في هذه الفترة حصل تطور مهم على صعيد العلاقات السياسية على الساحة اللبنانية، حيث أنجز حزب الله والتيار الوطني الحر الذي يرأسه العماد ميشال عون تفاهماً سياسياً تمَّت صياغته بعد مداولات استمرت لعدة أشهر، ثم تُوِّج بالإعلان عنه في اجتماع مشترك بين أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون في صالون كنيسة مار مخايل بتاريخ 6 شباط 2006 فيما سمي بـ :"ورقة التفاهم المشترك بين حزب الله والتيار الوطني الحر"، ولا يخفى ما كان لهذا التفاهم من أثر على الواقع السياسي اللبناني، فقد أوجد جسور التواصل الفعَّال بين طائفتين كبيرتين (الشيعة والمسيحيين) من خلال التمثيل الواسع للتيار والحزب فيهما, فعزَّز موقع كل من الطرفين في المعادلة الداخلية، ووضع الركيزة الأساسية لما عرف لاحقاً بالمعارضة اللبنانية، وحدَّد آلية التعاطي مع سلاح المقاومة كجزء من الإستراتيجية الدفاعية الوطنية الشاملة, مؤسساً لقاعدة الحوار حول المقاومة وسلاحها بدل المنطق الذي اعتمده القرار الدولي 1559 في نزعه، وهذا ما وضَّحه البند العاشر من الوثيقة(9) الذي نصَّ على التالي :
"حماية لبنان وصيانة استقلاله وسيادته:
إنَّ حماية لبنان وصون استقلاله وسيادته هما مسؤولية وواجب وطني عام, تكفلهما المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان, لا سيما في مواجهة أي تهديدات أو أخطار يمكن أن تنال منهما من أي جهة أتت. من هنا، فإنَّ حمل السلاح ليس هدفاً بذاته, وإنما وسيلة شريفة مقدسة تمارسها أي جماعة تُحتلُّ أرضها تماماً، كما هي أساليب المقاومة السياسية.
وفي هذا السياق فإنَّ سلاح حزب الله يجب أن يأتي من ضمن مقاربة شاملة تقع بين حدين: الحد الأول هو الاستناد إلى المبررات التي تلقى الإجماع الوطني والتي تشكل مكامن القوة للبنان واللبنانيين في الإبقاء على السلاح، والحدّ الآخر هو تحديد الظروف الموضوعية التي تؤدي إلى انتفاء أسباب ومبررات حمله.
وبما أنَّ "إسرائيل" تحتل مزارع شبعا وتأسر المقاومين اللبنانيين وتهدِّد لبنان, فإنَّ على اللبنانيين تحمُّّل مسؤولياتهم, وتقاسم أعباء حماية لبنان, وصيانة كيانه وأمنه, والحفاظ على استقلاله وسيادته من خلال:
1. تحرير مزارع شبعا من الاحتلال الإسرائيلي.
2. تحرير الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية.
3. حماية لبنان من الأخطار الإسرائيلية من خلال حوار وطني, يؤدي إلى صياغة إستراتيجية دفاع وطني, يتوافق عليها اللبنانيون, وينخرطون فيها, عبر تحمُّل أعبائها والإفادة من نتائجها".
حقَّق التفاهم لكلٍّ من الطرفين مقبوليةً وامتداداً في شعبية الطرف الآخر، فهو أول تفاهم بهذا المستوى لا يتوقف عند حدود اتفاق القيادتين، بل يسري الى قواعدهما، حيث كانت تنعقد الاجتماعات الشعبية والنخبوية لأحد الطرفين فيحضر قيادي من الطرف الآخر، فيحاضر ويجيب عن أسئلة الحضور، وقد تمَّت خلال عدة أشهر من انعقاد التفاهم أوسع حملة تثقيف وتوعية لدى الطرفين، ما ساعد على تجذير التفاهم قيادة وقاعدة, حيث أصبحت مفردات ومواقف الطرفين متشابهة وقريبة جداً.
أعطى التفاهم لحزب الله امتداداً وطنياً واسعاً من خلال الطائفة المسيحية التي طالما راهن الغرب عليها لتكون في ركبه، وحاول البعض وضعها في الخانة الإسرائيلية وفي مواجهة المقاومة، وإذ بالتيار الوطني الحر يشكِّل دعماً أساسياً للمقاومة واستقلال لبنان، ويدحض حملة تخويف المسيحيين من حزب الله، وحملة محاصرة الحزب داخل طائفته فقط.
كما لبَّى التفاهم حاجات موضوعية للتيار الوطني الحر، الذي حاولت الدول الكبرى تجاهله، ولم تعطه قوى 14 آذار - التي كان شريكاً في انطلاقتها - حقَّه في السلطة بحسب تمثيله الشعبي وعدد نوابه، وعملت على محاصرته داخلياً وتهميشه واستبداله بقوى لا تمثِّل الساحة المسيحية، فمن خلال التفاهم انفتح التيار على قوة سياسية فاعلة ومؤثرة شكَّلت معه معارضة قوية وداعمة لاستعادة الدور المسيحي المسلوب، وشكَّلت عضداً مهماً للتعبير عن تمثيله في تركيبة السلطة بما ينسجم مع حجمه وتمثيله الشعبي الواسع في الطائفة المسيحية.
ازعج التفاهم القوى المحلية والإقليمية التي تنتعش بتمزيق الساحة ومحاصرة قواها الفاعلة والرافضة لمشاريعهم، فشنُّوا حملة إعلامية وسياسية واسعة ضده، لكنَّه ترسَّخ بشكل كبير مع مرور الزمن، وخضع لاختبارات عديدة في محطات ستظهر بوضوح لاحقاً، فصمد ونجح، ونجح كلٌّ من حزب الله والتيار الوطني الحر في تحقيق ما أراداه من هذا التفاهم على المستوى الوطني العام، وبقيا في الموقع القيادي الفاعل بين أنصارهما، وحقَّقا العديد من الإنجازات التي استفاد منها الطرفان وبالتالي لبنان، في إطار بنود التفاهم التي بلورت المشتركات العملية بينهما.