اللهم صل على محمد وآله، واكفني ما يَشغلني الاهتمام به". ذكرنا أنَّ افتتاح كل فقرة بالصلاة على محمد وآله مستحبٌ لاستجابة الدعاء، وأنَّ الطلب في كل الأمور يكون دائماً من الله تعالى لأنَّه مصدر العطاء ومرجع العباد،" هُوَ الأوَّلُ وَالآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ"(66)، ومن لا يلجأ إليه في كل شيء فقد خسر خسراناً مبيناً.
ما الذي يَشغَل الإنسان؟ يشغله معاشه وحياته وزوجه وأولاده وصحته وموقعه، ومستلزمات دنياه في المسائل المادية والروحية، ثم تكمن خطورة هذه الحاجات، في إمكانية حرف الإنسان عن الاستقامة والفلاح، بسبب خطئه في التعاطي معها. هذه الحاجات غير منكرة، وهي طبيعية في الحياة الدنيا، ومن خلالها يرقى الإنسان إلى درجات الطاعة والكمال بحسن أدائه، وينحرف إلى المعاصي بسوء أدائه.
ماذا نفعل كي لا يملكنا المال، فنصبح عبيداً له؟ ولا نعمل للحصول عليه عن طريق الحرام؟ ولا نصرفه على ملذاتنا في غير ما أحلَّ الله؟ في الوقت الذي يمكننا فيه أن نملك المال بالحلال، ونصرفه في حاجاتنا، و يكون خادماً لنا، نتحكَّم به في إدارة شؤوننا.
كيف نستخدم سلطتنا في إدارة الأسرة، أو الشركة، أو المؤسسة، أو مجموعة من الناس، من غير أن نظلمهم أو أن نؤذيهم لتحقيق وجودنا؟ في الوقت الذي يمكننا أن نسوسهم وندير أمورهم بالحكمة، وحسن التصرف، مع تحقيق احترامهم لنا، وانجازهم لمهماتهم بإدارتنا.
هل تستقيم حياتنا إذا غرقنا في ملذاتنا، ولم نلتفت إلى عباداتنا في زحمة الحياة المادية؟ مع أنه بإمكاننا الجمع بين عبادةٍ تُهذِّب النفس وتعطي دفعاً للطاعة، ورغباتنا ومشاريعنا في الحياة، من دون تعارض بينهما.
ما الذي ينفعنا إذا بقينا متوترين، وخائفين على حياتنا من الموت، وأرزاقنا من الفوت، ومكتسباتنا من الزوال، ومستقبلنا من الانحدار؟ فقد عملنا ما علينا، ولم يبق بإيدينا إلاَّ التوكل على الله،" قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"(67).
كما لاحظت أيها العزيز، فمرد الأمور كلها إلى نظرتك إلى الدنيا وكيفية تعاملك معها من ناحية، وتقييمك لعلاقتك مع ربك، وما تعتقده صانع بك من ناحية أخرى. إحسم خيارك بتوجيه أمير المؤمنين(ع) في نظرته إلى الدنيا الفانية مخاطباً إياها بحقيقتها:"فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير. آه من قلة الزاد، وطول الطريق، وبُعد السفر، وعظيم المورد"(68).
واعلم أن الله يكفيك ما أهمك في شؤونك وشجونك، بما قدَّر له وقضاه، فلا داعي لتُتعب نفسك وعقلك وجسدك فيما لم يقدِّره الله لك، فضعفك وعجزك لا يسمحان لك بأكثر مما فعلت، وتعامل مع النتائج بقناعة، انها حصتك ونصيبك الذي لا يخطئ. قال أمير المؤمنين علي(ع):"لا يجد أحد طعم الإيمان حتى يعلم أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه"(69). فإذا شعرت بضيق مما أنت عليه ، واتجهت رغبتك إلى مطالب أخرى، فلا تتوانى عن أن تلجأ إلى الله، وفق القاعدة التي ذكرها الإمام الصادق(ع):"إذا دعوت فظنَّ أنَّ حاجتك بالباب"(70). وبهذا تعيش الطمأنينة والراحة في التوكل على الله تعالى ليكفيك ما يشغلك كما يحب ويرضى، وأنت معتقد بأنَّ ما جرى فيه مصلحتك في الدنيا والآخرة.