بعد فشل العدوان العسكري الإسرائيلي على لبنان, بدأ العدوان السياسي الأمريكي من جديد, وازداد المأزق اللبناني, فلم يستجب أركان السلطة بعد الحرب لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم التيار الوطني الحر الذي يرأسه الجنرال ميشال عون, ثم أقروا المحكمة الدولية من دون النقاش مع حزب الله وحركة أمل وهما داخل الحكومة, فاستقال وزراء الطرفين هذه المرة من الحكومة في 11/11/2006, وطالبوا باستقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة يتمثل فيها التيار الوطني الحر وتكون بمثابة "حكومة وحدة وطنية", التي ستمنع بعض القرارات السياسية الأساسية التي تمس سيادة لبنان ومقاومته, عندما يكون للمعارضة أكثر من ثلث الوزراء بزيادة وزير واحد على الأقل عن الثلث، فبحسب الدستور اللبناني "تحتاج المواضيع الأساسية لموافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة". اعتبرت المعارضة أنَّ طلبها منطقي وطبيعي، فأعضاء مجلس النواب من المعارضة يشكلون 45 % في مقابل 55 % للموالاة, وطبيعة التركيبة الطائفية تتطلب توافقاً, ولا علاج لعدم الاستقرار السياسي والأمني وفشل الحكومة في معالجتهما، إضافة إلى المشاكل الاقتصادية المستعصية، إلاَّ بحكومة وحدة وطنية، لكنَّ فريق الموالاة رفض التوافق على إعطاء المعارضة(3/1+1) من الوزراء وشجعهم الأمريكي على هذا الأمر, وهذا ما أدخل البلاد في أزمة حكومية معقدة، فالمعارضة لا تعترف بالحكومة وتدعو إلى استقالتها، والموالاة تصرُّ على استمرارية الحكومة متجاهلة استقالة ستة وزراء منها، بينهم خمسة يمثلون الطائفة الشيعية في لبنان، مع ضعف واضح فيها في عدم وجود التمثيل المسيحي الأكثري الذي يمثله التيار الوطني الحر.
أقامت المعارضة أضخم تظاهرة في تاريخ لبنان في 10/12/2006 تدعو لإسقاط الحكومة، وعندما لم تُفلح في ذلك دعت في اليوم نفسه إلى اعتصام في الوسط التجاري في العاصمة بيروت استمر 538 يوماً، واستمرت معه الأزمة الحكومية وشلل البلد على جميع المستويات، كما صاحبته أزمة رئاسة الجمهورية، حيث رفضت الموالاة التعاطي مع الرئيس بحسب صلاحياته الدستورية، واعتبرته غير موجود، مع أن ولايته لا تنتهي إلاَّ بعد حوالى السنة، وهذا ما عقَّد الأمور أكثر.
انتهت ولاية رئيس الجمهورية العماد إميل لحود في 24/11/2007, ولم يستطع المجلس النيابي انتخاب الرئيس المتفق عليه, بسبب امتناع المعارضة عن تأمين نصاب ثلثي أعضاء المجلس النيابي لانتخابه، نتيجة لرفض فريق الموالاة تشكيل حكومة وحدة وطنية تراعي نسب التمثيل في المجلس النيابي, وهذا هو الموقف الأمريكي المعلن نفسه الذي يقبل باستمرار البلد من دون رئيس, وبإدارة حكومة رئيس الوزراء السنيورة, لمنع انتخاب رئيس من ضمن معادلة سياسية تشرعن المقاومة من جديد, وتعطي دوراً للمعارضة الفاعلة في لبنان .
لم تترك إدارة بوش لبنان لخياراته، بل تدخلت لمنع حزب الله والمعارضة من أن يكونوا جزءاً طبيعياً من الحياة السياسية اللبنانية بذريعة رفض مقاومة حزب الله، وحصل اصطفاف دولي ترعاه أمريكا ضد إيران وسوريا يحملانهما مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في لبنان، وكذلك فعلت الموالاة في ترويج مواجهتها بأنَّها للمحور الإيراني السوري الذي يدعم المعارضة! ولكن الواقع يختلف عن هذه الاتهامات، فإسرائيل تشكِّل خطراً داهماً ومستمراً على لبنان، وهو المنطق الذي تتسلح به المقاومة، وهي تحتل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا في الجنوب اللبناني، ويدخل الطيران الإسرائيلي يومياً بعدة طلعات مختلف الأراضي اللبنانية بهدف التصوير وتخزين المعلومات لبنك الأهداف العسكرية، وفي تقريرها الذي أعدته مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية "أنجيلا كاين" في الملخص الموجَّه إلى مجلس الأمن الدولي حول الوضع في الشرق الأوسط بتاريخ 23/4/2008، ذكرت في الفقرة 35: "سجَّلت اليونيفيل تصاعداً ملحوظاً في عدد الخروقات الجوية الإسرائيلية التي تُرتكب يومياً، فارتفعت من 282 في شباط 2008، إلى 692 في آذار، وبلغت 476 خلال النصف الأول من نيسان. هذه الطلعات تشكِّل خرقاً للسيادة اللبنانية والخط الأزرق، وتواصل التقليل من صدقية اليونيفيل والقوات المسلَّحة اللبنانية"(19)، وهذا ما يشكِّل تهديداً حقيقياً لأمن الناس والمقاومين، ويعتبر حزب الله أنَّ من حق اللبنانيين التعبير عن رفضهم للوصاية الأجنبية، وأن يتعاونوا مع بعضهم كلبنانيين لتأسيس دولتهم المستقلة، وأن يرفضوا بقاء احتلال أي قطعة من أرضهم، وأن يستعيدوا أسراهم في السجون الإسرائيلية؟.