الإمام الحسين(ع) هو ثالث الأئمة المعصومين(عم) في سلسلة الإمامة، التي بدأت بسيد الأوصياء الإمام علي(ع)، ثم الإمام الحسن(ع)، ثم الإمام الحسين(ع) ليكون الأئمة التسعة الباقون من ولده، وآخرهم الإمام محمد بن الحسن المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف).
أكَّدت آيات وروايات كثيرة هذه المكانة المميزة لأهل البيت(عم) ومنهم الإمام الحسين(ع)، نذكر بعضها:
1- قال تعالى:" إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"(25). ورد عن ابي سعيد الخدري في أسباب نزول الآية الكريمة ، أنَّه كان يوم مبيت الرسول(ص) عند زوجته أم سلمة، "فنزل جبرائيل إلى رسول الله(ص) بهذه الآية" إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً "، فدعا رسول الله(ص) بالحسن والحسين وفاطمة وعلي(عم)، فضمَّهم إليه، ونشر عليهم الثوب، والحجاب على أم سلمة مضروب، ثم قال:"اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهِب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
قالت أم سلمة: فأنا معهم يا نبي الله؟
قال(ص): أنتِ على مكانك، وإنَّك على خير"(26).
ذكر العلاَّمة الطباطبائي في تفسير الميزان روايات عديدة متشابهة، من طرق أهل السنة والشيعة، بهذا المعنى الذي يشمل أصحاب الكساء الخمسة المعصومين: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عم)، وهم المقصودين بأهل البيت(عم) فيما ورد من آيات وروايات. وفسَّر الآية بقوله:"كلمة(إنما) تدلُّ على حصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير، وكلمة أهل البيت سواءً أكان لمجرد الاختصاص أو مدحاً أو نداءً، يدلُّ على اختصاص إذهاب الرجس والتطهير بالمُخاطَبين بقوله: عنكم، ففي الآية في الحقيقة قصران: قصرُ الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير، وقصرُ إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت، وليس المراد بأهل البيت نساء النبي خاصة، لمكان الخطاب الذي في قوله: عنكم، ولم يقل: عنكنَّ"(27).
هؤلاء نزلت الطهارة في قلوبهم، وليس ينزلها إلاَّ الله سبحانه، فهو الذي يريد ذلك، وهي طهارة القلب والنفس بأعلى مراتبها المعنوية الثابتة.
وروي عن أنس، أن الرسول(ص) كان يمر بباب فاطمة إذا ما خرج إلى صلاة الفجر، ويقول:"الصلاة، يا أهل البيت الصلاة،" إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً "(28).
2- عن سلمان الفارسي(رض)، قال:"دخلتُ على النبي(ص)، فإذا بالحسين بن علي(عما) على فخذه، وتفرَّس في وجهه، وقبَّل بين عينيه، وقال: أنت سيدٌ ابن سيِّد، أنت إمامٌ ابنُ إمامٍ أخو إمام، أبو أئمة، أنت حجَّةُ الله ابن حجَّةِ الله، وأبو حججٍ تسعة من صُلبك تاسعُهم قائمهم"، وفي رواية أخرى:"أنت السيد ابن السيِّد أبو السادات، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة، أنت الحجَّة ابن الحجَّة أبو الحجج، تسعةٌ من صُلبك تاسعُهم قائمهم"(29).
وعن أبي سعيد الخدري، قال:"سمعتُ رسول الله(ص) يقول للحسين(ع): أنت الإمام ابن الإمام وأخو الإمام، تسعةٌ من صُلبك، أئمة أبرار، والتاسع قائمهم"(30).
3- خرج رسول الله(ص) إلى طعام دُعي إليه، فإذا بالحسين(ع) يلعب مع الصبيان، فاستقبل النبي(ص) أمام القوم، ثم طفر الحسين(ع) من بين يدي رسول الله(ص)، فجعل يضاحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه، والأخرى تحت قفاه، ووضع فاه على فيه وقبَّله، ثم قال:"حسينٌ مني، وأنا من حسين، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً، حسينٌ سبطٌ من الأسباط"(31).
يُبيِّن هذا الحديث المكانة المفصلية، والدور المركزي للإمام الحسين(ع)، فهو من الرسول(ص) بالولادة والقيادة وحمل الرسالة الإسلامية، والرسول(ص) من الحسين(ع) باستمرارية الأصالة، والاستقامة، والإصلاح في الأمة، ورفعِ الشهادتين بطُهرٍ ونقاء، فما حققته شهادة الحسين(ع) من حفظ الدين وتوضيح معالم الطريق، يتوضَّح من استشراف الرسول(ص) لهذا الأمر بما تحدَّث به إمام المسلمين:"وأنا من حسين".
4- قال رسول الله(ص) مشيراً إلى الحسن والحسين(عما):"ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا"(32). الإمام هو القائد وولي الأمر، وعلى المسلمين أن يطيعوه دون غيره، وأن يبايعوه على السمع والطاعة والجهاد، سواءً قرر الإمام القيام والتحرك، أو قرَّر القعود والصبر، فرأيه سديد، وطاعته واجبة. إنَّ تنصيب الرسول(ص) للحسن والحسين(عما) في هذا الموقع وبهذه الصيغة يؤكد عصمة الإمام، لأنَّ جميع المواقف منهما صحيحة ومقبولة، فهما إمامان في كل أدائهما، ومن يخرج عن طاعتهما مخالفٌ وعاص.
5- عن ابن عباس، قال رسول الله(ص):" إنَّ علياً وصيي وخليفتي، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ابنتي، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداي، مَنْ والاهم فقد والاني، ومَنْ عاداهم فقد عاداني، ومَنْ ناوأهم فقد ناوأني، ومَنْ جفاهم فقد جفاني، ومَنْ برَّهم فقد برَّني. وَصَلَ الله من وَصَلَهم، وقطع من قطعهم، ونصر من أعانهم، وخذل من خذلهم. اللَّهم من كان له من أنبيائك ورسلك ثقلٌ وأهلُ بيت، فعليٌ وفاطمة والحسن والحسين أهلُ بيتي وثقلي، فأذهِب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا"(33).
وعن أبي سعيد الخدري:"الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"(34).
عندما تكون الجنة محسومة ومضمونة منذ الطفولة، وبتأكيد من رسول الله(ص) الذي لا ينطق عن الهوى، إنْ هو إلاَّ وحيٌ يوحى، فهذه دلالة واضحة على مكانة وعظمة دور الحسن والحسين(عما)، فمن أراد الالتحاق بهما في الجنة عليه أن يكون معهما في الفكر والسلوك، في القيام والقعود، في الحب والتفاعل، في الجهاد والتضحية. فالحديث يتحدث عن مكانتهما ليتعرف المسلمون عليها، بما لهم من دور في الإمامة والقيادة، لا لتبيان نتيجة أعمالهما الشخصية، إنَّه حديثٌ عن السيدين في إمامة الأمة.
وعن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله(ص):" إني تاركٌ فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي, فإنَّهما لن يفترقا حتى يرِِدا عليَّ الحوض"(35).
وفي سنن الترمذي بإسناده عن جابر بن عبد الله عن النبي(ص): "يا أيها الناس, إني تركتُ فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله, وعترتي أهل بيتي". وفيه أيضاً عن زيد بن أرقم, قال: قال رسول الله(ص) في غدير خم: "إني تاركٌ فيكم ما إنْ تمسَّكتم به لن تضلوا بعدي, أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي, ولن يتفرَّقا حتى يرِدا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما"(36).
يشكِّلُ كتاب الله عزَّ وجل الإطار النظري للدين الإسلامي الكامل، وتحقِّق العترة الطاهرة لأهل البيت(عم) الإطار العملي التطبيقي الكامل، ولا تستغني النظرية عن التطبيق، وما حديث النبي(ص) عن التلازم بينهما إلاَّ تأكيدٌ على سلامة تطبيق العترة الطاهرة لهذه النظرية، التي يمكن أن تُصاب بأخطاء وانحرافات كثيرة عندما لا يطبقها قادة مأمونون معصومون ذائبون في الإيمان. وقد حثَّنا الرسول الأكرم(ص) على الاهتمام والارتباط بهما معاً، وحمَّلنا مسؤولية الانقياد لهما، لأنهما سيبقيان معاً إلى يوم القيامة. وهل يعقل بعد هذا أن يفصِلَ أحدٌ بين القرآن والعترة الطاهرة، وبعد أن أجمعت روايات السنة والشيعة على تواتر هذا الحديث النبوي الشريف؟ وهل يمكن الاطمئنان إلى سلامة التطبيق العملي في حياتنا إن لم تكن العترة الطاهرة قدوتنا؟ وهل نحتاج إذا ما وقفنا بين خيارين إلى أي تأمل قبل أن نُسرع بالوقوف إلى جانب أئمة الهدى؟!
إنَّ أهل البيت(عم) سفينة النجاة، يربح من ركبها ويخسر من تخلَّف عنها، وهم الذين يشكِّلون الحصانة الكاملة عقائدياً وفكرياً وروحياً وجهادياً وسياسياً وأخلاقياً في كل شؤون الإنسان، وإنما تبرز عظمة كمال الإسلام في الأداء الكامل لأئمة الهدى، واستفادة البشرية من هذا الكمال على هذه الأرض. قال رسول الله(ص):"أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلَّف عنها غرق"(37).