1- كتاب هداية.
القرآن الكريم هو الكتاب الذي أنزله الله تعالى على خاتم الأنبياء محمد(ص) ليكون هداية للناس ضمن منهج كامل للحياة، فهو لم يترك أي جانب من جوانب الحياة الإنسانية إلاَّ وتعرض له بما يحقق الأهداف التي رسمها رب العالمين. " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً"(1).
لذا لا يمكننا التعاطي معه ككتاب علمي, وإنْ تعرَّضت بعضُ آياته لأسرار الكون والخلق والحياة. ولا ككتاب تاريخ، وإنْ ثبَّت لنا مجموعة هامة من الأحداث التاريخية بعرض دقيق وموضوعي. ولا ككتاب فكر، وإنْ ناقش أفكاراً عديدة وقناعات مناوئة، وثبَّت حواراً مع المنافقين والكافرين، والمبتدئين بالإيمان، وأهل الكتاب. ولا ككتاب إخبارٍ بالغيب، وإنْ قدَّم لنا مجموعة هامة من المعلومات والمعطيات المرتبطة بالآخرة وأحداثها، وعالم الجن وما يحيط به، وإشاراتٍ مستقبلية لحياة الإنسان. ولا ككتاب عباداتٍ ومعاملات تفصيلية، وإنْ رسم قواعدها العامة وعَرَضَ لبعض التفاصيل أحياناً، بما لا يصل إلى تحديد كل المطلوب من الإنسان. ولا ككتاب ثقافةٍ عامة للإطلاع، وإنْ كان يهيء لقارئه جملة من المعارف والحكم والتجارب، التي تشكِّل رصيداً هاماً في المعرفة. إنَّه منهجُ حياةٍ وهداية للعباد، إنَّه منهجٌ يفصل بين الحق والباطل ويبيِّن كلاً منهما بوضوح لا لَبس فيه، وهو منهجٌ يرسم المعالم الدقيقة للحياة السعيدة: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ"(2)، "وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ"(3).
إنَّه منهجٌ متواصلٌ عبر الأنبياء، تَكامَلَ، وتمَّ مع نبينا محمد (ص)، ليُطبَّق في حياة البشرية: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيز"(4)، وهو هدىً الى الصراط المستقيم، والطريق التي أرادها الله تعالى لنا، إنَّه هدىً يُنيرُ الطريق المظلمة، ويميز بين الخير والشر، ويرشد لصلاح الدنيا وثواب الآخرة: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً"(5)، "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ"(6).
وما الحشد من الأفكار والأدلة والأمثلة والتاريخ، وما حواه هذا الكتاب العظيم، إلا جزءٌ لا يتجزأ من الهدف الأساس، وهو الهداية إلى منهج الحياة، وإنْ خالف أكثرُ الناس وانحرفوا : "وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَ كُفُور"(7).
إنَّ التركيز على ثوابت الإيمان وأدلته، وسَوقَ الأحداث التاريخية لإثبات فعاليته وأهميته، والتركيزَ على قوانين الحياة التي شرَّعها الله تعالى كضوابط تحكم حركة البشرية، وعلى التعاليم التربوية والأخلاقية، والتوجيهات العبادية، وكيفية المعاملات بين الناس، وإقامة العدل، وسَنَّ الجهاد، وإعطاء الأولوية لسلوك الإنسان الناتج عن الإيمان... كلها دلائل واضحة على الإتجاه الذي أراده جلَّ وعلا من القرآن الكريم، وهو الهداية إلى الطريق المستقيم.
(1) سورة المائدة، الآية: 3.
(2) سورة البقرة، الآية: 185.
(3) سورة الحج، الآية: 16.
(4) سورة الحديد، الآية: 25.
(5) سورة الإسراء، الآية: 9.
(6) سورة يونس، الآية: 57.
(7) سورة الإسراء، الآية: 89.