يتأثر الإنسان بكل ما يجري حوله بنسب متفاوتة، بحسب شخصيته وتربيته وما يحيط به من ظروف ومؤثرات، ويتربى بما يتلقاه من علم وتوجيهات، وتساهم تصرفات الآخرين في الاستفادة وأخذ العبر أو تقليدهم في ممارساتهم. فالتربية نتاج عوامل كثيرة في الأسرة والمدرسة والصحبة ووسائل الإعلام والعلاقات الاجتماعية والمجتمع بشكل عام، من هنا يكتسب اختيار الصحبة والمجالس التي تنعقد لاجتماع عدد من الناس واللقاءات أهمية كبرى، وكذلك تحديد الصالح منها والمفيد، وبناء العلاقة المناسبة مع الآخرين.
ومهما كانت قدرة الإنسان، فإنَّ المجالس تؤثر فيه، خاصة إذا كان في طور النشأة والشباب ولم تكتمل شخصيته بعد، وبما أنها تؤدي إلى الصلاح أو الفساد، النفع أو الضرر، العلم أو الجهل، فلا بدَّ من التدقيق وحسن الاختيار. قال لقمان لابنه وهو يعظه:"يا بني، اختر المجالس على عينك، فإن رأيت قوماً يذكرون الله عزَّ وجل فاجلس معهم، فإن تكن عالماً نفعك علمك، وإن تكن جاهلاً علَّموك، ولعلَّ الله أن يظلَّهم برحمته فيعمّك معهم، وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإن تكن عالماً لم ينفعك علمك، وإن تكن جاهلاً يزيدوك جهلاً، ولعلَّ الله أن يظلَّهم بعقوبة فيعمّك معهم"(54).
فاختيار مجالس الذكر والخير ينعكس على الوعي والسلوك، ويؤدي إلى ثواب الآخرة، فالكسب دنيوي وأخروي. عن أبي عبد الله(ع): قال رسول الله(ص):"قالت الحواريون لعيسى(ع): يا روح الله، من نجالس؟ قال: من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغِبكم في الآخرة عمله"(55).
وإذا بحثنا في الأسباب الرئيسة لانحراف الشباب، وجدناها تتمثل في مجالس اللهو وارتياد أماكن الفساد، والاستماع إلى شخصيات منحرفة أسست حياتها على الملذات، والإعجاب بنماذج روَّج لها الإعلام وأحاطها بهالة كبرى للجذب إليها.
وحيث يوجد لدى الشباب أوقات فراغ كثيرة، فالعناية باختيار المجالس المناسبة لهم تساعدهم على بناء شخصيتهم بشكل سليم، فارتياد المساجد وسهرات الأدعية واللقاءات بين المؤمنين، والرحلات المشتركة، والأنشطة الرياضية والكشفية الهادفة، والنوادي المدرسية العلمية والثقافية والفنية والترفيهية وغيرها، والاجتماعات العائلية التي تظللها أجواء الاستقامة، وأي نوع من أنواع المجالس التي لا يُعصى الله فيها، تشكِّل متنفساً إيجابياً لصرف الوقت، وعاملاً مساعداً للاستفادة في دائرة الحلال والطاعة لله تعالى.