بعدِ يومينِ، احضرتْ معلمةُ الدِّينِ قُصاصةً منْ صحيفةٍ، وقرأتْ لِلبناتِ ما كتَبتْهُ الصحافيةُ، التي اعتبرَتْ أنَّ البناتَ لا يعرِفْنَ لماذا تَحَجَّبْنَ؟ ولا يحفَظْنَ آيةً منَ القرآنِ الكريمِ حولَ الحجابِ؟ وأنّ إجاباتِهِنَّ حولَ الإيمانِ والارتباطِ باللهِ تعالى لا تكفِي! وهيَ نتيجةُ ضغوطاتٍ عائليةٍ ومدرسيةٍ!
قالت المعلمة: سأخصِّصُ هذا اليومَ للحديثِ عنْ مقالةِ الصحافيةِ، فأنا لم يُزعِجنِي مما قالتهُ إلاَّ أنَّكُنَّ لا تحفظْنَ آيةً عنِ الحجابِ، فالحديثُ عنْ ضغوطاتٍ عائليةٍٍ ومدرسيةٍ غيرُ صحيحٍ، ويَكْفينا أنَّنا نعرفُ هذهِ الحقيقةَ، وبَدَا منْ كتابَتِها أنَّها منزعجةٌ منْ جرأتكُنَّ وإبدائِكُنَّ القناعةَ بالحجابِ، فحديثكُنَّ عنِ الإيمانِ باللهِ تعالى كسببٍ للالتزامِ بالحجابِ جوهريٌ وأساسيٌّ، وهذهِ هيَ مقدِمةُ الطَّاعةِ، لكنْ، أنْ لا تحفَظْنَ آيةَ الحجابِ فهذهِ نُقطةٌ سلبيةٌ، علينا أنْ نُحصِّنَ أنفُسَنا، ونُجيبَ عنْ كلِّ الأسئلةِ، فالحمدُ للهِ لمْ يترُكْ دينُنا أيُّ أمرٍ إلاَّ ووضَّحَّهُ لنا، قالَ تعالى:"وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ "(1).
سأكتبُ على اللَّوحِ آيةً عنِ الحجابِ. قالَ تعالى في القرآنِ الكريمِ في سورةِ الأحزابِ، الآية 59 :
" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً".
• الخطابُ في مطلعِ الآيةِ للنبيِّ(ص): "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ"، ليُخبرَ المؤمناتِ عنْ تكليفِهِنَّ وأمرِ اللهِ
لهنَّ بقولِهِ: قُلْ.
• لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ: وهنَّ المقصودات بالتكليفِ أي زوجاتُ النبيِّ(ص)،
وبناتُ النبيِّ(ص)، وجميعُ النساءِ المؤمناتِ ممَّن بلغْنَ سنَّ التكليفِ.
• الجلابيبُ جمعُ جلبابٍ،"وهوَ ثوبٌ تشتملُ بهِ المرأةُ فيغطِّي جميعَ بدنِها"2، أو "ثوبٌ واسعٌ، تَلويهِ المرأةُ على رأسِها وتُبقِي منهُ ما تُرسِلُهُ على صدرِها"(A).
• قولُهُ تعالى:"يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ"، أي " يُقرِّبْنَ الثوبَ إلى الجسدِ بطريقةٍ تُغطِّي البدنَ وتستُرُ الرأسَ والصدرَ أيضاً.
• "ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ"، فبالحدِّ الأدنى يُعرَفْ بأنَّهُنَّ أهلُ السترِ والصلاحِ، فلا يؤذِيهِنَّ أهلُ الفسقِ بالتَّعرُّضِ لَهُنَّ، لأنَّ السَترَ الشرعيَّ يدُلُّ على شخصيةٍ ملتزمةٍ، يمنَعُ الآخرينَ منْ التمادي معها.
• "وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً"، فاللهُ يغفِرُ لِمنْ أخطأَتْ، ولمنْ لمْ تتَقيَّدْ لفترةٍ منَ الزمنِ بتعاليمِ اللهِ تعالى، كما يغفِرُ لكلِّ مذنبٍ مهما كان ذنبُهُ، إذا قرَّرَ التوبةَ والطاعةَ لأوامرِ اللهِ. وهوَ
رحيمٌ، يعطِي منْ رحمَتِهِ ما يكفِي الإنسانَ المؤمنَ ويرِيحُهُ ويطمئِنهُ في الدنيا والآخرة.
إنَّ لهذهِ الآيةِ قصةً في سببِ نزولِها منْ عندِ اللهِ تعالى، ففِي تفسيرِ القرآنِ الكريمِ للعلَّامةِ القُمِّيِّ:"أنَّ النساءَ كُنَّ يَخرُجْنَ إلى المسجدِ، ويصلِّيْنَ خَلْفَ رسولِ اللهِ(ص)، فإذا كانَ الليلُ، وخرجْنَ إلى صلاةِ المغربِ والعشاءِ الآخرةِ، يقعدُ الشبانُ لهنَّ في طريقِهِنَّ، فيؤذونَهُنَّ ويتعرَّضُونَ لَهُنَّ-يتحرشونَ بِهنَّ-، فأنزلَ اللهُ هذهِ الآيةَ الكريمةَ"3.
سأكتفِي بهذا المقدارِ في هذا الدرسِ، لِتحفَظْنَ الآيةَ معْ تفسيرِها، ولتكوِّنَ لديكنَّ معرفةً دقيقةً بما أمرَ اللهُ بهِ، وسأُفسِّرُ لكُنَّ آيةً أخرى ترتبطُ بالحجابِ أيضاً في الدرسِ القادمِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى، بعدَ أنْ أتأكدَ منْ استيعابِكُنَّ لهذهِ الآيةِ.
رفعتْ زينبُ يدَها، فأعطَتها المعلمةُ إذنَ الكلامِ، فقالت: لِمَ لا تعطينا الآيةَ الأُخرى الآن؟ فقدْ فهمنا هذهِ الآيةَ جيداً، ونحنُ مستعدونَ لحفظِ الآيتينِ معاً مع تفسيرِهما.
أجابتِ المعلمة: ليسَ عندي أدنى شكٍّ بفهمِكُنَّ ، ولم تكنْ ملاحظتي عندَ الإجابةِ على أسئلةِ الصحافيةِ مستوى استيعابِكُنَّ للحكمِ الشرعيِّ حولَ الحجابِ، ولكنَّ المشكلةَ في عدمِ حفظِكُنَّ للآياتِ، ومنَ الضروريِّ أن تأخُذْنَ فرصةً لحِفظِ هذهِ الآيةِ ،فإلى الدرسِ القادمِ.
زينب: ولكني متشوقةٌ جداً لمعرفةِ هذهِ الآيةِ، وقدْ يسألني أحدٌ عنها خلالَ هذا الأسبوعِ، فلا أرغبُ بأن أكونَ جاهلةً بها، فأنا الآن محجَّبةٌ، ومقتنِعَةٌ، وتنقُصُني هذهِ الآيةُ فقط.
المعلمةُ: مهلاً يا زينبُ، لا خوفَ على قدرتكِ في الدفاعِ عن إيمانك، وأنا واثقةٌ بأنَّ الآيةَ تعطيكِ منطقاً إضافياً في المحاججةِ بالدليلِ، لكنَّها لا تغيِّرُ من عزيمتِكِ إن شاءَ اللهُ. على كلِّ حالٍ، هي آيةُ غضِّ البصرِ، فلنكتفِ بهذا المقدارِ، وإلى الأسبوعِ القادمِ إن شاءَ اللهُ.