قالوا بأن تعدّد الزوجات هو كالثلج على قلوب الرجال وكالنار على قلوب النساء، فما رأيكم في ذلك؟
عندما نتحدث عن صلاحية وحق، علينا أن نعرف منشأ هذا الحق، فإذا كانت له مبررات موضوعية نسلِّم به ونتعاطى معه بشكل طبيعي وواقعي. والسؤال هو: لماذا سمح الإسلام للرجل بتعدد الزوجات؟
تختلف طبيعة الرجل عن طبيعة المرأة، كما تختلف متطلبات كل واحد منهما، وقد ذكرنا ذلك مفصلاً في حلقة سابقة، وتتداخل العوامل والظروف الموضوعية لتجعل التَّعدد حلاً للمشاكل التي يواجهها الإنسان، وعندما يرتبط التَّعدد بالطبيعة من ناحية وبالعوامل والظروف من ناحية أخرى، يصبح الأمر مستساغاً لأنَّه يحقِّق علاجاً لمستلزمات الحياة الإنسانية.
أما طبيعة الرجل وفطرته فهي أكثر تطلُّباً من جهة الغريزة الجنسية، وقد تكون دافعاً للتَّعدد عندما لا ترتوي هذه الرغبة بواحدة لأي سبب من الأسباب. وبما أنَّ كبتَ الغريزة يؤدي إلى أزمات نفسية واجتماعية، وأنَّ إطلاقها يؤدي إلى الانحراف عندما لا يفسح المجال لتصريفها عن طريق الحلال، كان الحل الإسلامي بالتعدد وفق الضوابط الشرعية منفذاً لمتطلبات هذه الغريزة، كي لا تقع أسيرة الكبت ولا تتفلَّت باتجاه الانحراف.
وأما العوامل والظروف التي تدفع إلى التعدد فهي كثيرة نذكر منها:
1- رغبة الرجل بالأولاد مع عقم المرأة أو محدودية قدرتها على الإنجاب، وفي الوقت نفسه استعداده للبقاء مع زوجته.
2- مرض الزوجة المانع لها من القيام بواجباتها الزوجية.
3- عدم اكتفاء الرجل بإرواء غريزته الجنسية مع زوجته.
4- الحروب التي تحدث خللاً في قلة عدد الرجال بالنسبة لعدد النساء ما يتطلب إجراءات تحمي النساء وتحفظهن، فيكون التَّعدد سبيلاً لتحصين المجتمع، بتوزيع هذه المسؤولية على أفراده.
إنَّ التعدد يفسح في المجال لتقديم حلول عملية لقضايا واقعية، وهو اختياري مباح وليس واجباً، إذ أنَّه يرتبط بتقدير الرجل لإمكاناته ومتطلباته، في إطار مؤسسة الزواج التي تُعتبر حصانة للرجل والمرأة، علماً بأن الضرورات والحاجات تختلف باختلاف الأشخاص، كما يختلف تقييمها من شخص لآخر. لقد حفظ التعدد المجتمع الإسلامي من الفساد الأخلاقي لأنَّه عالج مصالح أكيدة ومشاكل واقعية.
أمَّا رفض تعدد الرجال للمرأة فمصلحته واضحة، تتركز في منع اختلاط المياه الذي يؤدي إلى ضياع الأنساب، لأنها الأم والحاضنة للولد. وفي العلل بإسناده عن محمد بن سنان:"إنَّ الرضا(ع) كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله علَّة تزويج الرجل أربع نسوة وتحريم أن تتزوج المرأة أكثر من واحد، لأن الرجل إذا تزوج أربع نسوة، كان الولد منسوباً إليه، والمرأة لو كان لها زوجان أو أكثر من ذلك لم يُعرف الولد لمن هو؟ إذ هم مشتركون في نكاحها، وفي ذلك فساد الأنساب والمواريث والمعارف"(1).
وربَّ قائلٍ: ماذا لو كانت المرأة عقيمة؟
فبالإضافة إلى ما ذُكر من منع اختلاط المياه كسبب رئيس، يُعتبر نظام تكوين الأسرة في الإسلام، والذي يجعل القوَّامية للرجل، مبنياً على اعتبار المرأة جزءاً من هذا التكوين للأسرة، وهي ترتبط بجملة حقوق وواجبات تستلزم منها أن تكون مع رجل واحد، كما يساهم تكوينها الفطري في هذا الاتجاه، ولا يمكن المحافظة على استقرار وبناء الأسرة بغير هذا السبيل.
لكن لماذا يعتبر التعدُّد كالنار بالنسبة للمرأة؟ فلهذا الاعتبار سببان:
الأول: تربوي، فمع تركيز التوجيه والتربية على ضرورة أن تستقلّ المرأة ببيتها وزوجها، بحيث لا ينافسها أحد، وأن تكون لها خصوصية لا تشاركها فيها أخرى، يصبح التعدد مرفوضاً بسبب هذه التربية التي تتحول إلى موقف عام ونمط سائد وما يؤكد الأثر التربوي وجود بعض البلدان التي تتعاطى حالياً مع التعدد بشكل طبيعي ومألوف، كما كان كذلك في حقبات عديدة من التاريخ وفي مجتمعات متفاوتة.
الثاني: نفسي، بسبب الرغبة بالاستقلال والاستئثار، فهذا أكثر راحة وأهدأ بالاً.
أما الثلج على قلب الرجال، فمن منطلق الصلاحية الموجودة للتعدد، والتي تعالج لهم بعض المتطلبات أو المشاكل التي يواجهونها. لكنَّ الكثيرين لا يرغبون بالتعدد ولا يُقدمون عليه لألف سبب وسبب، إذ يعتبرون أنفسهم مكتفين وغير محتاجين أو مضطرين إلى التعدد، وأنَّ خسائر التعدد بالنسبة لهم أكثر من أرباحه، فلا مشاكل لديهم أو مطالب تستدعي التَّعدد. والفرق واضح بين وجود الصلاحية واستخدامها، فالتَّعدد يُرتِّب عملياً مسؤولية على الرجل.
لنتعامل مع التعدد بشكل موضوعي، وليكن السؤال واضحاً ومحدداً: هل يلجأ الرجل إلى التعدد إذا لم تكن لديه مبررات لذلك؟ إنَّه في غالب الأحيان يحل مشكلته الخاصة بالتعدد، أمَّا الحالات التي يكون الحل فيها بناءً لتوجيه عام أو حل لمشكلة اجتماعية فقليلة بل نادرة. وعلى هذا الأساس فلن يتوقَّف الرجل عندما يقوله الآخرون عنه لأنها مشكلته، ويريد حلَّها، ويعتبر أن التعدد حلٌ شرعي يحصِّنه ويريحه. أمَّا ما تراه المرأة فمن زاوية مختلفة عمَّا يراه الرجل، ومع ذلك فمع التثقيف والتوجيه والتربية السليمة تصبح الصورة أوضح. وليس مطلوباً من الرجل أن يشرح للناس أسباب إقدامه على التعدد، فهي صلاحية معطاة له، وقد يتندَّر الآخرون من حوله عن الأسباب التي دفعته لذلك، أو لا يوافقونه عليها، وقد لا يعرفونها، وهذا كله لا يقدِّم ولا يؤخر شيئاً، فلا علاقة لأحد بما يقرره، يعلنه أو يضمره، إنها حياته وحياة من اختارها، فالميزان الأساس موافقة العمل للشريعة المقدسة التي أباحت التعدد كحل للمعالجة.