سماحة الشيخ، ماذا يقصد الإمام زين العابدين(ع) من قوله:" وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها"؟
تحدثنا في الإجابة السابقة عن الآية الكريمة التي توجه الخطاب للطرفين وتعتبرهما متكافئين في ذلك، وها هو الإمام زين العابدين(ع) يبيِّن المضمون نفسه بصياغته وأسلوبه، فعلى كل من الرجل والمرأة أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أنَّ ذلك نعمة من الله عليه، فالزوجة نعمة على الزوج، والزوج نعمة على الزوجة، والنعمة تفترض مسؤوليات تجاهها حتى تبقى وتستمر ويتم الاستفادة منها، وإلاَّ فإنها تزول وتسقط وتنقلب خيبة أمل في حياة الإنسان. إذاً لا يكفي أن يفرح الإنسان بالنعمة، إنما عليه ان يؤدي حقها من الشكر وحسن الأداء، فإنَّها توفر أسباب الراحة الجسدية والنفسية لمن يحافظ عليها.
إنَّ القيام بمسؤولية النعمة وأداء حقها للمحافظة عليها يتم بالأداء الحسن والإكرام والرفق، فحسن الصحبة يضفي ظلالاً من الأخلاقية المريحة للطرف الآخر، والإكرام يؤدي إلى البذل من دون ابتغاء البدل وهو يعبر عن نفسية معطاءة تُريح الحياة الزوجية، والرفق حنان وعطف يعمِّم أجواء إيجابية في رعاية ضعف ومتطلبات الطرف الآخر، فلا قسوة ولا تسلط ولا شدة، بل تعامل بالحُسنى والرقة والشفافية، إنَّه أداء يرقى بالحياة الزوجية إلى مستوى عالٍ من الجمالية والأخلاقية ويُسعد الطرفين فيها.
أما إذا تغلَّب الطابع القانوني بالوقوف عند الحرفية الدقيقة لِحَق كل منهما، فستكون الحياة الزوجية جامدة وخالية من العاطفة، لذا نلاحظ التركيز في الآية الكريمة وفيما أوضحه الإمام زين العابدين(ع) على بث معاني الحب والمودة والاحترام والرحمة، لأن المطلوب هو البذل لا الاكتفاء بالأخذ، والتسامح لا الجمود عند الحدود. فالضوابط إنما شُرِّعت لتحديد مساحة حقوق وواجبات كل طرف، ما يؤسس للمسار الصحيح في العلاقة الزوجية، ثم تأتي التنازلات المتبادلة لإضفاء جو عاطفي خاص، فتكون الضوابط حاكمة عند الاختلاف كي لا تؤثر الأهواء والأمزجة فتحرف الأمور عن مسارها، وكي لا تفشل العلاقة بسبب عدم وجود تلك الضوابط.