وردت أيضاً في الروايات تفاصيل أخرى في موضوعات مختلفة، هي أقرب إلى الصفات التي تحتمل معانٍ عدة، أو أنَّها تنطبق على أمور لا ندركها إلاَّ في وقتها الفعلي، أو أنَّها غير مؤكدة حيث لم يتم التدقيق فيها وفرز الصحيح من غيره بالنسبة لروايات الظهور، وبالتالي فلا يصح الجزم والقطع أو افتعال المطابقة لبعض الأحداث. فمثلاً: من هو العبد الصالح شعيب بن صالح؟ وهل الاسم الحقيقي للسفياني عثمان بن عنبسة ؟ وهل ترمز بعض مواقع الحروب أو الكنوز أو الأقوام إلى جهات نعرفها من دون تردد؟
لا مانع من الاستئناس ببعض التفاسير لهذه الأمور، لكنَّنا لا نستطيع الجزم بأنَّ فلاناً هو شعيب بن صالح، وفلاناً هو عثمان بن عنبسة...بل لا نحتاج إلى ذلك، على الرغم من رغبة الناس بالتوسع في التفاصيل، لأننا إذا جزمنا ببعض التطبيقات وتبيَّن خطأها، فإنَّها ستنعكس سلباً على من تعلَّق بها، فضلاً عن أن الروايات أبقت الأمور عامة بعناوينها ورموزها بهدف التركيز على أصل الظهور ومؤشرات عصره، وهو ما يمكن أن يطمئن إليه الإنسان من المؤشرات العامة.
بل ذكرت بعض الروايات احداثاً محدَّدة، كما عن الحروب والدماء في بعض البلدان، التي يعيش أهلها معاناة شديدة قبل قيام القائم(عج)، فعن أبي عبد الله(ع):"...وخسف ببغداد، وخسف ببلدة البصرة، ودماء تسفك بها، وخراب دورها، وفناء يقع في أهلها، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار"(L)، حيث يمكن التعاطي مع أمثالها كجزء من تكوين صورة الواقع الخطير الذي يحصل في منطقتنا والعالم قبيل الظهور، لكنَّنا نحتاط بالتطبيق الحرفي وتحديد المواقيت، والله اعلم.
لم تذكر روايات الظهور الصفات العامة إلاَّ لنبقى في دائرتها، ولو أراد الشارع المقدَّس إعلامنا بالتفاصيل بطريقة قطعية، لأوردها إلينا من خلال القرآن الكريم، أو أقوال النبي(ص) والأئمة(عم)، بما يصل إلينا بشكل صحيح سنداً ومضموناً. لكنَّ الهدف هو الإيمان بالظهور، والعلامات الإجمالية، واتباع رايات الهدى، ومواجهة رايات الضلال، وعدم اليأس مهما بلغت الصعوبات، ووجود الأمل الأكيد بالنصر للمؤمنين، والارتباط بقيادة إمام الزمان(عج)، والعمل الدؤوب لإقامة الدين والعدل، وحمل لواء الجهاد في سبيل الله... وليس التَّعلق بالتفاصيل والجزئيات. فإذا ما استأنسنا بالعلامات من دون جزم بتطبيقها العشوائي على الواقع، فإنَّ الأهداف تتحقق بفعالية، عندها لا يكون أي تطبيق إلاَّ استئناس غير ملزم إلى حين تحققه الفعلي، فنحافظ بذلك على ما هدفت إليه روايات الانتظار من الأمل والعمل.
علماً بأن تسارع الأحداث لن يترك مجالاً للانتظار الطويل عندما يحين وقت الظهور، فالأحداث تكون متسارعة جداً، وتُحتسب بالأيام والأسابيع والشهور، وليس بالسنوات أو العقود، نظراً لكثرة التداعيات التي تحصل في المنطقة، فعن محمد بن الصامت، عن أبي عبد الله(ع)، قال:
"قلت له: ما من علامة بين يدي هذا الأمر؟
فقال : بلى.
قلت: وما هي؟
قال: هلاك العباسي، وخروج السفياني، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء، والصوت من السماء.
فقلت: جُعلت فداك، أخاف أن يطول هذا الأمر؟
فقال: لا، إنما هو كنظام الخرز، يتبع بعضه بعضاً"(12).
اليقين بالظهور فعلُ إيمان لا نحيد عنه، وترقُّب الظهور أملاً بالفرج عبادة، وأملنا كبير أن نكون في عصر الظهور، ويكفينا أن نعيش الأمل لنحصل على بركات الحجة (عج) الذي يرعانا في غيبته، هذا هو إيماننا، ودعاؤنا الدائم: اللهم عجل فرج وليِّك القائم، واجعلنا من أنصاره وأعوانه، والمستشهدين بين يديه.