باسمه تعالى
حق الصاحب
قال الإمام زين العابدين(ع):
"وأمَّا حق الصاحب، فأن تصحبه بالفضل ما وجدتَ إليه سبيلاً، وإلاَّ فلا أقلَّ من الإنصاف، وأن تُكرمه كما يُكرمك، وتحفظه كما يحفظك، ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة، فإن سبقَك كافأته، ولا تقصر به عمَّا يستحق من المودَّة. تُلزم نفسَك نصيحتَهُ وحياطتَهُ ومعاضدتَهُ على طاعة ربِّه، ومعونتَهُ على نفسه فيما لا يهمُّ به من معصية ربِّه، ثم تكون عليه رحمةً ولا تكون عليه عذاباً، ولا قوَّة إلاَّ بالله".
1- حق الصاحب.
إنَّ حياة الإنسان ذات طبيعة اجتماعية، فهو يرغب بشبكة من العلاقات تؤنسه وتريحه وتقوِّيه وتناصره وتنصحه وتعينه، فلا يمكنه العيش وحيداً منعزلاً وإلاَّ أُصيب بأزمات نفسية وتحولت حياته إلى شقاء وإحباط، فهو يبحث دائماً عمن يألفه ويتعاطى معه. وهذا هو المسار الطبيعي الذي شجع عليه الإسلام في ملازمة الجماعة وصلة الأرحام والعلاقة مع الجيران وحسن اختيار الأصحاب والأصدقاء.
وللصاحب تأثير كبير على شخصية صاحبه، فالفترة التي يقضيها معه طويلة، والأحاديث التي تجري بينهم كثيرة ومتنوعة، وسلوك الواحد منهما واهتماماته تؤثر على الآخر، سواء أكانت للمسايرة أو بسبب الاقتناع بها. فاكتساب الصاحب المناسب نعمة كبرى، نظراً للفوائد التي تتحقق من الصحبة والصداقة الصالحة، ومن لم يستطع اكتساب هذا النموذج من الأصحاب فقد خسر خسارة كبيرة، فعن أمير المؤمنين علي(ع):"أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيَّع من ظفر به منهم"(1).
فمن أجل المحافظة على الصاحب الصالح، عليك أن تراعي حقوقه وتلتفت إلى تصرفاتك، فلا استمرار لعلاقة من دون أداء يساعدك على استقرارها، ولا يكفي الاتكال على المودَّة الملازمة للصحبة لاستمرارها ما لم يتم حمايتها بضوابط عملية وتصرفات سليمة.
وقد وجَّهنا الإمام زين العابدين(ع) إلى الحقوق التي تحفظ الصحبة وتجعلها نافعة، فبدأ بالحث على الإحسان والعطاء من دون مقابل، كي لا تتحول الصحبة إلى تبادل ومقايضة مادِّية للمصالح بين الطرفين، وكي تبقى في موقع العلاقة المعنوية كأساس، وذلك بأن"تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلاً"، فإن لم تستطع ذلك فكن منصفاً عادلاً تضع الحق في نصابه، وكما قال أمير المؤمنين علي(ع):"ولا تضيِّعن حق أخيك اتكالاً على ما بينك وبينه، فإنَّه ليس لك بأخ من أضعت حقَّه"(2)، فتعطيه ما يستحقه، وتمتنع عمَّا يزعجه، وتقوم بواجباتك تجاهه، وتراعي ظروفه وخصوصياته، وتحترمه وتقيم له شأناً، فلا ترهقه بطلباتٍ لا يتحملها، ولا تحمِّله مسؤولية ما لا علاقة له به. "فلا أقلَّ من الإنصاف" إذا لم تكن قادراً على الفضل والعطاء.
وليكن التبادل بينك وبينه بالتسابق نحو الخير، بأن "تُكرمه كما يُكرمك"، فلا يصح أن يعطيك ولا تعطيه، "وتحفظه كما يحفظك"، فيكون كل واحد منكما آمناً تجاه الآخر، ولتكن المنافسة في السبق إلى المكارم، فلا تنتظره حتى يعطيك، بل أعطه قبل ذلك في إطار البذل والسبق في العطاء، "ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة"، لكنْ قد لا يتيسَّر لك أن تسبقه في بعض الحالات، فلا مشكلة في ذلك،"فإن سبقك كافأته"، لتكون سمة العطاء والتهادي والمكافأة هي الغالبة على علاقتكما. ولا تقتصر الأمور على الشكل المادي أو الظاهري للعطاء من خلال الإطعام أو الإقراض أو المساندة أو المواساة أو التصدي للمساعدة أثناء الحاجة...الخ، بل تتعداها إلى إبراز العلاقة العاطفية، ونشر الدفء والمحبة بين الصاحبين، فلا"تقصر به عمَّا يستحق من المودَّة"، ما يجعل الصحبة تعبيراً عن علاقة إنسانية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من تكامل وشمولية للنموذج الأفضل.
ويترتب على الصحبة مسؤولية، فعليك أن تُلزم نفسك بنصيحة صاحبك بما ينفعه ويساعده في حياته، لا بما يسرُّه أن يسمعه منك، وأن تأنَس إذا فعل ذلك معك، وكما قيل:" صديقكَ من صدَقَكَ لا مَنْ صدَّقَكَ"، وعليك أن تحيطه برعايتك واهتمامك، وأن تعاضده وتسانده ليكون دائماً في طاعة الله، وأي نصيحة أو حياطة أو معاضدة نافعة إذا لم تكن في طاعة الله؟! فالخير كل الخير لصاحبك في هذا الطريق المستقيم، لذا عليك أن تعينه إذا خالجته نفسه لارتكاب المعاصي، وكان عازماً على تركها لكنَّه لم يحسم خياره، بأن تكون إلى جانبه مشجعاً له على الثبات في طريق الطاعة، وكذا إذا مالت نفسه إلى المعصية بأن تردعه عنها، فتكون بذلك قد أعنته على نفسه بعدم معصية ربِّه.
فإذا التزمتَ بمفردات هذا الحق، تكون رحمةً على صاحبك ولا تكون عذاباً عليه، واحرص دائماً بأن يوصلك أداؤك إلى هذه النتيجة، ما يجعل صاحبك متمسكاً بصحبتك، لأنها مليئة بالخيرات والفوائد، وتنقذه من العذاب في الدنيا والآخرة.