سماحة الشيخ لنسير مع قول الإمام (ع) :" فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا " ماذا يريد أن يقول لنا الإمام زين العابدين (ع)؟
المدخل الذي دخل منه الإمام زين العابدين (ع) هو مدخل هادف لإلفات نظر الإنسان تجاه أمه، لاحظ ماذا قال " أن تعلم أنها حملتك "، بطبيعة الحال كل واحد يعلم أن أمه حملته ،لكن عليك أن تتذكر دائماً وعليك أن تعيش دائماً صورة هذا العلم ، لأنك بمجرد أن تنسى أيها الإنسان بأنها حملتك وأنها تعبت من أجلك وأنها سهرت عليك الليالي ، بمجرد أن تنسى هذه الأمور فقد لا تتعامل مع أمك كما يجب وكما تستحق .إن مشكلة المشاكل في علاقة الأولاد مع أمهم ، أنهم يتعاملون معها بطريقة ندِّية،أي أنهم مقابلها وكأنهم غرباء عن بعضهم البعض ، ينسى الإبن هذه المرأة الطيبة هذه الأم التي بذلت في لحظات حاجته للبذل بطريقة سخيّة ، ولذا بدأ الإمام (ع) بالتذكير " أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا "إن مميزات هذا الحمل هو أنه متعب وفيه تكاليف باهظة تتحملها الأم، على المستوى الجسدي والنفسي والصحي وعلى كل المستويات ، ومع ذلك تتحمل هذا العبء الكبير الذي لا يتحمله أحد تحت أي عنوان آخر .
لنجرِ مقارنة بسيطة بين الأم في تعاملها مع ولدها وبين الانسانة العادية في تعاملها مع إبن الأخرى ، هل يا ترى نستطيع أن نجد مقارنة منطقية وموضوعية في التعامل ؟ قد تشعر أي امرأة تجاه ولد من الأولاد بحنان معين وعاطفة معينة ، لكنها ليست مسؤولة في أن تتحمله وأن تتحمل مشاكله وتعبه ، بل تعلن رفضها في مواجهة الأعباء المترتبة على الأمومة إلا ما ندر، لكنها من موقعها كأم تفكر بطريقة مختلفة تماماً ،وتتحمل خارج دائرة التوقعات.هنا تستحضرني تلك الحادثة مع أمير المؤمنين علي (ع) ، عندما أراد أن يحكم للولد إلى أي أم يتبع لأنهما ادعيتاه ، كل واحدة تقول بأنه ولدها ، ولا تساعد المعطيات للتحديد بدقة لمن هذا الولد . لجأ الإمام علي (ع) إلى أسلوب حكيم ليستكشف خلفية الأمومة عند الأولى أو الثانية، " فدعا بمنشار،فقالت إحداهما:ما تصنع به؟ قال: أجعله نصفين.قالت إحداهما:قد سمحت بحقي لها.فقال:هذا ابنك"(1). لأنها حاضرة أن تضحي بأي شيء من أجل أن تبقيه على قيد الحياة . إنَّ موقعية الأم وطبيعتها مختلفة عن طبيعة الأخرى .