أود أن أتوقف عند هذه الفقرة:" وإن كان حقك عليها أغلظ، وطاعتك بها ألزم، فيما أحببت وكرهت ما لم تكن في معصية"؟
الملاحظ عند قراءة هذا الحق من بدايته أنه موجه لحق المرأة عند الرجل بشكل خاص لقوله:" وأما حق رعيتك بملك النكاح" أي حق زوجتك التي أصبحت كذلك بعقد النكاح وهي رعيتك بملك النكاح، ثم يتابع" فأن تعلم أن الله جعلها سكناً ومستراحاً وأنساً وواقية" تقيك من المعاصي وتحفظك من الزلات، ثم يتحدث عن النعمة المتبادلة، ليصل إلى هذا القول بطريقة الاستطراد:" وإن كان حقك عليها أغلظ، وطاعتك بها ألزم"ما يُشعر أنَّ التركيز الأساس على مسؤولية الرجل في حماية ورعاية المرأة وإلفاته إلى ما توفِّره له من سَكَن وأُنس وراحة، على أن لا تغفل المرأة واجباتها في حماية الأسرة بالالتزام بالطاعة وفق ما أمرت به الشريعة المقدسة. ومن الطبيعي أن يكون حق الرجل أغلظ وأصعب ، لأنه يعبِّر عن المسؤولية التي يحاسب عليها الرجل، والتي عليه إدراك أبعادها والقيام بها على أحسن وجه، وهي منسجمة مع توزيع الأدوار والطاقة المودعة فيه لإدارة الأسرة، ومن ناحية أخرى فإن الزوجة واقعة تحت سلطة يجب احترامها ومساعدتها وطاعتها في الدائرة المقرَّرة للنجاح، وهذا يستلزم منها أن تكون على قدر المسؤولية. فالحق أغلظ من جهتين : أمَّا من جهة الرجل فيتمثل بالقوامية وأمَّا من جهة المرأة فيتمثل بالطاعة، على تفصيل يأتي في الحلقة الثانية.
لكن الطرفين مقيَّدان بعدم المعصية، فالعامل الذي يتحكم بتكليف كل منهما هو أوامر الله ونواهيه، ولا دخل للرغبات المحببة أو المكروهة في رسم خطوات العلاقة الزوجية إلاَّ إذا كانت منسجمة مع التكليف الشرعي، وعليه فالمعصية مرفوضة ولا تبرير لها، وهي خاضعة للقاعدة العامة" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، وليس لأي صفة خصوصيةً تجيز المعصية.
فلا يستطيع منعها من الحج الواجب عليها، وتستطيع مخالفته وأداء الواجب حتى مع رفضه لذلك، فلو أمرها بالإفطار في شهر رمضان المبارك، فعليها الإمتناع والرفض ولا سلطة له عليها، وهكذا بالنسبة لأي معصية، في المقابل يجب عليها أن تؤدي حقوقه عليها وإلاَّ ارتكبت معصية في عدم تأديتها. ولا تقتصر قيمة الحق على توزيع الصلاحيات، بل تتعداها إلى المسؤولية أمام الله جلَّ وعلا، ما يؤدي إلى تعزيز الوازع الداخلي للإلتزام بالحقوق والواجبات كما شرَّعها الله تعالى .