بناءً لما تقدَّم، فإنَّ التقسيم الإسلامي للمراهقة من 14 - 21 سنة، منسجم مع التقسيم المعاصر من 13-21 سنة.
لاحظ معي كيف يركز الإسلام على الاعتراف بشخصية المراهق، فالحديث الشريف يعتبر العلاقة المناسبة معه بأن يكون وزيراً، والوزير يُسأل عن رأيه ويُستشار ويُناقش، ويُعطى مساحة من حرية الحركة والقرار، وتُراعى مكانته واحترامه أمام الآخرين، ويُشارك في الأنشطة الاجتماعية والعائلية كصاحب كيان مستقل، ويُعطى المجال لتحقيق بعض رغباته ما دامت في الإطار السليم. فالوزير مستشار وصاحب صلاحيات، فهو ليس مأموراً من الأب أو المربي بشكل دائم ، ولا يُعامل كطفل عاجز عن اتخاذ بعض الخيارات، وإلاَّ تحطمت معنوياته أو وصل إلى التمرد لاثبات شخصيته. يدعو الإمام الصادق(ع) بأن"ألزمه نفسك"، أي اجعله ملازماً لك، صاحباً وصديقاً، بأن تتعامل معه كشخص راشدٍ قادرٍ على المشاركة في القرار واتخاذ المواقف، فلا تستخِف بقدراته وإمكاناته، وأعِنْهُ بالنصح والتوجيه من موقع الصحبة لا من موقع الآمرية، وبالإرشاد من موقع الصديق لا من موقع السلطة، حاول أن تقرِّب له الفكرة الأصوب، وأن تُقنعه بها ليختارها بملء إرادته، لا بالقهر والإلزام والضغط.
ففي هذه "الفترة تتكوَّن فيها معالم الشخصية المستقلة، فالولد يجنح إلى الاستقلال وإبداء الرأي والاختيار، ويرغب بأن تؤخذ وجهة نظره بعين الاعتبار، ويكره بأن يُعامل بطريقة طفولية، ويتصرف على أساس أنَّه صاحب قرار، وأنَّه يتميز بمجموعة من الصفات الخاصة والمهمة. لذا، نرى بدايةَ المصادمة مع أهله إذا لم ينسجم مع توجيهاتهم، ونزوعَه إلى التفاعل مع أصحابه وجوِّه الخاص، واختياره لأنشطة تعبِّر عن هذا المنحى، ومحاولة تقليده للكبار باللباس أو طريقة الحديث أو الجلوس أو التدخين..إنَّ التعاطي مع هذا العمر يتطلب شكلاً من المؤاخاة مع الصبي أو البنت، وإشعارهما بخصوصيتهما والاعتراف بشخصيتهما ومتطلباتهما"(15).
هذا التوجيه متناغم مع التربية الحديثة التي تتحدث عن مرحلة المراهقة، حيث تعتبر:
" أ- المراهقة المبكرة من 13 -16 سنة، وهي تمتد منذ بدء النمو السريع الذي يصاحب البلوغ، حتى بعد البلوغ بسنة تقريباً، عند استقرار التغيرات البيولوجية عند الفرد. وفي هذه المرحلة يسعى المراهق إلى الاستقلال، ويرغب دائماً في التخلص من القيود والسلطات التي تحيط به، ويستيقظ لدى الفرد إحساسه بذاته وكيانه، ويميل إلى الاندماج مع جماعة من الأصدقاء(الشِّلة)، وتشتدُّ منافسته مع أترابه واخوته، ويحاول أن يجذب إليه انتباه الجنس الآخر.
ب- المراهقة المتأخرة من 17 - 21 سنة، وفيها يتجه الفرد محاولاً تكييف نفسه مع المجتمع الذي يعيش فيه، ويوائم بين تلك المشاعر الجديدة وظروف البيئة ليحدد موقفه من القضايا المختلفة، محاولاً التعود على ضبط النفس، والابتعاد عن العزلة، والانضواء تحت لواء الجماعة، فتقل نزعاته الفردية، ولكن في هذه المرحلة تتبلور مشكلته في تحديد موقفه بين عالم الكبار، وتتحدد اتجاهاته إزاء الشؤون السياسية والاجتماعية وإزاء العمل الذي يسعى إليه"(16).