"ليس على المرأة جهاد وقتال في ساحة المعركة، إنما تقع المسؤولية على الرجل، وتكون مساهمتها في التعبئة والدعم وغيرهما من دون النزول المباشر إلى الميدان إلاَّ في حالات استثنائية. والواضح أنَّ القدرة الجسدية عند الرجل هي الأساس في هذا التشريع، فهو يتحمَّل الصعاب ويقسو في محاربة الأعداء، وهذا ما لا ينسجم مع رقة ولطافة المرأة وضعف بنيتها الجسدية التي لا تتحمل أوزار القتال. إنَّه موقفٌ موجَّه لعامة النساء حتى لو وُجد منهن من يتميزن ببنية جسدية قوية ، فالتشريع قد لحظ الخطَّ العام لتكليف المرأة.
ولا داعي لأن تعيش المرأة حسرة عدم المشاركة في القتال، فالمقامُ الرفيع مرتبط بالتكليف بحسب القدرة "لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَ وُسْعَهَا"، ومن قامت بتكليفها المقرَّر وصلت إلى الدرجات الرفيعة وربحت الأجر العظيم.
وفي الدر المنثور أخرج البيهقي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية أنها أتت النبي(ص) وهو بين أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك، واعلم-نفسي لك الفداء- أنَّه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي. إنَّ الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنَّا معشر النساء محصورات مقسورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنَّكم معشر الرجال فُضلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإنَّ الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم ، وغزلنا لكم أثوابكم، وربَّينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟
فالتفت النبي (ص) إلى أصحابه بوجهه كله ، ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟
فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أنَّ امرأة تهتدي إلى مثل هذا.
التفت النبي(ص) إليها، ثم قال:"انصرفي أيتها المرأة وأَعلِمي مَنْ خلفك من النساء: أنَّ حُسن تبعل احداكن لزوجها ، وطلبها مرضاته، واتِّباعها موافقته، يعدل ذلك كله"، فأدبرت المرأة وهي تهلِّل وتكبِّر استبشاراً"(200).
عندما تقوم المرأة بتكليفها في الميادين المختلفة تكون مجاهدةً في سبيل الله تعالى، فهي تجاهد نفسها وتجاهد في مواجهة الأعداء، ولها مساهماتها في دفع الاولاد والاخوة والزوج إلى المعركة لقتال العدو عسكرياً، وتضميد الجراح، وتحمُل النتائج، وهذه مكانةٌ عظيمة لها، فلا حاجة لافتعال الموقف أو الحضور للمرأة في أي موقعٍ كيفما كان، لأن المطلوب أن تكون في الموقع الذي تَبرعُ فيه وينسجم مع قدراتها وتكليفها، وهي في موقعها تعطي ما لا يعطيه الرجل، ولنا أسوة حسنة في أداء السيدة الزهراء(عها) وخطبتها الشهيرة أمام كبار الصحابة، والسيدة زينب(عها) وموقفها في كربلاء وما بعدها، وغيرهما من النساء المجاهدات في سبيل الله تعالى.
إنَّ أداء المرأة لدورها يحقِّق لها الأجر والثواب، على قدم المساواة مع الرجل، وذلك بحسب استحقاق كل منهما، قال تعالى: "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لاَكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلاَدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ"(201).
المؤمنون والمؤمنات متعاونون بتكافؤ لنصرة الحق، قال تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"(202).بل يمكن أن تتفوق المرأة على أقرانها وكذلك على الرجال بالتقوى، حيث لا عبرة للجنس وإنما للإيمان والعمل، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"(203).
لقد رأى العالم بأسره اليوم، كيفية تَحَرُّك النساء المسلمات الملتزمات في الميدان السياسي، حيث يتَّخذن المواقف ويدافعن عنها، ويتابعن جهاد المقاومين بالمساهمات المختلفة.وقد "استطاعت الأخت والأم والزوجة والبنت أن تقدِّم نموذجاً مهماً في تلقِّي معنى الشهادة، وهذه ميزةٌ يجب التركيز عليها، فالمعروف بأنَّ عاطفة الأمومة والأخوة والبنوة والزوجية غالبة بشكل عام، وخاصة في مجتمعاتنا، إلى درجةٍ تمنع الرجال عادة من الإقبال على الجهاد والتضحية، بحيث تشكِّل هذه العاطفة عائقاً في الإقدام على العمل الجهادي. لكن ما رأيناه في ساحتنا الجنوبية وفي كل المناطق اللبنانية التي شاركت ورفدت المقاومة وقدَّمت لها، أنَّ هذه العاطفة تألَّقت بالإيمان بالله تعالى فكانت أقوى من العاطفة الشخصية، وعلى الرغم من آلام تضحيات الأحبة، فقد سيطرت الأمهات والزوجات والأخوات والبنات على مشاعرهن، وأبرزت الافتخار بعطاءات الأبناء والأزواج والأخوة، وهذا مالم يكن مألوفاً على مستوى الواقع، ولذا كان موقف النساء في تلقِّي أخبار الشهادة مفاجئاً وعظيماً"(204).
الهوامش:
200- المؤلف ، من كتاب "حقوق الزوج والزوجة"، ص: 60-62.
201- سورة آل عمران، الآية: 195.
202- سورة التوبة، الآية: 71.
203- سورة الحجرات، الآية: 13.
204- المؤلف، من كتاب "مجتمع المقاومة"، ص: 62.