ذِكْرُ الله في كل حالات الإنسان يساعد على الطاعة، فإذا غفل عن ذكر الله ، حلَّ مكانه أمر آخر وهو الهوى، إذ لا فراغ في قلب الإنسان، فإمَّا أن يملأه بذكر الله، وإمَّا أن تحل الغفلة في غيابه. لذا تكون الحاجة الملحة إلى ذكر الله في أوقات الغفلة لترتفع وتسقط مفاعيلها، والاستعانة دائماً بالله في التنبيه والإرشاد والتسديد.
كيف تذكر ربك دائماً؟ يحصل ذلك إذا عشت حضوره مراقباً لك في كل أعمالك، وأثناء صلاتك، وفي حال تأملك لخلق الله تعالى وعظمته، وعند مراعاتك للواجبات وامتناعك عن المحرمات، ومع قراءة القرآن الكريم والدعاء، وبصحبة إخوة الإيمان ومن تذكرك صحبته بالله تعال، وإذا تعلمت وحرصت على تنظيم مستقبلك للاكتفاء والخدمة العامة، وبمشاركتك في اللقاءات المسجدية والأنشطة العامة التي تخدم مسيرة العدالة، وأثناء مواجهة الظلم والانحراف، والجهاد في سبيل الله. فالذكر في كل عمل تعيش فيه حضور القلب مع الله تعالى ليسددك في أدائك السليم، فتصبح مطمئناً لدنياك وآخرتك:" الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"(420).
أما الغفلة فهي حالة معاكسة للذكر، وتكون دائمة أو مؤقتة بحسب استفحالها ومدى انحراف الإنسان. انتبه أيها العزيز من أسباب الغفلة وهي عديدة ، منها:
- الغفلة عن الآخرة، بعدم الاهتمام بالاستعداد ليوم الحساب، وهذا جهل قاتل، يرتبط صاحبه بمظاهر الدنيا الفانية ويرضى بها، ولا يراعي مسؤوليته التي سيحاسب عليها في الآخرة، قال تعالى:" يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ"(421)، وقال:" إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ"(422).
- قال لقمان(ع) لابنه وهو يعظه:"يا بني لكل شيء علامة يعرف بها ويشهد عليها...وللغافل ثلاث علامات: السهو واللهو والنسيان"(423)، أمَّا السهو فنتيجة عدم الالتفات، بسبب الانشغالات الكثيرة التي لا تعطي حيِّزاً مناسباً للطاعة والخير في حياة الإنسان. وأمَّا اللهو فبإضاعة الوقت بأمور محرَّمة وارتياد مجالس الباطل والغناء والمنكرات. وأمَّا النسيان فنتيجة عدم الاهتمام، وقد أثبتت الدراسات العلمية بأن ذاكرة المرء تكون ضعيفة فيما يقل اهتمامه فيه. فالغافل منشغل بدنياه، ومنجرف مع هواه، ولا يهتم بآخرته.
- التسويف والمماطلة، بتأجيل الدائم وتمنية النفس بوجود الوقت الكافي للتوبة، وطول مرحلة الشباب التي يمكن استثمار بعضها لاحقاً، ففي كل مرة يعد نفسه بالغد وبعده، وبالسنة القادمة وبعدها، فيؤجل البدء بالصلاة، وأداء الحج الواجب إلى حين الكبر، ودفع الخمس الشرعي الواجب إلى حين يكبر الأولاد ويزوجهم وينتهي من توسيع تجارته!...ثم يمتد التسويف إلى اللافعل ويصل إلى الغفلة."إياك والتسويف فإنَّه بحر يغرق فيه الهلكى، وإياك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب"(424).
انتبه، فالمدة محدودة في هذه الحياة، لا تتجاوز عشرات السنين، وهي لا تساوي شيئاً أمام الخلود في النار:"الا مستيقظ من غفلته قبل نفاد مدته"(425)كما قال الأمير(ع). هذه الغفلة أشبه بالنوم فاستيقظ لاستثمار وقتك:"الا متنبه من رقدته قبل حين منيته"(426).
فإذا خسرت الوقت وجاءت ساعة الموت، عندها لا ينفع وعدٌ بالتوبة، ولا مناجاةٌ بطلب المغفرة، ولا طلبُ تأجيل الموت، ولا كل ما تملك من مال وإمكانات،"لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ"(427).
لا تنسَ مواجهة الغفلة المؤقتة، ولا تقع فريسة بعض الأخطاء والانحرافات التي قد تحصل مع المؤمن إذ يمكنه تجاوزها والتوبة عنها، فلو استسلم لخطئه يائساً من قبول توبته خسر الفرصة، فقد ورد عن رسول الله(ص):"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، فإنَّه إذا فعل ذلك خلعَ عنه الإيمان كخلع القميص"(428). إنَّ علينا محاولة عدم الوقوع في الغفلة المؤقتة لأنها لحظة شيطانية قد تستمر وتترسخ، وهي إخراجٌ عن الطريق المستقيم قد تؤدي إلى الانحراف الدائم عنه، وفي حال التورط فإنَّ التوبة ثم ذكر الله الدائم بالقول والعمل يعيدنا إلى الصراط المستقيم.
"واستعملني بطاعتك في أيام المهلة"، هي المهلة المعطاة للإنسان ليحياها في هذه الدنيا، وهي أيام قليلة، تُكتب فيها الأعمال، فإذا كانت مستعملة في طاعة الله حصل الفوز، وإذا كانت مستعملة في معصية الله وقعت الخسارة الأبدية. يا رب ، اجعلني مستفيداً من مهلة الأيام القليلة في دنياي لطاعتك، فإنَّها الفرصة الوحيدة المتاحة أمامي لأنجو، وبك العون للنجاة.