الميل إلى الجنس الآخر، الذي يبدأ من سن البلوغ مع ما يرافقه من نمو جسدي ومتطلبات غريزية، ميلٌ فطري، أي يوجد استعداد خاص برغبة العلاقة مع الآخر، حيث تكون المرأة فيها محلَّ جذب، والرجل محلَّ انجذاب.
هذا خَلقُ الله. لكن، هل نترك لهذا الميل الفطري أن ينطلق من دون ضوابط؟ هل نترك لهذا الاستعداد الجسدي والنفسي أن يتحرك من دون توجيه وإرشاد؟ هل نترك المجال للأحاسيس والمشاعر لتنطلق بالانجذاب إلى الطرف الآخر من دون تحديد لشخصية الطرف الآخر المناسبة، أو من دون حصرها كي لا تتجاوز إلى ما يحرم من الطرف الآخر؟
الميل الفطري استعداد، إمَّا أن نطلق له العنان، وإمَّا أن نحدِّد له المسار السليم، وهذا ما نسميه الخيار.
نحن أمام دافعين:
الأول: الدافع الداخلي = الميل الفطري الذي يعني الاستعداد.
الثاني: الدافع الخارجي = المؤثرات المجتمعية والتربوية التي تؤدي إلى الخيار.
نستنتج أن الاستعداد قابليةٌ يمكن أن تتجه في أي اتجاه، والخيار حسم للموقف الذي يتحكم بتوجيه الاستعداد، لأنَّه مصحوب بالقرار والإرادة.
يرغب الفتى بعد البلوغ بالتقرب من الفتاة بالميل الفطري منجذباً إليها راغباً بها، وترغب الفتاة بعد البلوغ بانجذاب شاب إليها واهتمامه بها. الرغبة هنا هي الاستعداد النفسي والجسدي.
إذا كان خيارنا ترك المجال لانطلاق هذا الاستعداد بين فتى وفتاة. كيف يجري؟ وماذا يترتب عليه؟ يبدأ الأمر برغبة اللقاء والمجالسة والمحادثة، ويحرص كل منهما أن ينتهز الفرص المتكررة للِّقاء، بصرف النظر عن ظروف لللقاء في بداية الأمر، فالأنس يحصل بتواجدهما معاً في مكان واحد، في المدرسة أو الجامعة أو لقاء العائلتين أو لقاء الجيران أو المناسبات الاجتماعية المشتركة... ثم يزداد الأنس بالتخاطب والمحادثة بينهما بصرف النظر عن طبيعة الموضوعات ... ثم يحصل الاستلطاف الذي لا يخلو من نظرات ايحائية وعبارات يفهم منها كل طرف مشاعر الآخر تجاهه... وهنا تزداد الألفة وتنمو المشاعر والعواطف، فيتوَّلد الحب الذي يزداد بوجود هذه العوامل المحيطة المساعدة...ثم يصل إلى حدٍّ يشعر معه احدهما أو كلاهما برغبة التعبير الجسدي عن هذا الحب بدافع الاستعداد الغريزي...
السؤال: هل هما مستعدان عملياً واجتماعياً للزواج على سنة الله ورسوله؟
إذا كان الجواب بالنفي. فما الذي فعلاه بخيارهما؟ لقد وجَّها استعدادهما بطريقة خاطئة! حيث سلكا طريق تأجيج العلاقة العاطفية، من نظرة إلى ابتسامة، فسلام ولقاء و...ماذا بعد ذلك؟ لقد اختارا طريقاً خاطئاً يؤدي إلى الحرام، ويفتقر من بدايته إلى المشروعية، لأنَّ نتيجته المتوقعة غير شرعية. لا يستطيع أي منهما ادعاء عدم المسؤولية في الحدِّ الذي وصلا إليه، ولا ادعاء الانسياب مع الدافع الداخلي الغريزي بطريقة لا إرادية! فالخطوات كانت إرادية منذ البداية.
كيف عالج الإسلام هذا الأمر ؟
حرَّم الاختلاط بين الجنسين باللقاء والمجالسة والمحادثة، ما لم يكن له مبرراته الموضوعية والعملية التي تُخرجه من دائرة الأنس بالطرف الآخر. وبشكل أشد حرَّم الخلوة بين الرجل والمرأة في مكان خاص ومنفرد، داقاً ناقوس الخطر بحضور الشيطان الذي يريد الإيقاع بهما. فعن رسول الله(ص):"لا يخلون رجل بامرأة، فإنَّ ثالثهما الشيطان"(15). إذاً، قَطعُ الطريق من بدايته ، يحمي من التورط والوصول إلى مأزق هذه النهاية.
أما إذا كان الجواب بالإيجاب ، بأن تكون للشاب والفتاة رغبة واستعداد للزواج الشرعي، فعندها لا مانع من المقدمات التي توصل إلى هذه النتيجة، على أن تكون مشروعة أيضاً في كل مراحلها.