الحمد لله واهب الحياة وهادي العباد، والصلاة والسلام على محمد(ص) المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آل بيته حَمَلة الأمانة الطيبين الطاهرين، وعلى الأصحاب الدعاة إلى الله تعالى، وعلى كل الذين أضاؤوا الطريق بجهادهم وتضحياتهم.
سخَّر الله تعالى للإنسان كلَّ مقومات سعادته، فخلقه في أحسن تقويم، وفَطَرَهُ فِطْرَةً لا تبديل لها تتفاعل مع الخير والصلاح، ووهبه العقل الذي يميِّز من خلاله ويختار، وحدَّد له أَجَلاً في هذه الدنيا يُتيح له فيه ترصيد أعماله ليوم الحساب، وفتح له باب التوبة والاستغفار ليقوِّم اعوجاج نفسه وأخطائه، وأرسل الأنبياء والرسل للتعليم والتزكية والإرشاد إلى طريق الهداية، وختم بسيد البشرية محمد(ص) بأعظم وأكمل وأتم النِعَم، الذكر المحفوظ القرآن الكريم, والعترة الطاهرة القدوة القائدة.
ارتأينا في هذا الكتاب أن نخطو مع بداية الطريق خطواتٍ أساسية تشكِّل المنطلق للاختيار، بين سبيل الله والسُبُل الأخرى، فكان الفصل الأول الذي يُبيِّن أنَّ التعاليم الإلهية تتمحور حول الإنسان، لترشده إلى طريق سعادته، وتدله إلى ما يوصله إلى النعيم الأبدي الخالد في جنةٍ عرضها السماوات والأرض أُعدَّت للمتقين، وهي السبيل إلى الله تعالى، التي إذا ما اختارها الإنسان باعتقادٍ وعقل فاز بالدارين، وإذا ما انحرف أو ضلَّ عنها خسر فيهما. ولكل خيارٍ مواصفاتٌ تظهر بوضوح من خلال السلوك، ما يجعلنا أمام نموذج المهتدين إلى سبيل الله، والضالين عن سبيله، في تمايزٍ واضحٍ بين السبيلين.
يحتاج اتِّباع سبيل الله إلى جهدٍ وكدحٍ وصبر، فالدنيا دار بلاء، لكنْ على الإنسان أن يلتفت إلى النِعَم التي لا تحصى قبل أن ينظر إلى البلاء والامتحان، عندها يتوازن بمعرفته لطبيعة البلاء ووظيفته، "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ"، فيحصل على نتائج الصبر في الدنيا، بأن يرى الخير فيما أصابه من خيرٍ أو شر، متأسياً بالأنبياء والأئمة الذين ارتقوا أعلى الدرجات بصبرهم وجهادهم في سبيل الله تعالى، وهذا ما وضَّحناه في الفصل الثاني.
إنَّ النفس الإنسانية هي الركيزة الأساس لكل الخطوات، لذا اهتم الإسلام بتهذيبها وتزكيتها لتنقاد إلى صاحبها بدل أن تقوده إلى الهاوية، في مقابل ما تروِّج له القوى الشيطانية لترغيبها بملذاتِ ومغرياتِ الدنيا، كي تغرق في اللحظة المادية المعاشة ما يشكِّل حاجزاً أمام سُموِّها ومستقبلها الدائم. لذا اهتمينا في الفصل الثالث بالحديث عن جهاد النفس والعدو، بتفصيلِ معنى الجهاد بقسميه، وكيفية تربية النفس لتقوى على الجهاد، وبذلك تكون فائزة بتزكيتها، ويكون مالكها منصوراً على الأعداء كيفما كانت النتائج، ففوزها يكون بطاعة الله والسير في سبيله، ونصرُ صاحبها يكون بأداءِ التكليف على خطى الإيمان بالله تعالى.
ثم أفردنا فصلاً كاملاً هو الفصل الرابع، للحديث عن الشهادة والحياة، لنُبيِّن بالدليل والتحليل, أنَّ التربية على الشهادة حالةٌ ايمانية تمنح القوة والاستعداد للتضحية, عندما يتطلَّب الموقف ذلك, وهذا ما يشمل الرجل والمرأة كلٌ بحسب دوره, وأنَّ الشهادة خيارٌ دفاعيٌ فعَّال في مواجهة القوى المادية المسيطرة والمعتدية، على أنَّ الهدف الأساس هو اتِّباعُ سبيل الله تعالى، الذي له مستلزماته في الدفاع عنه، ما يؤدي إلى إحدى الحسنين: الشهادة أو النصر، وفي الحالتين يفوز المؤمنون. ولا يستسهلنَّ أحدٌ اختيار طريق الشهادة، فالأمر يحتاج إلى إذن الولي الفقيه للجهاد والقتال، ويتطلب التزاماً بأخلاقيات القتال، وبالعهود والمواثيق، كل ذلك في إطارٍ دفاعي مشروع، ما يُظهر عظمة التعاليم الإسلامية، التي ترشدنا إلى الحياة السعيدة والعزيزة والمستقلة، إنَّها ثقافة الحياة الحقيقية لمصلحة الإنسان في هذه الدنيا.
لنصل إلى الفصل الخامس، فنستنتج بأنَّ الدِّين خلاصُ الإنسانية، وقد أخبرنا الله تعالى عن سبب إرسال خاتم الرسل محمد(ص) فقال: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ". نحن مسؤولون عن إقامة الدين في حياتنا، غير آبهين بالحواجز المصطنعة، فالدين عابرٌ للأوطان والقوميات والشعوب، وهو يتعاطى مع الإنسان في حياته ومنهجه متعايشاً مع كل الظروف وفي كل الأزمان. وقد أكرمنا الله تعالى بتجربةٍ غنيةٍ تجسدت بالمقاومة الإسلامية في لبنان، كنموذج من التفاعل الإنساني في سلوك سبيل الله تعالى، ما أدَّى إلى نصرٍ وخيرٍ كبيرين للوطن والأمة والإنسانية.
" قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ"، فابدأ باختيارها، واشكر النِعَم، واصبر على البلاء، وجاهد نفسك وعدوك، فالحياة الحقيقية بطاعة الله تعالى وسيطرتك على هواك، وبعزِّك منتصراً على الأعداء أو شهيداً، وأقم الدِّين تعش سعيداً في الدنيا، ثم تحصل على ثواب الآخرة من الخالق العلي القدير.
نعيم قاسم
4 محرم 1431ه
21/12/2009م