حزب الله ... المنهج.. التجربة.. المستقبل

الفصل الأول: الرؤية والاهداف

الفصل الأول: الرؤية والاهداف

ظروف التأسيس
شهدت فترة الستينيات بدايات حركة علمائية نشطة، أعادت للطرح الإسلامي الحركي حيويته، من خلال النشاط الذي قام به بعض العلماء القادمين من الحوزة الدينية في النجف الأشرف، وذلك من خلال الدروس والمحاضرات والحوارات الثقافية التي أثارت تساؤلات واهتمامات الناس، عن هذا التفسير والفهم لدور الإسلام في الحياة. ولم تكن الساحة الثقافية والسياسية آنذاك تعير الاتجاه الإسلامي اهتماماً أو ترى له دوراً، فقد كانت مشغولة باتجاهات ثقافية وسياسية أخرى.
لم يكن النشاط واسعاً في بداية الأمر، وإنما اتخذ طريق إمامة الصلاة في المساجد، وبعض الدروس الدينية في القرى والأحياء المحيطة بها، ليمتد تدريجياً لإقامة أنشطة ثقافية على امتداد المناطق اللبنانية في دوائر ضيقة ومحدودة، وقد أقبل بعض الشباب على هؤلاء العلماء القادمين، في إطار اهتمام جدّي لمعرفة الإسلام، كما أقبل جمهور الناس عليهم وساروا معهم، لتتكون تشكيلات صغيرة عبر جمعيات تهتم بمحيطها، وتقوم بدور ثقافي وخدماتي، متكئة على محورية العالم المشرف على كل نشاطاتها. فالشباب الجامعي نادر الوجود في هذه الجمعيات، والرجال المتحمسون يساهمون في الأعمال الاجتماعية ويلتفون حول العالم وأنشطته، والحضور النسائي بدائي وضعيف، وأما الأولاد الذين ارتادوا المساجد آنذاك، وخصصت لهم بعض البرامج، فهم أملٌ واعد مستقبلي. فالمراقب لهذه المرحلة يرى جنينية الحالة الإسلامية وبدايات انطلاقتها المتواضعة.
بدأت الأضواء تتسلط على ثلاثة من هؤلاء العلماء النشطين، الذين يحملون رؤية فكرية متكاملة، ويملكون كفاءات ثقافية مهمة، ويؤمنون بضرورة التحرك وإحداث التغيير في الواقع المعاش. لم يكن نمطهم واحداً، فلكلٍ مميزاته الخاصة وأسلوبه العملي وخطته للعمل على الساحة.التقوا في جلسات كثيرة جمعتهم مع غيرهم من العلماء، وخاضوا نقاشات مهمة حول متطلبات العمل الإسلامي في لبنان، كما كان لكل منهم لقاءاته وحركته واهتماماته، لكن المنحى العملي الذي اتخذه كل واحد منهم كان مستقلاً، وقد تبلور من خلال مسيرته العملية بعد ذلك، وهم وإن تميز كل منهم بمجموعة أحاطت به واعتُبرت من حوارييه، لكن عدداً مهماً من المؤمنين كان يتردد إلى كل واحد منهم، ويشارك في أنشطتهم المتنوعة. هؤلاء العلماء هم:
* الإمام موسى الصدر: كانت أغلب دراسته الحوزوية الدينية في قم المقدسة في إيران ثم تابعها في النجف الأشرف، بدأ نشاطه في مدينة صور من خلال"جمعية البر والاحسان"، لكنَّه تحرك على مستوى المنطقة بنشاطاته المتنوعة، التي توسعت على المستوى الثقافي لتشمل لبنان، فقد فرض وجوده على الساحة، وكان يُلقي المحاضرات في الأوساط الثقافية المتنوعة، ومنها ما ألقاه في بعض الكنائس، واجتمع حوله عدد من الشخصيات والمثقفين من اتجاهات مختلفة.
تميز بشخصية جذابة قادرة على استقطاب الرأي العام، وله منطقه المتماسك، وقد اهتم بالحركة السياسية والاجتماعية في وقت مبكر، فأجرى سلسلة من الاتصالات، أثمرت عام 1967 إنشاء "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" كمؤسسة دينية رسمية ترعى شؤون الطائفة الشيعية فيما للمؤسسات الدينية في الطوائف الأخرى من صلاحيات، على الرغم من محاربة بعض النافذين السياسيين في الطائفة له، لكنه اعتبر مهمة هذا المجلس محصورة في جمع فعاليات الطائفة، وتقوم بدور محدد، فلا بدَّ من تأسيس إطار شعبي آخر يحمل هموم الناس وقضاياهم.
أسس الإمام الصدر "حركة المحرومين" كحركة سياسية اجتماعية، غلب عليها الطابع المطلبي لرفع الحرمان، عن المناطق المستضعفة وخاصة في الجنوب والبقاع" وأحزمة البؤس حول بيروت" التي تكونت بسبب الهجرة من الريف إلى ضواحي مدينة بيروت، وقد جمعت الحركة في صفوفها المتدينين وغيرهم، من الذين التفوا حول شخصية الإمام الصدر الذي اعتمد على قدرته في تصويب اتجاه الحركة نحو أهدافها، ولو ضمت في صفوفها هذا التنوع من المؤمنين بها. وقد أقام سماحته المهرجانات الضخمة للتعبير عن حركته السياسية، في مواجهة إهمال الدولة وتقصيرها.
كما أنشأ" أفواج المقاومة اللبنانية- أمل" كجناح عسكري للحركة من أجل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، والتي أعلن عنها عام 1974، بعد انفجار مخيم عين البنية(1)،وانكشاف أمر التدريبات العسكرية فيه. وهو صاحب الشعار المشهور" إسرائيل شر مطلق" ، فكان يدعو إلى محاربتها وتحرير الأرض من احتلالها، وقد شاركت مجموعات من أمل في المواجهة مع إسرائيل في بعض المواقع الجنوبية، التي كانت منظمة التحرير الفلسطينية تشرف على غالبيتها.
لكنَّ الإمام لم يستمر في عمله ونشاطه، فقد أختُطف في ليبيا إثر دعوة تلقاها من رئيسها معمر القذافي للحضور في احتفال الفاتح من سبتمبر، وذلك في 31 آب 1978، ولا زال مصيره مجهولاً حتى الآن.

 * آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين (رحمه الله): بدأ نشاطه في الدكوانة في المنطقة الشرقية لبيروت، فأمَّ مسجدها واهتم بشؤونها الاجتماعية والثقافية، ثم انتقل بعدها إلى منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث ترأس"الجمعية الخيرية الثقافية" التي اهتمت بإصدار الكتيبات الثقافية باسم"التوجيه الثقافي"، وإقامت الندوات والمحاضرات، ثم توسع نشاطها بعد ذلك، ليشمل بعض المؤسسات التابعة لها أبرزها "المعهد الفني الإسلامي" قرب روضة الشهيدين، ولها أنشطة أخرى.
تميَّز سماحته بباعه الفكري، وقدرته على تطويع الكلمات ببنانه، لتنطلق عبارات متينة، تعبر عن العمق والدقة، وقد ألقى الكثير من المحاضرات، وألَّف الكتب، وشارك في عدد من المؤتمرات الفكرية التي أُقيمت في الدول العربية، وكانت له مكانته وحضوره الثقافي في الأوساط الفكرية.
كانت مشاركته في العمل العام ضعيفة في بداية الأمر، على الرغم من توجه الأنظار إليه ليكون نائباً لرئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، فهو لم يشارك بفعالية في هذا المنصب أثناء وجود الإمام الصدر، خاصة وأن اهتماماته الفكرية كانت غالبة. ولم يكن جزءاً من التشكيلات التنظيمية القائمة، بل كان يردد عبارته التي اشتهرت عنه بعد ذلك بأنه على مسافة واحدة من الجميع، كتعبير عن رؤيته في دور وموقعية المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بضم جميع القوى والفعاليات تحت إشرافه. وقد حاول تأسيس المقاومة المدنية الشاملة ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلاَّ أن هذا الشكل التنظيمي لم يعمر طويلاً، لكنَّه كان واضحاً في دعوته إلى قتال إسرائيل لتحرير الأرض. لقد كان رحمه الله يعبر مراراً عن حنينه إلى بذل الجهد الأكبر للعمل الفكري.

* آية الله السيد محمد حسين فضل الله: بدأ نشاطه في النبعة في المنطقة الشرقية لبيروت، وأسس "جمعية أسرة التآخي" التي بنت مجمعاً ثقافياً اشتمل على مسجد وحسينية وحوزة دينية ومستوصف، وكان مثابراً على متابعة حركته المسجدية، وينتقل من مكان إلى آخر في عمل تبليغي نشط، وكان له عدد من الدروس الأسبوعية الثابتة في بعض المناطق من بيروت وضواحيها. ثم انتقل إلى الضاحية الجنوبية من بيروت، فأمَّ المصلين في مسجد الإمام الرضا(ع) في بئر العبد، الذي أصبح رمزاً أساسياً من رموز العمل الإسلامي في لبنان.
اهتم بالعمل الثقافي، وألقى الكثير من المحاضرات، وثابر على التدريس الحوزوي، وألَّف الكثير من الكتب. غلب على حركته النشاط التبليغي الواسع، ولم يبرز نشاطه السياسي من خلال تصريحاته وخطبه التي أصبحت مورد اهتمام إلاَّ بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
أسس "جمعية المبرات الخيرية" التي تضم عدداً كبيراً من المؤسسات التربوية والدينية والاجتماعية، فكانت الإطار الذي يرعاه مباشرة، والذي يستوعب الأنشطة المؤسساتيه المتنوعة التي اهتم بها سماحته.
ارتبط اسم آية الله السيد محمد حسين فضل الله بحزب الله بشكل وثيق في السنوات الأولى لتأسيس الحزب، فمع نشوء الحزب، كان المنضوون تحت لوائه من الفئات الإسلامية المختلفة، يعتبرون العلاَّمة رمزاً يمثل قناعاتهم، ويحمل الرؤية الإسلامية الواعية والحركية والمؤيدة لقائد الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني(قده)، ما دفع جماعة منهم لمناقشته في إمكانية تصدر موقع مركزي في الحزب الوليد، لكن العلاَّمة أكدَّ على رفضه الانخراط في العمل الحزبي التنظيمي، وعلى عمله كعالم يطل من موقعه على كل الساحات، وهو يدعم ويؤيد توجهات الحزب التي تنسجم مع رؤيته.
وبما أن انسجام المواقف والطروحات بين الحزب والعلاَّمة فضل الله كان شاملاً للقضايا المطروحة، حيث كان العلاَّمة يُلقي الكلمات في أغلب مهرجانات الحزب الرئيسة، وفي الندوات التي يدعوه الحزب إليها، ولم تكن قد برزت بعد قيادات الحزب إعلامياً وسياسياً في بداية نشأته، خاصة قبل الرسالة المفتوحة، لذا تعاطى الإعلام الأجنبي والمحلي في غمرة التطورات المتلاحقة، وكذلك تعاطت أغلب القوى السياسية مع العلاَّمة فضل الله، بأنه الموجِّه للمجموعات الإسلامية التي تتحرك في الساحة، وأنَّه المرشد الروحي لحزب الله، وعلى الرغم من النفي المتكرر من الطرفين لهذا الأمر، فإنَّ الانطباع لم يتبدل إلاَّ في السنوات الأخيرة، بعد بروز قيادات للحزب بشكل واضح، وخاصة على مستوى الأمين العام، وبعد بروز بعض الأنشطة المستقلة التي عبَّرت عن هذا المضمون.
 
توزَّع الإسلاميون بين حركة أمل واللجان الإسلامية وحزب الدعوة والمستقلين، وقد تأثرت منابع هؤلاء الثقافية بالعلماء الثلاثة أو ببعضهم وبالنشاط العلمائي بشكل عام. وبما أنَّ الحركة السياسية كانت محصورة بحركة أمل، فقد اختار البعض نشاطه فيها، إمَّا عن قناعة كاملة بها، وإمَّا للاعتقاد بأنها تشكل مرحلة بانتظار غيرها. وأمَّا البعض الآخر فقد شارك في اللجان الإسلامية، التي تشكلت كلجان شبابية محلية، عملت في بعض المناطق كلجان ثقافية ولجان مساجد أو باسم الشباب المؤمن فركزت اهتمامها على التربية الدينية للأفراد والتثقيف، وأقامة الاحتفالات في المناسبات الدينية وإحياء أيام عاشوراء وليالي شهر رمضان المبارك، ببرامج تعبوية وثقافية وروحية.ولم تتعاط بالشأن السياسي العام، وقد تناغم معها تشكيل طلابي هو " الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين" الذي اهتم بالمطالب الطلابية، وعمل على إقامة المحاضرات والدروس والدورات الثقافية للشباب.
في ظل هذه الأجواء، نجحت الثورة الإسلامية المباركة في إيران بقيادة الإمام روح الله الخميني(قده) سنة 1979، فاستقطبت المؤمنين بالإسلام، الذين عبَّروا عن مناصرتهم لها من خلال تحريك تظاهرات الدعم والتأييد لها باسم "اللجان المساندة للثورة الإسلامية في إيران"، ودفعتهم إلى التواصل مع أركان الدولة الإسلامية الفتية وعلى رأسهم الولي الفقيه الإمام الخميني(قده).
لم يكن الارتباط بالثورة موجوداً قبل ذلك، لأن المسألة متعلقة بعمل العلماء ودعوتهم الناس إلى مرجع التقليد- كما هو موجود عند الشيعة، حيث باب الاجتهاد مفتوح، وعلى المكلفين تقليد الأعلم من المراجع الأحياء-، وحيث درس أغلب العلماء اللبنانيين في النجف الأشرف، فقد تركزت دعوتهم إلى العلاقة مع علماء ومراجع النجف، فكان تقليد المرجع السيد الخوئي(قده)، وفي دائرة أضيق المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر(قده). وما أن انتصرت الثورة في إيران حتى اتجهت الأنظار إلى مرجعية وقيادة الإمام الخميني(قده)، وبدأ التساؤل عن التكليف الشرعي في العلاقة مع قيادة الثورة الإسلامية.
واكب التعطش للثورة الإسلامية الحاجات الناشئة والملحة لحيوية سياسية في بلد كلبنان، لم توفرها الأعمال الإسلامية الفعلية بصيغتها التي كانت عليها عشية انتصار الثورة. ولعل ظروف الحوزة النجفية وطبيعة اهتماماتها، مع نشأة العمل الإسلامي الفتي في لبنان، أثَّرت في طغيان الجانب الثقافي الفكري على نشاط الإسلاميين، وهي ظروف مختلفة عن الحوزة القمية واهتماماتها، في خوضها لتجربة سياسية فعَّالة ومؤثرة، أنتجت دولة إسلامية معاصرة.
ناقش الإسلاميون داخل أطرهم، ومع بعضهم البعض، كيفية النهوض، ومواكبة متطلبات المرحلة في لبنان، والاستفادة من التجربة والاشعاع الإيراني الجديد، فوجدوا أن التشكيلات التنظيمية التي يعملون فيها، لا تلبي الأهداف والطموحات التي يسعون إليها، وهي لا تحمل قابلية ذاتية في التعديل والتطوير والتغيير، ولا إمكانية لإيجاد صيغة جامعة بينها إذا حافظت على خصوصياتها، لأنها ستكون صيغة تجميع لا صيغة تنظيم متماسك، وعندها لا يتحقق المطلوب.
أثناء هذا النقاش، الذي واكبه تواصل مع أركان الدولة الجديدة للتعارف والاطلاع وقراءة ما أُنجز في إيران، حصل الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فشاركت مجموعات من المؤمنين في التصدي له، على مشارف العاصمة بيروت في منطقة خلدة، مساهمةً مع الجيش السوري، وبعض المقاومين من الفلسطينيين والأحزاب اللبنانية، في إعاقة التقدم الإسرائيلي نحو بيروت، لكن لم يكن أي تشكيل حزبي إسلامي مهيأً لمثل هذه المهمة الكبيرة، فقوي الاهتمام بضرورة تشكيل إسلامي موحَّد يتمحور حول ثلاثة أهداف مركزية:
1- الإسلام هو المنهج الكامل الشامل الصالح لحياة أفضل، وهو القاعدة الفكرية والعقائدية والإيمانية والعملية التي يُبنى عليها هذا التشكيل.
2- مقاومة الاحتلال الإسرائيلي كخطر على الحاضر والمستقبل، وله أولوية المواجهة،لما له من أثر على لبنان والمنطقة، وهذا يستلزم إيجاد بنية جهادية تُسخَّر لها كل الإمكانات للقيام بهذا الواجب.
3- القيادة الشرعية للولي الفقيه كخليفة للنبي(ص) والأئمة(عم)، وهو الذي يرسم الخطوط العريضة للعمل في الأمة، وأمره ونهيه نافذان.
من أجل تحقيق هذه الأهداف، تابع ممثلون عن المجموعات الإسلامية الرئيسة، مناقشة أفكار عديدة حول رؤيتهم للعمل الإسلامي في لبنان، تمت صياغتها في ورقة نهائية، ثم انتدبوا تسعة أفراد كممثلين عنهم:
ثلاثة عن التجمع العلمائي في البقاع، وثلاثة عن اللجان الإسلامية، وثلاثة عن حركة أمل الإسلامية(3)،فحمل التسعة الورقة النهائية التي عُرفت بـ" وثيقة التسعة"، والتي تضمنت الأهداف المذكورة، ثم رفعوا هذه الوثيقة للإمام الخميني(قده) فوافق عليها، فاكتسبت شرعية تبني الولي الفقيه لها. عندها قررت المجموعات الإسلامية الموافقة على الوثيقة، حل تشكيلاتها التنظيمية القائمة، وأُنشيء تشكيل واحد جديد سُمي لاحقاً باسم "حزب الله"، وتم اختيار قيادته التأسيسية بعد مشاورات جرت في هذا الشأن، ثم بدأت الخطوات الأولى للاستفادة من الطاقات المختلفة كأفراد، ووضعت بعض الأنظمة الداخلية للانتساب، وقامت بحركة فعَّالة من خلال العلماء لتعبئة الناس، واستنهاضهم للتدريب العسكري، ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، في إطار المنهج الإسلامي المرتبط بقيادة الولي الفقيه.
ترافق ذلك بالتضامن الإيراني الإسلامي مع لبنان وسوريا، حيث أمر الإمام الخميني(قده) الحرس الثوري الإيراني بدعم لبنان في مواجهته لإسرائيل، من خلال التدريب العسكري، وتوفير المقومات اللازمة لذلك. جاء وفد عسكري إيراني رفيع المستوى إلى سوريا بهدف التنسيق ، وافقت سوريا على مرور قوات الحرس الثوري إلى لبنان، التي أنشأت معسكرات التدريب في منطقة البقاع اللبناني لتدريب الراغبين بذلك، واكتشف الناس نموذجاً راقياً في التربية والإعداد والأخلاقية والإيمان، وقد أقبل على هذه المعسكرات عدد كبير من الشباب، وخاصة من شباب حزب الله الذي بدأ يضم إلى صفوفه أعداداً جديدة من المؤمنين بأهدافه.
لم يكن الفاصل الزمني كبيراً بين الإعداد وعمليات المقاومة ضد الاحتلال في الجنوب والبقاع الغربي، فبعض المدَربين من الشباب الذين استفادوا من تجربة المقاومة الفلسطينية، إضافة إلى من استفاد من الدورات الأولى للحرس، قد باشروا المقاومة بإمكانات متواضعة، لكن بإخلاص واهتمام وتضحية. حصلت هذه التطورات المتلاحقة في الأشهر التي تلت الاجتياح.
ومن أجل توضيح المنطلقات والخلفية الفكرية لحزب الله، نبيِّن في هذا الفصل الأهداف الثلاثة التي شكلت الركيزة الأساسية لنشأة حزب الله.

الهوامش
(1) مخيم في منطقة النبي شيت في البقاع، كانت تدرب فيه حركة فتح دورة عسكرية لأمل.
(2)   انشقت "حركة أمل" الإسلامية برئاسة نائب الرئيس السيد حسين الموسوي، عن حركة أمل التي يرأسها الأستاذ نبيه بري، بعد اختلاف على الموقف السياسي من تطورات ما بعد الاجتياح . جاء ذلك اثر تشكيل هيئة الانقاذ التي ضمت إلى الأستاذ نبيه بري عن حركة أمل، قائد القوات اللبنانية بشير الجميل، ورئيس الحركة الوطنية وليد جنبلاط، ورئيس الحكومة شفيق الوزان، والتي عقدت أول اجتماع لها برئاسة رئيس الجمهورية الياس سركيس في 20 حزيران 1982 بعد 14 يوماً على الاجتياح الإسرائيلي للبنان.وذلك اعتراضا من المنشقين على مشاركة حركة أمل بشخص رئيسها في هيئة الإنقاذ.