حزب الله ... المنهج.. التجربة.. المستقبل

المقدمة

المقدمة

الحمد لله الهادي والناصر والمنعم، والصلاة والسلام على النبي الأعظم محمد(ص) القائد والقدوة، وعلى الأئمة(عم) حماة العقيدة وحفظة الرسالة، وعلى الشهداء أنوار درب الإنسانية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
برزت فرادة حزب الله بعنوانه الإسلامي وأدائه المقاوم، في زمن ظنَّ فيه الكثيرون ضعف العنوان الإسلامي عن تشكيل الجاذبية والتأثير والمواكبة للمتطلبات المعاصرة، وعدم القدرة على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في ظل الضغوطات الدولية واختلال موازين القوى، فكانت عمليات المقاومة الإسلامية النوعية والناجحة محل اعجاب ودهشة، اعجاب المحبين والمؤيدين والراغبين بالتحرير والعزة والحق، ودهشة المستكبرين والمحتلين والمعادين لما يجري من تعطيل لمخططات العدوان وسيطرته، وزاد من أهمية هذا الحزب ما حققه من انتصار مميز، لم يتحقق مثيل له منذ بدء الصراع مع العدو الإسرائيلي لنيف وخمسين سنة.
كثرت الأسئلة حول حزب الله: كيف نشأ؟ ماذا يريد؟ ما هي خلفيته ورؤيته؟ هل يؤدي دوراً أو وظيفة لمرحلة زمنية محددة؟ أم أنه يحمل قابلية الاستمرار؟
وكثرت الأجوبة والتكهنات والتحليلات، فهي قد انطلقت في معظمها من القراءة عن بعد، ومن جمع للمعطيات المتناثرة التي نظمها قارئوها في سياق افتراضي غالباً. ثم بدأت الحقائق تتكشف تباعاً، فالحزب يعمل في العلن، ومقاومته في الميدان، ومسؤولوه يعبِّرون عن رؤيته، وأفراده ومؤسساته يترجمون الخطط والبرامج في مواقعهم العملية.
وبما أن ظروف النشأة قد زجت بالطاقات والإمكانات في الميدان العملي مباشرة، لم تُتح الفرصة الكافية للتنظير وكتابة الدوافع والمنطلقات، وهي وإن كانت واضحة لقيادة الحزب لأنها تهتدي بهديها، لكنَّها لم تُقدَّم مقننة او مفصَّلة لتكون في تصرف المهتمين من الناس والمثقفين والباحثين.
مع ذلك جرت محاولات عديدة للكتابة عن حزب الله، من أفراد مقربين أو محايدين أو مخالفين، كما جمعت خُطب ومقالات ومقابلات وبيانات وأنشطة في كتب متعددة،، أصدرها الحزب لتشكل رصيداً مهماً في معرفة التوجهات، وكذلك اهتم بعض الباحثين بإجراء مقابلات خاصة مع قيادات وفاعليات في الحزب لتقديم صورة مباشرة عن استنتاجاته من مظانها. لكنَّ حزباً بهذه السمعة والفعَّالية والحضور والانجازات، في هذه الفترة الزمنية القصيرة والحساسة، وفي هذه المنطقة الملتهبة والمقبلة على تطورات كثيرة، لا يكفي ما تقدم للتعبير عنه، فلا بدَّ من كتابات وإصدارات كثيرة لتوثيق وتحليل هذه التجربة الحيَّة.
وجدت نفسي مسؤولاً عن تقديم مساهمتي، وفاءً للمسيرة الإسلامية الجهادية، ولدماء الشهداء الزكية الطاهرة. فقمت بهذا الجهد على الرغم من مشاغلي الكثيرة، وهو يُعبِّر عن فهمي للمنهج والتجربة والمستقبل، من خلال مواكبتي للحزب منذ تأسيسه في مواقع ومهمات مختلفة.
أمَّا المنهج فلتبيان الرؤية والأهداف، فقد انطلق حزب الله من إيمانه بالإسلام،"إن الدين عند الله الإسلام"، وله فهمه ونظرته للأمور انطلاقاً من هذا الإيمان، ولا انفكاك بين مساره العملي ومنطلقاته العقيدية. فلا يكفي التعميم لمنطلقاته الإسلامية، فقد اختلفت التفاسير، وتعددت الفرق والاتجاهات والأحزاب، ما أوجد ضرورةً للتحديد والتفصيل. لقد دخل اشعاع المقاومة الإسلامية إلى قلوب المحبين وأصحاب الفطرة السليمة ، فما الذي جعلها بهذه المكانة؟ وما الذي أخرجها إلى حيز الواقع؟ إنه المنهج الذي يبين أسس التجربة.
وأمَّا التجربة فهي التعبير عن مشروع المقاومة في عطائها الجهادي، وكيفية التنظيم، والتعاطي مع العمل العام، والمحطات البارزة في تاريخ حزب الله، ومواقفه وأدائه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وتحرير الأرض من الاحتلال، ومشاركته في مؤسسات النظام غير الإسلامي، ومواكبته لشؤون الناس وقضاياهم، وعلاقاته مع الجهات المختلفة محلياً وإقليمياً ودولياً، وهي تؤرخ بالإجمال والايجاز لأبرز المحطات، وتبيِّن كيفية التعاطي معها والملابسات التي أحاطت بها، من ضمن منظومة التوجهات التي كانت تحدد معالم الطريق نحو تحقيق الأهداف.
وأمَّا المستقبل فمن الطبيعي أن يكون استشرافيا، فلا علم لنا بالغيب، لكنَّ مواكبة السنن الإلهية التاريخية تمكننا من رسم بعض التصورات المحتملة، وهي جديرة بالاهتمام. ومهما كان اللاعبون الدوليون مسلطين على العالم، فإنهم لا يتحكمون بمصائر العباد والبلاد،"وتلك الأيام نداولها بين الناس"، فمن تجذَّر بسلوك الحق والفضيلة حمل قابلية الاستمرار المستقبلي.
يصلح هذا الكتاب كتصميم لمجلدات عن حزب الله، فقد توخيت الاختصار لإعطاء فكرة عامة تجيب عن التساؤلات الرئيسة، وتبيِّن طريقة ومسار هذا الحزب، إنه كتاب لمن يريد أن يتعرف أو يزيد من معرفته، إنه كتاب لمن يريد أن يتذكر أو يوثّق ذكرياته، إنه كتاب لمن يريد أن يبحث أو يستفيد لأبحاثه وموضوعاته.
لقد ظننت عند شروعي بتصميم الكتاب، أنَّ بإمكاني انجازه معتمداً على ما لدي من معلومات ووثائق، فوجدتني أتواصل مع عدد من اخواني المسؤولين والمجاهدين في مواقع مختلفة، لاستوضح منهم وأتعرف على بعض المعلومات الدقيقة، كما أعدت مراجعتي لقرارات الشورى وبعض التقارير، وتصفحت جريدة العهد(الانتقاد) منذ تأسيسها عام 1984، وقرأت ما يلزم من الكتب والبحوث التي تلبي غرض هذا الكتاب. فذكرت المصادر حيث أمكن عندما تكون متوفرة في الكتب والصحف والنشرات، واكتفيت بالسرد والتحليل حيث لا يمكن ذلك. وهنا أقدم شكري لكل من ساهم وساعد في إخراج هذا الكتاب ليكون في متناول القارئ.
كنت أشعر أثناء كتابتي في المنهج ببركات النبوة والولاية، وما أنجزه الإمام الخميني(قده) من أجل تعزيز الإسلام المحمدي الأصيل، وعشت أثناء كتابتي عن التجربة، تلك المعنويات التي زرعها المقاومون المجاهدون والشهداء الأبرار وعلى رأسهم سيد شهداء المقاومة السيد عباس(قده) وشيخ شهدائها الشيخ راغب حرب(قده)، والتي أفضت إلى تخطي كل هذه المصاعب والأخطار لإعزاز المسيرة، وكنت أثناء كتابتي عن المستقبل واثقاً متأملاً بتسديد الله تعالى ونصره" وكان حقاً علينا نصر المؤمنين".
إليك أخي القارئ أقدِّم كتابي، راجياً من الله القبول. والسلام. 
 

نعيم قاسم
شعبان 1423هـ
تشرين الأول  2002