو اليهود الإيرانيين الذي خُدعوا ورحلوا إلى إسرائيل ليعودوا إلى وطنهم، وستعاملهم الدولة الإسلامية بأحسن ما يكون، ما جاء الإسلام ليضيِّق على البشر. إنَّ القوانين الإسلامية تحترم جميع الفئات وكافة الناس، إنَّ هذه الدعايات تهدف الى حماية الشاه والإخلال بالثورة"(123).

أبدى الإمام(قده) رأيه في حفظ حقوق الأقليات المنسجم مع وجهة نظره في حق الاختلاف المشروع واحترام الرسالات السماوية، قبل انتصار الثورة وبعدها، وتم تثبيت هذا الموقف في دستور الجمهورية الإسلامية، فالمادة 12 تتحدث عن مذهب الجمهورية الشيعي الاثني عشري، وحق المذاهب الأخرى بأحوالهم الشخصية: "الإسلام هو دين الدولة الرسمي في إيران، ومذهبها هو المذهب الجعفري الإثني عشري، وهذا المبدأ ثابت غير قابل للتغيير إلى الأبد. وتتمتع جميع المذاهب الإسلامية الأخرى (الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية والزيدية) باحترام كامل، وتكفَل الدولة لأتباع هذه المذاهب حرية ممارسة شعائرهم الدينية وفقاً لمذاهبهم، وتعترف لهم بحرية التعليم الديني والأحوال الشخصية (كالزواج والطلاق والإرث والوصية) وإقامة الدعاوى ذات الصلة في المحاكم. وفي المناطق التي يشكل أتباع أي من هذه المذاهب الأغلبية، تكون التشريعات المحلية الداخلية ضمن إطار صلاحيات المجالس البلدية طبقاً لذلك المذهب، مع مراعاة حقوق أتباع المذاهب الأخرى"(124).

وتتحدث المادة 13 عن حقوق الأقليات كافة في أحوالهم الشخصية: "يمثِّل الإيرانيون من الزرداشت واليهود والمسيحيين, الأقليات الدينية الوحيدة المعترف بها رسمياً، وهم أحرارٌ في ممارسة طقوسهم الدينية ضمن نطاق القانون، وتطبيق قانون الأحوال الشخصية والتعاليم الدينية الخاصة بهم"(125).