ما هو السبب الرئيس للثورة الحسينية؟
الإسلام خاتم الرسالات السماوية وأكملها وأتمها، أنزله الله جلَّ وعلا قرآناً عربياً مبيناً على خاتم الأنبياء محمد(ص). انتشر الدين الجديد في شبه الجزيرة العربية بسرعة كبيرة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، لكن لم يتسن لهذه الجموع أن تستوعب تعاليم الإسلام بدقة. ما يؤكد أن التوجيه المستمر ضروري، وأن الإمامة تمثل استمرارية الرسالة بتوضيح معالم الطريق إلى الله جلَّ وعلا. ومع اتساع الدولة الإسلامية والمنتسبين إليها، تراكمت المصالح والمكتسبات الخاصة وتحولت إلى موضوع للنزاع. ولم يخلُ تاريخ البشرية القديم والحديث من صراع على السلطة مع ما يكلف ذلك من حروب ودماء وخراب.
أصاب مرض السلطة الدولة الإسلامية الناشئة، ما أحدث مفاجأة ظنَّ البعض أنها تطعن في قدرة الإسلام على التغيير، لكنَّ التغيير لا يتم بعنوان الدين فقط بل بتبنيه وعيشه والالتزام بتعاليمه، والناس في هذا الأمر كغيره من كل أمور الحياة فريقان" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً "(1). فالانقسام طبيعي بين ثلة مؤمنة تحرص على حماية تعاليم السماء، ومجموعة أخرى تتقاذفها الأهواء وتكون كما قال الإمام الحسين(ع) في كربلاء:" الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درَّت معايشهم، فإذا مُحِّصوا بالبلاء قلَّ الديانون (*).
هنا يأتي دور الثلة المؤمنة لتقوم بواجب التبليغ والتعبئة وبذل الجهد والجهاد ... لحماية الفكرة وسلامة تطبيقها، في مقابل المنافقين والمنحرفين والكافرين الذين لن يوفروا جهداً لتحقيق أطماعهم وأمانيهم ورغباتهم مهما كان الثمن. ولا ينحصر دور الثلة المؤمنة بأسلوب واحد في مواجهة الانحراف، فقد تنفع المهادنة في مرحلة، والصبر في مرحلة أخرى، والشهادة في مرحلة ثالثة، أما تقدير الأسلوب وخطوات التحرك فيعود إلى القيادة الشرعية التي تحدد سقف المواجهة وضوابطها.
وصلت خطوات الانحراف في واقع الأمة الإسلامية إلى درجة خطيرة، حيث أصبح الإسلام مهدداً كبنية فكرية وروحية متكاملة في حياة الإنسان. وتجاوز الصراع على السلطة دائرة الحرص على الشكل الإسلامي العام مع الإخلال بالمضمون، إلى درجة الإطاحة بالشكل والمضمون. فالتجاوز دفع بمعاوية بن أبي سفيان أن يهيء لخلافة ابنه يزيد ليحوِّل الخلافة إلى وراثة قبلية، وحكم المسلمين إلى مغنم عائلي، دون العودة إلى قواعد الاختيار الشرعي للأكفأ والأصلح وصاحب الحق. وقام معاوية بعمل واضح ومكشوف في أخذ البيعة لابنه وذلك سنة ست وخمسين للهجرة أي قبل أربع سنوات من وفاته، على الرغم من الصفات الشخصية السيئة والواضحة في الولد، والتي عبَّر الإمام الحسين(ع) عنها عند الوليد بن عتبة أثناء طلب البيعة له:" ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرَّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله".
إنَّ المسؤولية تقع على عاتق الأمة بأسرها، لكنها مخدَّرة ومرتبكة ومستسلمة للواقع القائم، فإذا استمرت هذه الحالة، فهذا يؤدي إلى تناميها باتجاه جديد يُسقط البناء الأساس، وعندها تجري تحولات بنيوية في العقيدة والسلوك، وتُفرَّغ الشريعة المقدسة تدريجياً من محتواها الأصيل، ليكون لتباعد الزمن عن بداية وحي القرآن الكريم الأثر الكبير في التحريف والتضليل. إنَّنا أمام تحول كبير وخطير في الأمة يُسقط أهليتها في حمل الرسالة، والله أعلم بطبيعة المدى الذي يمكن أن تصل إليه الأمور! أين هي الأمة التي تترك قيادتها الشرعية المتمثلة بسيد الشهداء الإمام الحسين(ع) ليكون مع نيف وسبعين رجلاً في كربلاء، بينما عشرات الآلاف في معسكر الضلال؟! أيُّ موقع للإسلام فيها حيث تُساق السبايا ومعها الرؤوس أمام الملأ الذين يحتفلون في الشام وكأنه يوم عيد لمقتل ابن بنت رسول الله(ص) ومن معه؟!