يختلف دفاع الجماعة عن الدفاع الفردي، فلا تكفي فيه القاعدة العامة أو الحكم العام في مشروعية الدفاع، بل يحتاج إلى تشخيص الفقيه للموضوع وإذنه، فهو الذي يقرِّر المورد الذي يجب فيه القتال أو الصبر، وهو الذي يحدِّد إذا ما كانت الشروط الموضوعية مكتملة للتضحية بالأنفس والشهادة في سبيل الله تعالى، وليس مجازاً لأي فرد من الأمة أن يبادر بنفسه للقتال والتضحية تحت عنوان الدفاع عن الجماعة، فهو بحاجة إلى إذنٍ خاص فيما لو ارتأى الفقيه أن تكون المواجهة محدودة ومقتصرة على أفراد، كما يحتاج إلى هذا الإذن لو كان الأمر مرتبطاً بإعلان الحرب على الأعداء.
وبما أن الدفاع عن الإسلام والمسلمين يشمل قضايا عدة، فقد يلتبس الأمر على بعضهم، فيعتبر نفسه معنياً بالدفاع عن الإسلام أو قضاياه، من دون أن تكون هناك حرب شاملة أو عدوان واسع، ، فيُقدِم على قتل بعض الأفراد بعنوان المصلحة في الدفاع عن كرامة الأمة وقادتها وحماية مقدساتها، وهذا الأمر يحتاج إلى إذن أيضاً، وإلاَّ كان عملاً غير مشروع، وهو لا يندرج تحت عنوان الدفاع الفردي والمصلحة الشخصية، فتشخيص واجب المكلَّف في مثل هذه الحالات إنما يكون للفقيه. "دخل رجل على أبي عبد الله (ع), فقال: إني قتلتُ سبعة ممن سمعته يشتم أمير المؤمنين (ع), فسألتُ عن ذلك عبد الله بن الحسن، فقال: أنت مأخوذ بدمائهم في الدنيا والآخرة... إلى أن قال: فقال أبو عبد الله (ع): "عليك بكل رجل قتلته منهم كبش تذبحه بمنى، لأنَّك قتلتهم بدون إذن الإمام، ولو أنَّك قتلتهم بإذن الإمام لم يكن عليك شئ في الدنيا والآخرة"(9).
إنَّ أمر الولي الفقيه في الجهاد الدفاعي للجماعة جزءٌ من نَظْمِ الأمر، وإلاَّ ساد الهرج والمرج والفوضى، ولا بدَّ للجماعة من يسوسها، ويقود مشروعها، ويستفيد من إمكاناتها، بدراسة واعية وإدارة حكيمة تحقق مصلحتها. ذكر المرجع الخوئي هذا المعنى بقوله:" أنَّا لو قلنا بمشروعية أصل الجهاد في عصر الغيبة, فهل يعتبر فيها إذن الفقيه الجامع للشرائط أو لا ؟ يظهر من صاحب الجواهر (قده) اعتباره, بدعوى عموم ولايته بمثل ذلك في زمن الغيبة. وهذا الكلام غير بعيد بالتقريب الآتي، وهو أنَّ على الفقيه أن يشاور في هذا الأمر المهم أهل الخبرة والبصيرة من المسلمين, حتى يطمئن بأنَّ لدى المسلمين من العدة والعدد ما يكفي للغلبة على الكفار الحربيين، وبما أنَّ علمية هذا الأمر المهم في الخارج بحاجة إلى قائدٍ وآمرٍ يرى المسلمين نفوذ أمره عليهم، فلا محالة يتعيَّن ذلك في الفقيه الجامع للشرائط، فإنه يتصدَّى لتنفيذ هذا الأمر المهم من باب الحسبة, على أساس أنَّ تصدي غيره لذلك يوجب الهرج والمرج, ويؤدي إلى عدم تنفيذه بشكل مطلوب وكامل"(10).
وهذا ما ينطبق على العمليات الاستشهادية التي يقوم بها أفراد ضد تجمعات العدو، فلو ارتأى أحدهم أن يبادر إلى قيادة سيارة مفخخة ضد العدو، عليه أن يحصل على الإجازة الشرعية في جواز هذا العمل. ورُبَّ قائلٍ: ولكنَّه العدو! وعلينا أن نستغلَّ أيَّة فرصة لإيلامه؟ هذا صحيح، لكنَّ تقدير المصلحة والتوقيت وإعطاء المشروعية من صلاحية الولي الفقيه، فقد يرى أنَّ الظروف غير ملائمة، أو أنَّ الأضرار أكبر من المكاسب، أو أنَّ التهيئة لمباغتة العدو أفضل من الانكشاف بقدرةٍ محدودة تزيد من تسلطه على الأمة، أو لأي سبب آخر. ليس مسموحاً للمؤمن أن يضحي بنفسه في سبيل الأمة من دون إذن شرعي، وهو مؤتمن على نفسه بالمحافظة عليها، وإلاَّ أُعتبر قاتلاً لنفسه، وهذا أمرٌ غير جائز، وبما أنَّ هدفه نبيل، فلا داعي ليحشر نفسه مع المنتحرين، فعن الإمام الباقر(ع): "إنَّ المؤمن يُبتلى بكل بلية، ويموتُ بكل ميتة، إلاَّ أنه لا يقتل نفسه"(11)، فلتكن تضحيته من ضمن مشروع متكامل، يقرِّر معالمه الولي الفقيه، لاستثمار هذه التضحيات، بتظافر جهود الأمة لتحقيق مصلحتها.