تمتدُّ مرحلة المراهقة من سن الثالثة عشرة إلى الواحدة والعشرين، وقد تتأخر الى الرابعة عشرة أيضاً، وتقسَّم إلى مرحلتين(129): الأولى حتى السابعة عشرة، والثانية إلى ما بعدها وصولاً إلى الواحدة والعشرين، حيث تسمى الأولى المراهقة المبكرة، والثانية المراهقة المتأخرة ، لوجود بعض الفروقات بينهما، لكنَّ تحديد السِّن لا يكون حاداً في غالب الأحيان، فقد تتداخل زيادة السنة أو نقصانها بين المرحلتين، أي انتهاء المراهقة المبكرة عند الثامنة عشرة أو السادسة عشرة، لتبدأ بعدها المراهقة المتأخرة.
يُصاحب مرحلةَ المراهقة نموٌ شامل، جسدي وعقلي ونفسي، تواكبه اضطرابات جسدية وعقلية ونفسية، بسبب هذه المرحلة الانتقالية الحساسة. ثم تستقر في نهايتها في اتجاهات واضحة ومحدَّدة، حيث تكتملُ معالمُ الجسد شكلاً ووظيفةً ومواصفات، وتتبلور قواعدُ العقل والتفكير في تحديد مسار الخيارات الشخصية والثقافية والمهنية والسياسية والمجتمعية، وتتَّجهُ النفس نحو إطارٍ يطبع حياة الشباب، التي تبرز مميزاتها في السلوك العملي، بحالة مستقرة أو قلقة، مؤمنة أو حائرة، متفائلة أو متشائمة، مطمئنة أو أمارة بالسوء...من دون نفي بعض التقلبات المحتملة مع تبدل الظروف والقناعات، ومن دون حدِّية لحالة دون آخرى، فقد يطغى اتجاه على آخر مع بقاء أثرٍ ما لنقيضه.
إذاً، نشهد في سن المراهقة انفعالات واضطرابات نفسية مصاحبة للنمو الجسدي والعقلي، وهي متفاوتة بين شاب وآخر، بين فتاة وأخرى، وبين الشاب والفتاة، حيث تكون عادية وبسيطة أحياناً، وتكون حادَّة ومتوترة أحياناً أخرى، وما بينهما مراتب كثيرة. علينا أن نتعاطى مع الانفعالات النفسية بلحاظ خصوصيات المراهق، وأن نبحث عن الأسباب التي تزيد من مستوى اضطرابها وتوترها، فقد تكون جسدية، أو عقلية، أو تربوية، أو بسبب الظروف الاجتماعية المحيطة، أو مزيج من عدة أسباب, أو غير ذلك .
سنتناول في هذا البحث عدداً من هذه الأسباب لتوضيح الصورة، وتسهيل التعامل مع المراهق والمراهقة:
1- النمو الجسدي:
تبرز التحولات في جسد المراهق في الطول والحجم والشكل، وكذلك في الأعضاء الخارجية، وما يترتب على الوظيفة الجنسية من قابلية الجذب والانجذاب والاستعداد للتناسل...وسنعرض لعدة تساؤلات وعناوين تسبِّب الاضطراب عند المراهق والمراهقة، ثم نسوقها كنماذج وأمثلة يجول بعضها في حسابات المراهقين بتفاوتٍ لا يمكن حسمه إلا بدراسات ميدانية تظهر مدى أهمية بعض العناوين بالمقارنة مع غيرها، حيث تختلف النسبة من بيئة إلى أخرى، وتتداخل عوامل عديدة في مدى الاهتمام بكلٍ منها، وبما أننا نوردها كأمثلة فهي لا تكون واردة بأكملها عند كل الحالات، وإنما قد يرد بعضها، كما قد يرد غيرها مما لم نورده. إنما نذكرها لتسليط الضوء على ما يخالج المراهق من مشاعر وانفعالات لمتغيرات جسده، وهذا ما سنفعله مع كل الأسباب الأخرى.
أ- العناوين والتساؤلات.
- ظهور البثور على الوجه(حب الشباب) وما تسببه من حرج، في الشكل، أو تعليقات المحيط.
- الطول الزائد أو القصر الظاهر، بالمقارنة مع المعدل الوسطي.
- ثغرات جمالية تبرز في طول الأنف، أو الأذنين، أو شكل الوجه العام ، أو السمرة الحادة، أو عدم تناسق الجسد بشكل عام.
- البدانة وفي مقابلها النحافة، بالمقارنة مع المعدل الوسطي.
- آلام في الرأس، أو المعدة، أو الأسنان، أو المفاصل، يعاني منها بعض الأفراد.
- التعب وضعف الرغبة في القيام بأي مجهود.
- الرغبة بتوفر صفة ما موجودة عند غيره كقوة الجسد، أو الشهية على الأكل، أو التقليل من الطعام، أو شكل الجسد، أو غير ذلك.
- الأعضاء التناسلية وما يحيط بها، وما يصاحب ذلك من الشعور بالرغبة الجنسية.
ب- كيفية تعامل الشباب مع تحولات النمو.
التربية والثقافة عاملان أساسيان ومؤثران في كيفية تعامل الشباب مع هذه العناوين والتساؤلات، ومع غيرها كما سيأتي. وقد ذكر أمير المؤمنين علي(ع) لولده الحسن(ع) سبب المبادرة إلى تأديبه بسلوك الإسلام، قائلاً:"وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب، قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لُبُّك"(130).
إنَّ التثقيف الديني عامل أساسي في تنمية الوعي وهداية الشباب إلى المعرفة السليمة, التي ترشده إلى قواعد الصلاح في حياته، ولا يمكن الاستغناء عن المعرفة الدينية، وإلاَّ حلَّ محلَّها معارفُ أخرى يلتقطها المراهق من المدرسة والمجتمع ووسائل الإعلام، وتشكِّل عنده توجيهاً لمساره في حياته. وبما أنَّ الفكر المادي هو السائد، فإنَّ معرفة الشاب أو الشابة ستتأثر بهذا الاتجاه، فنكون بتخلينا عن مسؤوليتنا الثقافية في تعريفه بالإسلام، قد دفعناه إلى المسار المادي الخاطئ.
وقد أجمع فقهاؤنا على وجوب تعلم المكلَّف لمسائل الابتلاء في عباداته ومعاملاته ليؤديها بشكل صحيح، وهذا مدخلٌ طبيعي ليبدأ مع بلوغه ومراهقته رعاية الخطوات السليمة في تعامله مع متطلبات جسده وروحه ومحيطه الاجتماعي. إنَّ العلم الديني بقواعده الأولية والضرورية مسارٌ حيوي لكل مكلَّف، يساعده على استقامة اختياره، وقد ورد عن الإمام الصادق(ع) قوله:"ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام"(130B). ما يعبِّر عن مأزق الاستهتار - في كثير من الحالات - بعدم بذل الجهد الكافي من المكلفين لتعلم أحكام الإسلام، وهذا ما يوقعهم في الجهل والانحراف. علماً بأن الخالق جلَّ وعلا قد أعطانا من التسهيلات ما يساعدنا على تلقي العلم الديني بسهولة، ففي فطرتنا علمٌ أوَّلي وقدراتٌ في خلق الله تعالى لنا تساعدنا على التفاعل الإيجابي مع الدين، قال تعالى" عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ "(130C)، وذلك بإيداع المقدمات المساعدة على التلقي السليم. ثم علينا أن نتعلم لنجمع بين إيماننا والعلم النافع الذي يرتقي بنا إلى الدرجات الأعلى، قال تعالى:" يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ "(130D).
لا يمكن بناء سبيل الانسان في هذه الحياة من دون خلفية فكرية يستند إليها، فإنْ كانت صالحة صلُح المجتمع, وإنْ كانت فاسدة فسد المجتمع. إنَّ العلم الديني ضروري لنتعرف على الحياة، وهو يشكل مع الإيمان سبيلنا لنتقدَّم بخطوات سليمة في السلوك, والحياة، وبناء المجتمع, فمع إضافة العلم العصري الذي يعرفنا شؤون دنيانا ومصالحنا فيها، نصل إلى المعرفة الحقيقية المتكاملة لدنيانا وآخرتنا، ففي الحديث الشريف:" العلم علمان: علم الأبدان وعلم الأديان"(130E)، ونحن بحاجة إليهما في حياتنا.
لا يخفى تأثير الأهل والمربين على الشباب لاعانتهم في مرحلة المراهقة، وما نتحدث عنه من مسؤولية يتحملها الشاب والفتاة في التعامل مع هذه المرحلة ومتغيراتها، لا يعفي الأهل والمربين لمواكبة كل منهما في الاتجاه الإيجابي نفسه، كما لا يعفي الشاب والفتاة في تحمل كل منهما للمسؤولية الكاملة إذا لم تتيسر له الظروف الملائمة المساعدة له، في وجوب سعيه لتوفيرها في الحد الممكن، وأن لا يستسلم للأمر الواقع مهما كان صعباً ومعقداً.
لاحظ معي هذين النموذجين المتناقضين في التثقيف والتربية، وما يترتب عليهما من آثار:
الأول: يؤمن بمادية الحياة والفرصة الدنيوية في المتاع والملذات التي لا يصح تفويتها. انطلاقاً من هذه النظرة، يعتبر جمال الجسد وتحقيق رغباته غايةً لا مناص من نيلها، وإلاَّ خسر خسارةً لا تعوَّض. وهنا تتحول بعض العناوين والتساؤلات عند الشباب إلى مشكلة حقيقية: كالبثور على الوجه، والثغرات الجمالية، والبدانة، وقوة الجسد، وما يطرأ على الأعضاء التناسلية... فيحاول الشاب بشتى الوسائل أن يعالج الثغرات الجمالية التي لا تجد لها علاجاً، خاصة إذا ارتبطت بالصفات الخلقية، كالشكل أو الطول أو غيرها، وهذا ما يزيد من اضطرابه لعدم حصوله على العلاج الملائم. وتربكه رغبته الجنسية بين الاستجابة لها في الحرام، أو كبتها ما يسبب له اضطراباً في الحالتين لارتكابه المعصية في الحالة الأولى، واضطرابه النفسي في الثانية. فالمنهج المادي في التربية يضع الشاب أمام المأزق، بين غاية منشودة لا يقوى على تحقيقها، أو تحقيقها في الاتجاه الخاطئ والمنحرف، وفي الحالتين ينعكس الأمر اضطرابات نفسية كبيرة تترك بصماتها على شخصية الشاب في الحاضر والمستقبل، وتؤثر على خياراته في كيفية تعاطيه مع جسده.
الثاني: يؤمن بقضاء الله وقدره، وأنَّ الدنيا متاعٌ مؤقت، وما يمر به في مرحلة المراهقة مرحلةٌ مؤقتة سرعان ما تتبدل وتتغير نحو الأفضل إذا أحسن اجتيازها. عندها يتصرف مع جسده بموضوعية واتزان، فالشكل والطول واللون من خلق الله الذي لا تبديل له، وهو ما قسمه الله للإنسان، وأمَّا البثور والبدانة والتعب وغيرها، فيسعى لمعالجتها ما أمكنه ذلك، بتنظيم طعامه وعدد وجباته، وممارسة نشاطٍ رياضي، أو بعرض نفسه على طبيب مختص لمعالجة ما يعاني منه، ويهيء نفسه بقبولٍ حسنٍ للنتائج مهما كانت، ويستعين على شهوته بضبطها من الخارج ، بغض البصر، وعدم الاختلاط، والقيام بإجراءات الحماية اللزمة، إلى أن تحين الفرصة التي يتمكن معها من الزواج، كل ذلك في إطار من السعي نحو الممكن، والرضا بالنتائج، وتوقع الثواب والأجر من الله تعالى على سعيه وصبره، ما يُمكِّنه من الاستقرار النفسي، وعدم الوقوع في فخ الاضطراب والفوضى، فإن حصل له بعض الاضطراب، كانت لديه القدرة على المعالجة، وتقليل الآثار السلبية، فلا تتراكم مضاعفاتها للمستقبل. إنَّ إيمانه بالمقدَّر والممكن، وتربيته على السعي وبذل الجهد ثم قبول النتائج، يؤثران في كيفية تعاطيه مع ما يحيط بنمو جسده.
إنَّ تعامل الشباب مع الخيار الثاني، ضمن منظومة ثقافية وتربوية تواكبه، يساعدهم على التعامل مع مرحلة المراهقة بانتقال هادئ إلى المرحلة التي بعدها، وبأقل قدرٍ من الاضطراب النفسي والاجتماعي، خاصة مع وجود القابلية للمعالجة عند الوقوع في الأزمات والأخطاء.
2- الاستعجال:
كأنَّ الشاب في مرحلة المراهقة يسابق الزمن، فهو عجول، راغبٌ بحصد النتائج سريعاً، يضجُّ من طول الدراسة إذ يرغب أن يطوي الزمن ليتجاوزها إلى العمل وتحصيل المال، ويتضايق من القيود الأسرية والمجتمعية التي تحيط به في كثرة الممنوعات والنصائح التي تُوجّه له، ويريد أن يكون مستقلاً عن أسرته ليتخذ قراراته بنفسه. يقارن نفسه مع من هم أكبر منه سناً ، خاصة إذا كانوا من أقربائه أو جيرانه, ممن قطعوا المراحل التي يتمنى الانتهاء منها, لكنَّ سنَّه لا تساعده على ذلك.
يستعجل الحصول على أمانيه وأحلامه، ثم يصدمه الواقع بعامل الزمن، فكل شيء يحتاج إلى وقت، كما تحتاج الفاكهة إلى وقت حتى تنضج وتصبح صالحة للأكل، كذلك يحتاج الشاب إلى وقت ليتجاوز السن التي هو فيها، لتتراكم قدرته في الاعتماد على نفسه. هذا هو المسار الطبيعي في الحياة.
أيها الشاب، انك بحاجة لتهدئة اندفاعتك، لتنظر إلى الأمور بواقعية. ليست اندفاعتك بطريقة غوغائية أمراً فطرياً وحتمياً، بل هي نتيجة التربية التي لم تأخذ بيدك كفاية لتتروى . إعلم أن المراهقة سنُّ حيويةٍ واندفاع، لكنَّ علمك بطبيعة الحياة، وإدراكك لمسار الأمور، وملاحظتك للتجارب المحيطة بك، تساعدك على التروي. وجِّه عجلتك إلى الخير والصلاح والفلاح، فقد أجاب الإمام الصادق(ع) رجلاً من البصرة عن تفاعل الناس مع الدين، بقوله:"عليك بالأحداث فإنَّهم أسرع إلى كل خير"(131). إذاً يمكن للشباب أن يوجهوا طاقاتهم في المسار الإيجابي، فلا يكونون متهورين، بل مسخِّرين لإمكاناتهم بحسب الأمور الواقعية للخير، فهذا ما يهدئ من روعهم، ويُكسبهم بعض النتائج الإيجابية، فيحمي الواحد منهم نفسه من خطر العجلة التي تؤدي إلى الإساءة أو اتباع الأهواء أو سلوك الانحراف، ويعمل في طريق الخير بخطوات متراكمة هادفة ترتقي به بشكل طبيعي نحو الأفضل . وقد حذَّرنا القرآن الكريم من العجلة التي تؤدي إلى الشر، قال تعالى:" وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً "(132)، إذ من شدة حرصه للوصول إلى رغباته، يدعو الإنسان ليتحقق له الشر والاثم والمنكر كما لو كان يدعو إلى الخير المأمول، وهذا من العجلة المذمومة. على الإنسان أن يلتفت إلى تقدير الله تعالى للأمور، بحيث يحصل كل واحد على نصيبه المعلوم المحدَّد الذي لا يستطيع تجاوزه، وإنما هو مأمور في هذه الدنيا بالسعي، فليكن مطمئناً بأنَّ سعيه سيوصله الى ما هو مقدرٌ له. قال تعالى: " وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ "(133)، وقال: " قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ "(134).
3- القلق:
هل سيكون مستقبل حياتي كما أريد؟
هل سأتمكن من التخصص في المجال الذي أرغبه؟
هل سأتمكن من تحمل الأعباء المالية للجامعة التي تناسبني؟
هل سأجد فرصة للعمل مع تضاؤل الفرص وكثرة المتخرجين؟
هل سأتمكن من تأسيس بيت لي من دون ديون مرهقة؟
هل سأتحمل الانتظار قبل أن أملك حرية التصرف؟
هل سأحصل على الزوج المناسب؟
هل سأنجح؟ وماذا سيقول الناس عني إذا فشلت في بعض أموري؟
أسئلة كثيرة تراود الشباب، وتجعلهم في حالة قلق من الحاضر والمستقبل! وكلما ازدادت الأسئلة ازداد القلق، لانعدام فرص الإجابة عنها في الوقت الحاضر، خاصة أنها أسئلة للمستقبل، والله أعلم بما يمكن أن يحصل من تطورات ومتغيرات في حياة الإنسان، وماهية الفرص التي تتوفر له لتسهل أموره، وطبيعة العقبات التي تعيق طموحاته.
توقَّف عن الأحلام والأوهام، ولا تُربك نفسك بهذا السيل من الأمور المقلقة. لست أول شاب في هذه الدنيا، ولست الوحيد المبتلى بقانون الزمن والإمكانات. لا تكن متوتراً بتشاؤمك بما سيحصل، فقد يحصل لك كل الخير، وإذا واجهتك الصعوبات وصبرت، " فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً "(135).
ما رأيك بأن أدلك على ما يريح نفسك؟
ألا ترغب بمعرفة ما يطمئنك وينزع عنك هذه الخواطر المقلقة؟
اذكر ربك دائماً في السر والعلن وفي جميع أحوالك، تعيش طمأنينة النفس، والتسليم لله تعالى، فيعينك على الراحة المعنوية التي تطرد القلق من حياتك. قال تعالى:"الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"(136).
لماذا؟ لأنك مع الله، تنسجم مع المنظومة الكونية التي يشرف عليها خالقها وخالقك، فبذكره تلجأ إليه وتستعين به، وهذا ما ينعكس عليك بتسديد الله تعالى لك، ويزيدك إيماناً واستقراراً، فتطرد القلق من حياتك. قال تعالى:" هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً "(137). جرِّب هذا الأمر، فاذكر ربك في كل امورك، قبل أن تنطلق في بيتك، وعندما تهم بقراءة درسك، وحين البدء بطعامك، وإذا واجهك أمر ما في حياتك اليومية. تأمَّل في خلق الله تعالى لك ولما حولك، وتفاعل مع الذكر والصلاة والعبادات المختلفة... فستجد السكينة محيطةٌ بنفسك وجوارحك.
4- حرية التصرف:
هل تريد أن تتخلص من القيود! ما الذي يزعجك فيها؟
هل تريد أن تشعر باستقلاليتك!
وهل أنت قادر على الاستغناء عن مساعدة أبويك أو معلميك؟
أتريد أن تكون الآمر الناهي!
ما هي مشكلتك؟ ولماذا لا تعيش حياتك الطبيعية؟
أثبت الإسلام خصوصية مرحلة المراهقة، في رغبة المراهق ابتداء من سن الرابعة عشرة تقريباً، بالاستقلال وحرية التصرف، ولذا دعت الروايات المختلفة إلى التعامل مع الشاب كصديق ووزير، فقد ورد عن الرسول(ص):"ووزير سبع سنين"، وعن الإمام الصادق(ع):"والزمه نفسك سبع سنين"، في الإشارة إلى هذه المرحلة، كما أكدت الدراسات الحديثة على أنها: "الفترة التي تتكوَّن فيها معالم الشخصية المستقلة، فالولد يجنح إلى الاستقلال، وإبداء الرأي والاختيار، ويرغب بأن تؤخذ وجهة نظره بعين الاعتبار، ويكره بأن يُعامل بطريقة طفولية، ويتصرف على أساس أنَّه صاحب قرار"(138).
لو افترضنا أنَّ أهلك ومربيك لم يقوموا بمسؤوليتهم في مواكبتك بشكل سليم، وأنَّك واجهت أيها المراهق ما يخالف متطلباتك، فماذا تفعل؟
لا يضيق صدرك إذا أخطأوا معك، ولا تجعل نفسك في موقع المظلوم الذي خسر كل شيء! ولا تبالغ في استقلاليتك واندفاعك نحو التصرف بحرية كاملة. إعلم أنك مسؤول تجاه أهلك ومجتمعك ومعلميك، وأن الحرية التي تحتاجها هي المقدار الذي يساعدك على بناء شخصيتك للمستقبل. عليك أن تعترف بالقيود والعقبات، وأنك ستواجه بعض الممنوعات والصعوبات، عندها لا ترتبك حياتك، ولا تعيش المرارة والقهر والأذى النفسي.
من حقك على الآخرين أن يقدِّروا مرحلتك، ولكن من واجبك أيضاً أن تراعي حدودك، فلا تخرج عن طورك، ولا توصل الأمور إلى مرحلة التمرد. حاول أن تناقش المحيطين بك بمشاعرك ومتطلباتك، وافتح نافذة الفرص للاتفاق معهم على قاسمٍ مشترك بينك وبينهم، واعمل على أن تبقى مندمجاً مع محيطك من دون أن تنقلب عليه أو تعاديه. استنفذ وسعك لتتمتع بقدر مناسب من حرية التصرف بحسب الظروف التي تحيط بك، وليكن هاجسك تنمية إمكانات الخير في نفسك وأدائك، ولا تطلق العنان لهواك، ولا تخرج عن الإحسان لوالديك، والتزم آداب العلاقة مع معلميك، ووقِّر من هو أكبر منك، فمع هذه التصرفات ستجد المساحة الملائمة لحرية هادفة.
5- الضمير:
يتشكَّل الإحساس بالوازع الداخلي أو الضمير في مرحلة ما قبل المراهقة، ثم ينمو عند المراهقة، حيث يؤاخذ المراهق نفسه على الأخطاء التي يرتكبها، ويخشى عقاب الله تعالى من المعاصي التي ارتكبها مهما كانت صغيرة، ولا يمكن عزل هذا الإحساس بالمؤاخذة عن نمو القدرة العقلية والنفسية لديه برقابة الخالق عزَّ وجل له، وإيمانه بوجود الجنة والنار للحساب. ورُبَّ قائل: هذا ما يشعر به من يعيش الأجواء الإيمانية! لكنَّ الدراسات التربوية أثبتت بأن الوازع الديني حالة منسجمة مع الفطرة الإنسانية، وهذا الأمر موجود في المجتمعات الإسلامية والمسيحية على حدٍ سواء، وإنما يتفاوت تأثيرها بحسب التربية الدينية، بل في المجتمعات اللادينية يعيشون مشاعر المراقبة الخفية التي تجعلهم يعيشون المسؤولية الذاتية، التي تنمو بفعل التربية والقواعد السائدة في المجتمع، أو تتلاشى بسببها أيضاً.
إنما يتمرَّد الشاب على الوازع الديني بعد تراكم المعاصي والانحراف لديه بشكل كبير، وذلك عندما يعيش التردد والقلق والمؤاخذة عند كل خطأ، ثم يكرره مراراً عديدة، فتضعف المؤاخذة عنده تدريجياً، ثم يبطل تأثيرها في وخز الضمير أو الردع عن المعصية، وبذلك يتحول الخطأ إلى عادة سيئة تطبع سلوكه، فيسود حجاب الظلمة على قلبه ونفسه، ما يجعله يألف الانحراف بل يدافع عنه ويدعو له. وأفضل تعبير عن صدأ القلب الذي يصبح حاجزاً أمام الفطرة السليمة، ما قاله تعالى في القرآن الكريم:" كَلاَ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ "(139)، فالأعمال السيئة تؤدي إلى حجاب يحيط بالقلب ، فيحرمه من لذة التوبة والذكر والطاعة لله تعالى.
هل تعلم أيها الشاب، أيتها الشابة، كيف يبقى ضميرك يقظاً؟
هل ترغب بالسيطرة على انفعالاتك وأعمالك لتكون سليمة في نتائجها؟ هل تريد الأُنس بما تفعله من دون قلق نفسي ومؤاخذة وحساب؟
إذا واجهك أمرٌ ترغب القيام به، أكان طعاماً أو نزهة أو رياضة أو درساً أو صحبة أو بناء علاقة جديدة أو... فإن كان واضحاً في حلاله، ولا يوجد فيه معصية أو انحراف، فافعله وتوكَّل على الله تعالى، إذ من حقك أن تحصل على الملذات والخيرات التي أوجدها الله تعالى في هذه الدنيا، طالما أنها في طريق الحلال. قال تعالى:" قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ "(140).
وإذا واجهك هذا الأمر الذي ترغبه، ولم يكن واضحاً لديك، فأنت لا تدري إن كان حسناً أو سيئاً، نافعاً أو مضراً، حلالاً أو حراماً، فالتجربة جديدة عليك وأنت جاهل بمعطياتها، أو لديك بعض المعلومات التي تشير إلى احتمال اختلاط حلالها بحرامها، فتأمَّل. فكرِّ قبل أن تُقدم على العمل، ولا تتسرَّع في الاستجابة له، حاول أن تستفسر لتفهم ما أنت فاعله، ولا تعذِّر نفسك بأنك تخرج من الأمر عند اكتشافك لسوئه، فمن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه. وقد يجرفك الموقف، أو تضعف أمام المجموعة التي تشاركها هذا العمل، أو تخشى من عزلتهم لك وسخريتهم عليك...فلا تضع نفسك في موضع الشبهات، "من دخل مداخل السوء اتُّهم"(141).
لا تعتمد في كل شيء على تجربتك الخاصة، بل استفد من تجارب الآخرين، مما جرى معهم ووقعوا فيه وخسروا، مما نجحوا فيه وربحوا، ولا تضيِّق على نفسك بحشرها في موارد الشك والتردد والخطر. ليكن اختيارك بعد حوار بينك وبين نفسك حول الأصلح والأفضل، ثم خذ خيارك.
أنت أمام احتمالين: أن يكون الحسم لصالح الخيار الصالح، فهنيئاً لك. أو أن يكون لصالح الخيار الخاطئ-لا سمح الله- فحاسب نفسك، وطالبها بما ارتكبته من خطأ، وافسح المجال لضميرك ليؤنبك، فلا تقمعه، ولا ترفض وخز الضمير، ولو أدى بك الأمر إلى البكاء. إسعَ إلى التوبة، واستغفر ربك، وايقظ فطرتك السليمة في رفض المنكرات والمحرمات، تكون بذلك قد عدت إلى البداية، فمع التوبة أنت في بداية جديدة.
وإذا واجهك الأمر الذي ترغبه، وقد اتضح لديك خطأه، وإنَّه حرام منكر، وارتكبته، انتبه كي لا يتكرر الأمر. فلو تكرر كرِّر مواجهة شيطانك، ولا تتركه يتحكَّم بك، وارفض عملك الذي قمت به, للمرة الثانية والثالثة والرابعة... وإيَّاك أن تستسلم، أو أن تعيش أُلفة الانحراف والمنكرات، أو أن تعطِّل ضميرك في وخزه لك ومساءلتك الدائمة، فلربما تنجح بعد هذه المرات بسبب استمرار صراعك مع نفسك، فلا تستسلم. إسأل ربك أن يعينك، واستعذ به من الشيطان الرجيم،" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ"(142).
إعمل على أن لا تعتاد على الانحراف، وأن لا تجذبك لذَّته الآنية للانغماس فيه، فالأمر بيدك. وأنا أعلم أنه يجذبك ويؤنسك، وإنك تشعر بالانسياق إليه، وتشعر بضعفك في مواجهته، لكن لا تستسلم.ألا تعتقد بحرمته؟ إذاً قم بالرفض النفسي، واسلك طريق الممانعة التي ذكرتُها لك، واستعن بكل ما يساعدك، والجأ إلى صديقٍ وفيٍّ وأمين ومؤمن ليأخذ بيدك، واستنصح من تثق بصلاحه وحكمته. فتِّش عن مشاريع تملأ فراغك وتَصرِفُك عمَّا أنت فيه، غيِّر برنامجك وظروفك التي تشدُّك إلى الحرام، غيِّر أصدقاء السوء وابتعد عنهم. إذا كان مكوثك في البيت يورطك بحضور المحرمات على التلفاز فاخرج من البيت للقاء الأصدقاء، أو المشاركة في نشاط، أو غير ذلك. اجلس مع الآخرين ولا تنفرد وحدك في غرفتك التي تأتيك بالآثام. وإذا كنت في نشاط أو نزهة أو صحبة تورطك في الملذات المحرَّمة، فبدِّلها بما يحقق لك الملذات المحلَّلة، فإذا شعرت في البداية أنك خسرت لذة مؤنسة أو كافحت رغبتك، فإنك ستشعر لاحقاً بالسعادة الكبرى لانتصارك على هواك، وقدرتك على الإمساك بزمام المبادرة، وعدم الانجراف مع المحرمات، وتعطيلك لما يمكن أن يتحول إلى عادةٍ وسلوك يصعب تغييره.
جرِّب هذا البرنامج الذي ذكرته لك. قد يبدو لك صعباً فلا تتوهم منه، ما الذي ينقصك؟ أنت شاب لديك كل الحيوية والنشاط والقدرة، فلا تستسلم لهواك، وأطع أمر مولاك وخالقك، تجد لذة الطاعة والحلال التي لا تعادلها لذة على الأرض. مشكلتك أنك لم تذقها بعد، لم تتسع تجربتك لتقارن بين اللذة الباقية واللذة الزائلة، واعلم أنك إذا لامست أُنس الطاعة لله واخترت ما أحلَّه لك، فلن تترك هذا الطريق، لأنه طريق الراحة النفسية والسعادة الدنيوية والثواب في الآخرة. اعمل لتعتاد على الطاعة والحلال، ولا تدع المعصية والحرام يتحكمان بك، واطرُق باب الإيمان يُفتح لك على مصراعيه، وكُنْ ملحاحاً، فمن لَجَّ وَلَج، فإذا وَلَجْتَ ودخلت في طريق الهداية، عندها يجري على يديك الخير، وتعيش منسجماً مع فطرتك السليمة، فهنيئاً لك توفيقك.
6- الانفعال:
في المرحلة الانتقالية التي يعيشها المراهق على المستوى الجسدي والنفسي، تكون قابليته للانفعال سهلة وسريعة، حيث يتخذ الانفعال لديه أشكالاً متعددة بحسب مقوماته الشخصية وظروفه التي تحيط به.
ففي بعض الحالات يكتم المراهق انفعالاته خشية انتقاد الآخرين ولومهم، ويحسب حسابات كثيرة لمن حوله، ويتحسس من أي تصرف قد يكشفه أمام الآخرين ويعرِّضه للمساءلة، وتبرز عليه معالم الخجل من المواجهة أمام الأحداث، فيعيش حالة انطواء وعزلة. يجب أن يخرج المراهق من هذه الحالة، فهي طارئة واستثنائية، لها علاقة بالأجواء التربوية التي أحاطت به، والتقاليد والأعراف التي ضغطت عليه. على الأهل والمربين أن يساعدوه على كسر هذا الحاجز، بتشجيعه لإبداء رأيه، والاستماع لملاحظاته بصبر وتأمل ، وعدم تسخيف وجهة نظره. وعلى المراهق أن لا يعيش وَهْمَ الضغط الاجتماعي والأسري، وأن يجرب إبداء وجهة نظره في بعض المجالات، بين الأصدقاء، أو مع أحد معلميه، وأن يلجأ إلى التعبير الثنائي بينه وبين أحدهم، بينه وبين أبيه أو أمه أو معلمه... ولا يلجأ في بداية المطاف إلى التعبير بحضور مجموعة كبيرة، فيكون بتعبيره الثنائي قد كسر حاجز الخجل والخوف، وتخلَّص من خطر الإنطواء والانفعال الذاتي الذي يولِّد الاكتئاب وانعدام الثقة بالنفس.
وفي حالات أخرى يتصف سلوك المراهق بالشدة والتوتر، فهو يرد بسرعة على أي موضوع، ويرفع صوته مستنكراً، ولا يراعي من هو أكبر منه. يتصرف بعدائية تجاه الآخرين متهماً إياهم بأنَّهم لا يفهمونه ولا يقدرون حاجاته ورغباته، ويثور لأتفه الأسباب، حيث يبرز ذلك من تعابيره القاسية أو حركاته أو عصبيته المفرطة.
على الكبار أن لا يتصرفوا معه بردة فعل قاسية، وأن يراعوا سنَّه وقلة درايته وتجربته، وأن يستدرجوه للإفصاح عما يزعجه ويؤلمه، وأن يُبدوا له التفهم والتقدير والمساعدة في إطار احترام رأيه، آخذين بيده لتلطيف طريقته في التعبير. لا يصح وضعه في موقع الند مع الكبار، ولا الرَّد على انفعاله بانفعالات مقابلة، فهذا ما يعقِّد المشكلة، ويجُّره إلى تصرفات غير لائقة وأكثر عدوانية.
على المراهق أن يلتفت لنفسه، وأن يعلم بأنَّ معرفته القليلة وتجربته المحدودة وخبرته المعدومة تقلِّل من حسن تقديره للموقف، ليس صحيحاً أنَّه على حق دائماً، وليس الآخرون أعداء له، ولا يتصدَّى أحدٌ له ليحطمه ويؤذيه. عليه أن يدرك بأنَّه في مرحلةِ تذبذبٍ وعدم استقرار، فليلجُم سلوكه، وأنَّ الأمرَ بيده ليتخذ القرار المناسب، إذا تأمَّل وفكَّر ولم يتسرَّع. على المراهق أن يتقبَّل التمايز بين وجهة نظره والآخرين، وأنه ليس وحيداً، وليس معذوراً في إطلاق العنان لتصرفاته الانفعالية السلبية، فسلوكه لم يحصل بطريقة لا إرادية، إنَّه قراره السلبي بسبب عدم التروي وقلة المعرفة والتشكيك بالآخرين، ليس صحيحاً أن يردَّ الأمر لمرحلته التكوينية التي يمر بها، وكأن سلوكه آليٌ لا يتحكم به، إنما الصحيح هو سرعة استجابته لمثل هذا السلوك الذي يستطيع ضبطه والتحكم به. ستبقى ميزة الشباب القليل الخبرة بارزه في سلوكه الذي يميزه عن الكبار، لكننا نتحدث عن انفعال يزيد عن حدِّه لأتفه الأسباب من دون مبرر ولا نفع، ثم لا يؤدي إلاَّ إلى مزيدٍ من التوتير والعناد والتحدي والمشاكل.
يمكننا توجيه الانفعال ليكون إيجابياً ومتوازناً، من دون إبطال ميزة الشباب وخصوصياتها، وأن يكون وسطياً بين الخجل المفرط والانفعال الزائد، بين الإنطواء على النفس وعدم لياقة التعامل مع الكبار، بين الشعور بالغبن واستعداء المحيط، وذلك باعتماد القاعدة التي رسمها النبي الأكرم(ص):"خيرُ شبابكم من تشبَّه بكهولكم"(143). فالكهل بما يمتلك من معرفة وخبرة يتصرف باتزان ودراية، وهو بذلك قدوة للشباب الذي يريد تقويم أدائه، نحو الأفضل، فالحديث لا يدعو إلى الخروج عن خصوصية مرحلة الشباب، بل يدعو إلى التشبُّه أي الاستفادة من إيجابيات سلوك الكهل.
على المراهق أن لا يبالغ في تصوراته وأوهامه وأحلامه، وأن يكون واقعياً، يلتفت إلى إمكاناته ومحيطه الاجتماعيين، وأن يتجاوز حسَّه المرهف تجاه تصرفات الآخرين، فلا يتسرع بالحكم عليها، ولا يتهمهم بالإساءة إليه أو استهدافه. وعليه أن لا يقاطع عالم الكبار، ولا يكتفي بنصائح وآراء أقرانه، فإنَّه بحاجة إلى من يرشده وينصحه كي لا يدفع الثمن من تجاربه وأخطائه.